استعرض السياسي الكردي وسكرتير الحزب الديمقراطي الكردي السوري، جمال شيخ باقي، واقع المشهد السوري والتهديدات التي يطلقها الحكومة التركية ومسؤوليها ضد مناطق الشمال السوري.
وخلال حديثٍ مطوّل، تطرق شيخ باقي لمسارات الحل السياسي وأفقه، واصفاً مشروع مجلس سوريا الديمقراطية بأنه ينبع من أحساس وطني عميق ومن فهم سياسي مستشرف للمستقبل لان الحل لا يمكن إلا ان يكون سورياً –سورياً.
ويعتبر الحزب الديمقراطي الكردي السوري أحد المكونات السياسية لمجلس سوريا الديمقراطية.
فيما يلي حديث السيّد جمال شيخ باقي:
من المفيد أن نشير إلى نقطة هامة جداً؛ الكثير من الاتجاهات السياسية عن قصد أو عن غير قصد تحاول الإيحاء وكأن التهديدات التركية بغزو مناطق شمال سوريا وكأنها تخص المكون الكردي أو الإدارة الذاتية وهذا مفهوم ساذج وهو تسطيح للمسألة أو تبرير لبعض القوى تحاول أن تبرر موقفها بأن التهديدات التركية أو التدخلات التركية أو الاحتلال التركي لبعض المناطق في شمال سوريا هو موجه ضد اتجاهات معينة.
وهؤلاء لايقرأون التاريخ جيداً، تركيا بسياساتها العدوانية هذه التي يتبعها هذا النظام الفاشي التركي تأتي من عمق العقلية الاستعمارية لدى الطغمة الحاكمة في تركيا هم من ناحية يحاولون أن يستغلوا هذا الوضع المعقد الذي نشأ منذ عشرة أعوام إلى اليوم لكي يعودوا ويحاولوا استعادة بعض مواقعهم القديمة في المنطقة من خلال طرح مفهوم ما يسمونهم هم بالميثاق المللّي بمعنى أن معاهدة لوزان ظلمت تركيا وسلخت عن تركيا بعض المناطق التي هي تركية.
تاريخياً تركيا بعد الحرب العالمية الأولى لم تكن تركيا اليوم هي كانت تركيا حسب «معاهدة مودروس». وحسب «معاهدة سيفر» كانت لا تضم سوى نصف الأناضول يعني أقل من نصف تركيا الحالية. السلطنة العثمانية والاتحاديون وقعوا على هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وبقيت دولتهم محصورة في الجزء الشمال الغربي من الأناضول في هذه الفترة حدثت ثورة 1917 ثورة أكتوبر في الاتحاد السوفييتي ونشأت السوفياتات والاتحاد السوفييتي وهنا شعر الحلفاء حلفاء الحرب أنهم أمام خطر جديد وهو خطر الاتحاد السوفييتي الدولة الشيوعية الماركسية هنا استغلوا تمرد فئة من العسكريين بقيادة كمال أتاتورك وهي مجموعة عنصرية تركية تمردوا على السلطنة العثمانية وأعلنوا أنقرة عاصمة لدولتهم الجديدة نظامها الجديد هنا الحلفاء حاولوا استغلال حركة الكماليين ودعموها من أجل هدفين أولاً إنهاء السلطنة العثماني نهائياً هذه السلطنة التي كانت مشكلة بالنسبة للأوربيين وكلنا نعرف غزواتها على أوروبا واحتلالها لشرق أوروبا كله من ناحية إنهاء السلطنة العثمانية ومن ناحية أخرى تبني الحركة الكمالية ودعمها وإنشاء دولة تركية قوية لكي يتمكنوا من مواجهة الاتحاد السوفييتي وجعلها قاعدة للحلفاء في مواجهة الاتحاد السوفييتي ولذلك جاءوا بـ«معاهدة لوزان» بعد محادثاتٍ استمرت لمدة عامٍ كامل.
