Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

ضمن الحقائق التي لا يُمكن إنكارها، أن الإعلام بنماذجه المختلفة، يُعد مؤشراً هاماً ودالّاً على مدى ارتفاع منسوب الحرية والديمقراطية في أي بلد، وفي المقابل، فإن غالبية الأنظمة السياسية الإقليمية والدولية، تسعى إلى أن تُنتج إعلاماً قوياً ومتطوراً، يواكب جُملة التحديات بمستوياتها كافة، ويتماهى بذات التوقيت مع مستويات التحرر والديمقراطية، التي يكفلها الإعلام الحر. لكن يبدو أن السلطة في دمشق، لا تحرص على أن يكون لديها ذاك الإعلام المُتميز، والمؤطر بالمهنية والمصداقية والموضوعية، ويلاحظ بشكل جلي، أن الإعلام السوري وبدل أن يحقق تقدماً يواكب التطورات وتحدياتها، نراه يُسجل تراجعاً تلو الآخر، دون تحقيق أي منهج إعلامي موضوعي، مع الاستمرار بذات الخطاب الإعلامي والتحريضي، وتقديمه نموذجاً لإعلام سلطوي وحزبي.

قد يهمك: شمال سوريا.. خرجوا لتغيير والحرية وانتهى بهم المطاف كلاجئين في بلادهم

الأزمة السورية فرضت تغطية إعلامية تكاد تكون على رأس جُل التغطيات الإعلامية، نظراً لتشابك مفردات الأزمة السورية، وحجم التحديات والتدخلات الإقليمية والدولية، ونمط مصالح القوى الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري، ولسنا بصدد مقاربة تلك التحديات والتدخلات، لكن ما يهمنا كيفية تعاطي الإعلام الرسمي للسلطة مع ماهية وطبيعة الأزمة التي عصفت بالسوريين، والأهم ثمة تساؤل يتعلق بمحددات الإعلام السوري وخطابه الموجه، وعدم قدرته على تلبية تطلعات السوريين، وإبقائه ضمن وجهة نظر واحدة، ترتكز على محددات السلطة الحاكمة والخطاب الحزبي الموحد.

تشهد سوريا ومنذ ثلاثة عشر عاماً، أزمة مركبة ومعقدة، لكن بدايات الأزمة في سوريا، شهدت موجة احتجاجات عارمة، خلّفت أعداد كبيرة من المعتقلين، وبذات التوقيت، فإن الإعلام السوري بقنواته المختلفة، وكذا الصحف الرسمية السورية، خصصت جُل تغطياتها وتقاريرها ضمن سياق محدد، تؤطره نظرية المؤامرة التي يشنّها الغرب على السلطة الحاكمة في دمشق، دون التطلع الى رغبات الشارع السوري وهواجسه، وعليه فإن الإعلام السوري استحوذ وبقوة، على لقب الإعلام التجميلي، الذي يُعنى بتجميل السلطة وممارساتها، وتصدير الخطاب المُعتمد على مصطلحات التخوين والعمالة، وتبني موقف السلطة، ليكون بذلك الإعلام السوري، ناطقاً باسم السلطة فقط، ودون أن يُعير الانتباه لما ينادي به جُلّ السوريين.

دأبت السلطة في دمشق في خطابها الإعلامي، على تشكيل سياق إعلامي محدد، وفرضت على الجميع في مناطق سيطرتها، التعاطي معه بل وتعميمه، ولا يجوز الخروج عن هذا السياق الإعلامي المحدد سلطوياً، فالإعلام السوري أخد خطاب السلطة، ودار في فلكها، وتبنى وجهة نظرها بالمطلق، وتحول إلى إعلام خشبي دون هدف ومضمون، وبالتالي فإن هذا الأسلوب الذي عممته السلطة الحاكمة في دمشق، لم يعد يُجدي نفعاً في هذا الزمن الذي تنتشر فيه المعلومات بوسائل عدة، ولم يعد فيه المواطن السوري مضطراً لأخذ معلوماته من مصدر واحد، والأهم من هذا وذاك، بات الإعلام السوري وخطابه، ضعيف المحتوى، فارغ المضمون، في مواجهة تدفق معلوماتي هائل.

حقيقة الأمر، إن تعاطي الإعلام السوري مع جُل الملفات بطريقة بعيدة عن المنطق والواقع، يعود الى أن الإعلام في سوريا، لا يزال خاضعاً لسيطرة السلطة وأجهزتها الأمنية بشكل مباشر، دليل ذلك، ما ذكره صراحة أحد الإعلاميين والذي يتمتع بخطاب وتحليل مهني، أنه في أحد المرات وقبيل ظهوره على قناة الإخبارية السورية، لتغطية استهداف إسرائيل لأحد المواقع السورية، أخبرته أحد الجهات الأمنية بما يجب أن يقوله، دون الخروج عنه، ودون ذلك ستتم محاسبته.

