بعد سنوات الحرب التي شهدتها سوريا، والتدخلات الإقليمية والدولية في أتون هذه الحرب، ومع تداعيات ونتائج مفرزاتها، قد يكون متوقعاً في ظل ما سبق، أن تتفشى المخدرات وتجارتها في المجتمع السوري، لكن المستغرب حقاً، أن تكون سلطة دمشق ومسؤوليها، هم المسؤولون المباشرين عن تفشي تجارة المخدرات وتعاطيها بين الشباب السوري، وكذا تصنيع الحبوب المُخدرة، وتهريبها عبر الحدود إلى دول الجوار السوري، إذ يبدو واضحاً، أن جُملة المآزق الاقتصادية التي تعاني منها سلطة دمشق، وعطفاً على القوانين الأميركية التي جمدت أموال مسؤولي دمشق، كل ذلك دفع رؤوس السلطة في سوريا، إلى الاعتماد على تجارة وتصنيع المخدرات، لتأمين السيولة النقدية الكافية للاستمرار في السلطة.
حقيقة الأمر، فإن المناطق التي تسيطر عليها دمشق، تتوفر لديها بيئة خصبة لتصنيع وترويج الحبوب المُخدرة، بالإضافة إلى المخدرات بكافة أنواعها، لا سيما أنه ثمة خبراء في تصنيع المواد المخدرة، وتوافر البُنى التحتية لتصنيعها، فضلاً عن المرافئ البحرية والممرات البرية، وكل طرق التهريب إلى لبنان والعراق والأردن، وكل ذلك يخضع لإشراف ومراقبة مباشرة، من قبل مؤسسات السلطة في دمشق، بشقيها الأمني والعسكري.
قد يهمك: هجرة السوريين.. خطر يهدد المجتمع السوري
خلال الأشهر الماضية، غصت كبرى الصحف الغربية بتحقيقات سلطت الضوء على صناعة المخدرات وتهريبها في سوريا، واللافت أن تلك التحقيقات وضعت تصنيع المخدرات وتهريبها في سوريا، ضمن أطر متعددة، تبدأ من عملية التصنيع، إلى مراكز التجميع، ومن ثم توضيب المخدرات بالشكل الأمثل لتهريبها عبر الحدود، وهنا لا نتحدث عن الحدود اللبنانية أو العراقية، فتلك الحدود تُسيطر عليها من الجانبين ميلشيات تابعة لِما يسمى “محور المقاومة”، بل الحدود الأردنية التي تشهد حركة نشطة لتجار المخدرات، إذ ترى دمشق وعلى الرغم من محاولات الأردن تهدئة الأجواء السياسية مع دمشق، إلا أن الأخيرة تُصر على استمرار التهريب عبر الحدود الأردنية، وصولاً إلى الداخل الأردني، ومن ثم إيصال المخدرات إلى دول الخليج، الأمر الذي يُشكل تهديداً إقليمياً بات من الضروري معالجته.
في عمق لعبة المخدرات وتجارتها، ثمة مُحددات لعبت دوراً في سلوك سلطة دمشق هذا المسار، فالعقوبات الغربية على دمشق، كان لها بالغ الأثر في تجفيف الموارد المالية للسلطة، الأمر الذي دفع صناع القرار في دمشق، إلى البحث عن موارد أخرى، تُحقق لهم عائدات مالية كبيرة، تُبقيه قادراً على الاستمرار، وبوضوح، فإن الأجهزة الأمنية والعسكرية في دمشق، ترعى شبكات الإتجار بالمخدرات، الأمر الذي وضع دمشق على قائمة أولى الدول المُصدرة للمخدرات في العالم.
الواضح أن سلطة دمشق ترتبط بشكل مباشر في عمليات تصنيع المخدرات وتهريبها، ترجمة ذلك تؤكده أحجام الأجهزة ذات العلاقة في سوريا، عن متابعة وضبط خطوط التهريب والإنتاج، ومنع وصولها إلى الحدود، وذلك يؤكد في جانب آخر، أن عملية تصنيع المخدرات وتهريبها والتجارة بها، تجري وفق عمليات مُنظمة ومدروسة، وتحت إشراف مباشر من قبل شخصيات أمنية وعسكرية ترتبط بـ دمشق، وتساندها في ذلك، فصائل تنتشر على الأراضي السورية، من أبرزها حزب الله، إذ تؤكد تقارير صحفية أن بعض المناطق، حيث يحظى الحزب بنفوذ، وبينها قرى حدودية بين لبنان وسوريا، تضطلع بدور أساسي في عمليات التهريب.
ولم يعد سراً القول بأن الأجهزة الأمنية والعسكرية في سوريا، تضطلع بدور كبير في أدق عمليات صناعة الحبوب المخدرة، والأهم تأمين أسواق داخلية وخارجية لتصريف الحبوب، وربطاً بذلك، فقد نشرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، تقريراً يوضح القيمة الإجمالية لشحنات المخدرات في سوريا خلال عام 2021 بـ 5.7 مليارات دولار على الأقل، وفي عام 2020 أشار موقع Syria Report، المختص بالأعمال والإقتصاد، إلى أن حجم صادرات المخدرات السورية وتقلّص أنشطة التجارة المشروعة يجتمعان لجعل المخدرات إلى حد بعيد أهم مصدر للعملة الأجنبية في سوريا.
الأمر المؤسف في كل ما سبق، أن المخدرات وحبوب “الكبتاغون”، تقتل السوريين في مناطق سيطرة دمشق، واللافت أن مؤشر الجريمة في المناطق الواقعة تحت سلطة دمشق، يرتفع جراء تعاطي المخدرات، فقد كثرت جرائم القتل والسرقة، وكلها حالات ينفذها مدمنو المخدرات، جراء حالات الإدمان، وعدم القدرة على تأمين ثمن الحبوب المُخدرة، إذ وجد هؤلاء أن الطريق المُختصر والأنسب لتأمين الحبوب المخدرة، هي الجريمة، وسط غياب المعالجات الصحيحة والحقيقية من قبل سلطة دمشق، لوضع حد لظاهرة تعاطي المخدرات، فقد وصل عدد القضايا المتصلة بالمخدرات إلى أرقام مرعبة، حيث سجل في العام الفائت 2022 أكثر من 940 قضية، اتهم فيها أكثر من 1700 شخص، وهي جرائم متنوعة منها الاتجار بالمخدرات وتعاطيها وترويجها، وأخرى تتعلق بالمخدرات أيضاً، كالسرقة والقتل العمد والقتل الخطأ والخطف، وهي النسبة الأكبر من هذه القضايا.
قد يهمك: “طال صيام السوريين”.. واقع جديد يكرسه شهر رمضان
المعلومات المتوفرة تؤكد بأن النسبة الأكبر من المتهمين هم من فئة الشباب اليافعين في عمر العشرينات، ومنهم النساء والفتيات اليافعات أيضاً، وتتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 40 عاماً.
في الخلاصة، بات واضحاً أن سلطة دمشق، ومن خلال تصنيع المخدرات وتصريفها داخلياً وخارجياً، إنما تسعى إلى خلق اقتصاد بديل، خاصة أن الاقتصاد السوري بات مُنهكاً، نتيجة لذلك، فإن تجارة المخدرات، تُلبي حاجات السلطة في دمشق مالياً، دون الأخذ بعين الاعتبار، أن المجتمع السوري وكذا عموم السوريين في مناطق سيطرة الدولة، إنما يموتون بصمت.
عمار المعوق- دمشق