معاهدة لوزان كانت انتصاراً لتركيا وليس إضراراً بمصالح تركيا وهي أنهت اتفاقية سيفر وأنهت الحقوق الكردية المنصوصة في اتفاقية سيفر بما فيه تقرير المصير وحقه بإنشاء دولته المستقلة هذا هو المنصوص في اتفاقية سيفر وبموجب اتفاقية سيفر رسمت الحدود الحالية لتركيا التي أصبحت ضعف تركيا حسب اتفاق سيفر وحسب اتفاق مودروس قبلها فأردوغان ادعاؤه ادعاء فارغ وكاذب فاتفاق لوزان على عكس ما يدعيه أردوغان هو الذي أحيا الدولة التركية وهو الاتفاق الذي جعل تركيا ضعف ماهية عليه ولكن أردوغان يحاول أن يعود مئات السنين إلى الوراء بشكل ديماغوجي ويقول أن العثمانيين في يوم ما كانوا في بلغاريا والعثمانيين يوماً ما كانوا في كركوك والعثمانيين يوماً ما كانوا في حلب وبالتالي يحاول أن يقول أن هذه المناطق هي لهم يعني بمعنى حسب برنامج الكماليين في أول نشوئهم أقروا الميثاق المللي يحاول أن يقول خريطتنا خريطة الدولة التركية هي خريطة الميثاق المللي علماً بأن الكماليين عندما وقعوا اتفاقية لوزان هي ضمناً تعني إلغاء الميثاق المللي هذه من ناحية يعني المسألة مسألة تفكير استعماري فهم يتحججون في كل منطقة بحجة ما أما الغاية هو استعادة هذه المناطق من ولاية حلب وإلى ولاية الموصل وإلى مدينة كركوك كل هذه المنطقة أردوغان ونظامه الفاشي يتحجج بشيء ما، أما الغاية هو استعادة هذه المناطق من ولاية حلب إلى أن تصل إلى كركوك وما بين هذه المناطق هذا هو مشروع أردوغان ولكنه يحاول تنفيذه على مراحل ويحاول تنفيذه بحجج مختلفة أحياناً يقول أنه يحارب الإرهابيين وأحياناً يقول أنه في جنوب كردستان هنالك عمليات ضد تركيا وهي قوى إرهابية أحياناً يقول أنا سأحرر بعض المناطق في شمال سوريا لأعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم علماً أن بلادهم ليست هنا في شمال سوريا بلادهم هي مكانهم ومدنهم في الغوطة الشرقية وحماة ودرعا ويتحجج في كل منطقة بحجة معينة من أجل تنفيذ هذا المشروع.
على السوريين جميعاً يجب أن يعوا جيداً أن المستهدف هو سوريا والمجتمع السوري والكيان السوري بحد ذاته هذا المشروع إذا نجح لن يبقى شيء اسمه سوريا هذا المشروع إذا نجح فهو يهدف إلى صراع داخلي بين مكونات المجتمع السوري على مدى عشرات السنين لأن أردوغان يلعب لعبةً خطرة جداً وأقنع قسماً من السوريين مع الأسف على أنه هو أسد السنة وبهذا المفهوم وهذه الأيديولوجية الفاشية التي يتبعها أردوغان نحن أمام مخاطر كبيرة جداً على السوريين ان يتوحدوا في مواجهة المخطط الفاشي الأردوغاني. جميعنا مستهدفون وليست الإدارة الذاتية وليس منبج أو تل رفعت، كل المنطقة من حلب إلى كركوك مهددة بهذا المخطط الفاشي لأردوغان وعلى السوريين ان يقتربوا من بعضهم وأن يتوحدوا في مواجهة هذه التهديدات وهذه المخاطر وإلا فكلنا في مركبٍ واحد وكلنا سنغرق.
الأزمة السورية أزمة بنيوية وطالما هي بنيوية فهي لن تستطيع الخروج من الأزمة بإملآت خارجية، طبعاً كلنا لا ننكر دور القوى الخارجية ومدى تأثيرها على الأزمة السورية ومدى تدخلها في الأزمة السورية، إلى أن أصبحت سوريا مسرحاً تتواجد فيه جيوش عدة دول بما فيها دول القوى العظمى موجود روسيا وأمريكا وإيران وتركيا ما عدا القوى المحلية الأخرى.