في الإعلام السوري ثمة أمثلة كثيرة تؤكد ارتباط هذا الإعلام بالسلطة، وترويج ما تريده، من تلك الامثلة، المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية السوري السابق وليد المعلم، والذي عقده في بداية الأحداث في سوريا، عندما عرض لقطات فيديو في المؤتمر، على أنها ممارسات “المسلحين في سوريا”، وحينها اتهمته أطراف كثيرة بفبركة تلك اللقطات، وأنها تعود إلى أحداث جرت قبل سنوات في لبنان. فكان ذلك الأمر سقوطاً سياسياً وفضيحة بالمعنى السياسي، وغير ذلك، فقد ادعت إحدى القنوات الفضائية في سوريا، ومع بداية موجة التظاهرات ضد السلطة، أن السوريين يخرجون إلى الساحات، للاستمتاع بالأمطار، ولا صحة لما يروّجه الإعلام المعادي للسلطة، بأن السوريين يتظاهرون ضد نظامهم، ومن ذلك نستنتج، أن التغطية الإعلامية تعكس الموقف الرسمي السوري، والعكس بالعكس.

يُفهم أن السلطة السياسية في سوريا، هي بحاجة إلى تبيان وجهة نظرها حيال الأحداث في سوريا، وتسعى إلى تحشيد الرأي العام المحلي خلف مواقفها، لكن هشاشة وضعف وارتباك الإعلام في سوريا، فضح السلطة في أكثر من موضع، وبات واضحاً أن الإعلام الرسمي وكذا خطاب السلطة، لم يستطيعا امتصاص حالة الإحباط الشعبي، نتيجة تراجع الأوضاع الاقتصادية و المعيشية الحادة التي يعاني منها المواطن السوري بخلاف الوعود الفضفاضة التي أطلقتها الحكومة، إضافة إلى ذلك، فقد فرضت السلطة في دمشق، على الإعلاميين والناشطين في مناطق سيطرتها، على اتخاذ سياق محدد، قوامه مصطلحات إعلامية وسياسية، ترتكز على التخوين والارتهان للخارج، ضد كل ما ينتقد سوء الأوضاع التي يعيشها السوريين.

وربطاً بما سبق، فإن الخطاب الإعلامي الذي تبنّته السلطة ومن يعمل في فلكها، كان سبباً في توسيع الانقسامات داخل المجتمع السوري. هي انقسامات تتعمق أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، كما يؤدي الإعلام السوري والحزبي دوراً بارزاً في التأثير على الانتماءات والتحيز. وبحسب تقارير عديدة، فإن ما يبثه الإعلام الرسمي في مختلف قنواته المرئية والمسموعة والمكتوبة، يُمثّل شكلًا من أشكال خطابات الكراهية، ومن المؤسف القول، بأن الشعب السوري ينتمي بأغلبيّته إلى فريق سياسي معين، ويؤثر ذلك على الجميع تقريباً. فاللجوء إلى التعميم والصور النمطية والاتهامات بالإرهاب والخيانة متفش في كل مكان، كما أن خطاب الكراهية الموجّه من قبل السلطة وإعلامها، ضد مجموعات سياسية مختلفة وضد مناصريها، دائماً ما يكون السبب الرئيسي والأساسي للتحريض على العنف. وهذا ما تريده وتسعى إليه السلطة الحاكمة في دمشق، لإبقاء حالة الفوضى في المجتمع السوري وبين شبابه.

نحن كإعلاميين ومثقفين، ومدركين بطريقة تعاطي السلطة وإعلامها مع السوريين، هدفنا أولاً وأخيراً، الحفاظ على السّلم الأهلي، وذلك عن طريق التصدي لخطاب الكراهية، والحفاظ على كرامة السوريين المستهدفين جراء تبنيهم موقفاً سياسياً مُخالفاً لتوجهات السلطة، وفي ذات الإطار، فإننا نرفض قولبة السوريين ضمن إطار سياسي محدد، الأمر الذي يُقيّد حريات السوريين، ويمنعهم من الارتقاء بمجتمعهم، والذي سيكون عماده الحرية والديمقراطية وتبني وجهات نظر سياسية مختلفة.

قد يهمك: الرئيس الإيراني في دمشق.. ماذا عن هواجس السوريين؟

ختاماً. جُملة ما سبق من معطيات ووقائع ووضعها في سياق إعلام السلطة، لا يُقصد منها بتاتاً فضح المنابر الإعلامية في سوريا، ولا حتى غاية ما تم سرده هو التشهير بتلك الوسائل، إنما المقصد والهدف الأول والأخير، هو العمل لوضع معايير إعلامية محترفة وموضوعية، وتتطابق في الجوهر والمضمون، مع غايات السوريين، للوصول الى خطاب إعلامي قوي ومتوازن، ومن الضروري أن تسلك وسائل الإعلام السورية بمختلف تصنيفاتها، سياقاً يبتعد في الكليّة عن خطاب الكراهية والتخوين والعمالة، وبذلك فقط نكون قد حققنا انتصارا يُدمر المفاهيم القديمة، ويرتفع مستوى الإعلام السوري،

ونأمل أن نرى تغييراً إيجابياً في الخطاب الرسمي السوري، تُجاه الآراء المغايرة للسلطة في دمشق، وبذلك نكون قد وضعنا اللبنة الأولى في مشروع إعلامي ناهض ومتطور، مع الأمل الدائم لنا كـ سوريين، أن تكون المنابر الإعلامية في سوريا، صوت السوريين الحُر.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة