بعد أن مُنيت جولاتها الثمانية بالفشل، دون تحقيق أيّا من أهدافها التي أُنشئت من أجلها، يبدو أن اللجنة الدستورية السورية، على موعد من انتهاء دورها. خلافات عديدة ظهرت بين الوفود المشاركة في اللجنة، التي وقفت عاجزة أمام تحقيق أي خطوة من شأنها دعم الحل السياسي في البلاد، في حين تطال اللجنة انتقادات لاذعة بسبب هذا الفشل، انطلاقا من حاجة السوريين إلى رؤية حقيقية من شأنها الوصول إلى الحل السياسي، وبالتالي الوصول للتغيير الحقيقي المنشود.
وفي هذا الشأن خاطب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من جنيف، أعضاء مجلس الأمن في نيويورك بعدم وجود عملية سياسية «تتحرك بثبات إلى الأمام» في الوقت الراهن، مذكراً بأنه دعا منذ أوائل عام 2020 حين جمدت خطوط القتال، إلى أن يوفر هذا الهدوء النسبي «نافذة لبناء عملية سياسية ذات صدقية»، مستدركاً أن «هذه الفرصة لم تُغتنم حتى الآن». وعبر عن القلق من الإشارات إلى «تصعيد عسكري على محاور عدة»، مبدياً خشيته من أن تؤدي دورة التصعيد الأخيرة إلى «مزيد من الانهيار، مع استمرار المدنيين في دفع تكلفة باهظة بالفعل». ودعا إلى مواصلة الدعم من جميع أعضاء المجلس لتنفيذ كل جوانب قرار مجلس الأمن الرقم 2642» الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية، «من خلال كل الطرق، سواء عبر الحدود أو عبر خطوط القتال، مع دعم التعافي المبكر».
وأكد المبعوث الأممي، أنه لا توجد في الوقت الراهن «عملية سياسية تتحرك بثبات إلى الأمام». وذكر بأسباب تعليق الخطط لعقد جولة تاسعة لاجتماعات الهيئة المصغرة للجنة الدستورية، آملاً في أن «تتمكن اللجنة قريباً من الاجتماع بجنيف». واستدرك أن «التحدي الرئيسي الذي يواجه اللجنة ليس مكان انعقادها، ولكن عدم إحراز تقدم في الجوهر»، مضيفاً: «نحتاج أيضاً إلى المضي قدماً في عملية أوسع تتعلق بكثير من الجوانب الأخرى للقرار 2254». واعتبر أنه «يمكن لسلسلة من تدابير بناء الثقة خطوة بخطوة أن تساعد في إطلاق العنان للتقدم وبناء بيئة أكثر أماناً وهدوءاً وحياداً – إذا تم ذلك بدقة وبطريقة منسقة، في إطار عملية الأمم المتحدة».
السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، ترى أن “تصريحات بيدرسون، هي بمثابة إعلان عن فشل المسار المسمى “خطوة بخطوة“، والذي سعى، بالتناغم مع توجهات دمشق، والمعارضة، لإجراء المصالحات بينهما، ووضع تعديلات بسيطة على الدستور السابق، لذر الرماد في عيون السوريين، وايهامهم بالتغيير، وإدراج المعارضة ضمن إطار المنظومة الحالية، وإخضاع المناطق الخارجة عن سيطرة قوات حكومة دمشق”.
وتقول مبيض، في حديث خاص لموقع “الحل نت“، “هذا المسار فشل لأن السوريين والسوريات أدركوا هذا التلاعب السياسي من قبل اللجنة المصغرة التي اختارها الطرفان، وعملت مع السيد بيدرسون وأدركوا مآلاته الكارثية، لذلك يسعى السيد بيدرسون اليوم لإيقاف المسار الدستوري، بحكم أنه فشل بالوصول للمصالحة وتشريع الوضع الحالي في سوريا، بالتوافق مع اللجنة المصغرة التي اختارها النظام والمعارضة“.
وتعتقد الباحثة السياسية، أن جميع المسارات السياسية السابقة للحل السياسي، تعمدت “التعطيل السياسي“، وذلك لفرض الأمر الواقع عبر تكريس قوى عسكرية على الأراضي السورية.
وحول ذلك تضيف: “نأسف، أن الأمم المتحدة التي ترفع شعارات حقوق الإنسان وحفظ الأمن، تظهر بشكل متناغم مع هذه القوى المسيطرة على الأراضي السورية، والتي تخل بأمن واستقرار المدنيين، وتقوم بترويعهم وترهيبهم. لا يمكن لأي مسار آخر، إلا أن يكون ملهاة جديدة، لشغل السوريين عن تحقيق هدف بناء دولة قانون ومواطنة، بعيدا عن هذه القوى الهمجية، وانتهاكاتها المستمرة لحقوق السوريين“.
وبرأي مبيض، فإن بيدرسون، يهدف من خلال دعوته لمسارات أخرى، إلى الهروب من المسؤولية من فشله في المرحلة السابقة وتقول: “عوضا عن أن يطرح مزيد من المسارات الفاشلة، يفترض بالسيد بيدرسون، التنحي والاعتذار من السوريين، لمحاباته لقوى ارتكبت بحقهم أبشع الجرائم الإنسانية“.
وتأتي أعمال اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة، ضمن إطار الحل السياسي للأزمة السورية الممتدة منذ عام 2011، ووفقًا للقرار الأممي 2254 الصادر عام 2015.
وينص القرار على تشكيل حكم انتقالي وكتابة دستور يسبق إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما قسّم المفاوضات إلى 4 فروع، هي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب.
وسيم اليوسف-إعلام مسد