هنا نستذكر أمثلة بسيطة جداً وهذا لا يعني اننا ننكر تأثير القوى الخارجية او بمعنى اننا يمكن ان نحل أزمتنا بمعزل عن القوى الخارجية لا أقصد هذا الكلام ولكن لنرى بعض النماذج، مثلاً منها نموذج العراق دخلت في صراعات داخلية على مدى عشرات السنين المعارضة العراقية والمعارضة الكردية في العراق وحروب طاحنة نتجت كمحصلة هذا الصراع ومنها حرب الخليج الأولى والثانية كانت نتيجة الأزمة الداخلية في العراق وصراع المعارضة والنظام البعثي الصدامي، في الأخير جاء الحل من الخارج، فالخارج غزا العراق وانهى حكم صدام وجاء بمجلس الحكم والقوى الخارجية، الحاكم الأميركي بريمر بالذات أشرف على وضع دستور للعراق، وأشرف على تشكيل مؤسسات العراق، هل الصراع في العراق أنتهى !، لم تُحل، لا يزال الصراع موجود والفوضى أيضاً موجودة في العراق ولا يزال الوضع غير مستقر، ولا يزال حتى الإرهاب موجود في العراق.
في لبنان استمرت الحرب الأهلية اللبنانية حوالي خمسة عشرة عاماً وذلك منذ عام (1975 لغاية عام 1990) الحرب المباشرة الداخلية حرب الشوارع، حرب الطوائف فيما بينها جاء من الخارج من «اتفاق الطائف»، من اتفاق بعض الدول العربية وفرض حل من خلال الطائف وهدأت الأمور ولكن هل الأزمة في لبنان انتهت؟ ما هو الوضع في لبنان؟ لا يزال نفس الصراع مستمر بأشكال أخرى لا يزال القوى السنية والشيعية هي قوى الشيعية والمسيحية أيضاً ولا يزال بشكل دائم هنالك أزمة حكومة وأزمة برلمان وأزمة انتخابات وأمن واقتصاد لأن الحل في لبنانلم ينبع من الداخل.
سوريا أيضاً نفس المشكلة قد يأتي الحل من الخارج، ولكن الحل من الخارج سيكون حلاً شكلياً لن يكون حلاً في العمق لن يحل الأزمة البنيوية التي نتحدث عنها، العامل الخارجي سيكون عامل عميق ومساعد ولكن الأهم هو الحل السوري –السوري، ان يكون الحل نابعاً من الإرادة السورية، ان يكون الحل عبر استفادة السوريين من عشر سنوات الازمة التي مضت.
عشر سنوات من الحرب التي بدون تردد نستطيع في بعض المناطق ان نسميها حرب أهلية دمرت المدن والبنية التحتية في سوريا ودمرت الاقتصاد ودمرت المجتمع، هذا يدفعنا جميعاً إلى ان نتحمل مسؤولياتنا، نراجع مواقفنا ونراجع مواقعنا ننفتح حول الحوار السوري – السوري ونؤمن تماماً بان الحل لن يكون إلا سورياً طبعاً بكل تأكيد الحوار السوري –السوري والإرادة السورية وحدها لن تكفي، فنحن الان على ارضنا وجغرافيتنا موجود القوى العسكرية للدول العظمى وبالتالي لا شك اننا بحاجة إلى دور إيجابي من القوى المؤثرة في الملف السوري إلى درجة يجب أن تحجم دور القوى السلبية كتركيا او إيران التي تسعر الأزمة الداخلية في سوريا لأنها تستفيد من هذه الأزمة.
من هنا أقول ان مشروع مجلس سوريا الديمقراطية مشروع واقعي ومشروع مسؤول ومشروع ينبع من أحساس وطني عميق ومن فهم سياسي مستشرف للمستقبل لان الحل لا يمكن إلا ان يكون سورياً –سورياً، وعندما نقول سورياً يجب أن نبتعد عن روح المقايضة وروح الانتقام، السوري – السوري يعني الكل، يعني الذين يفكرون مثلما أفكر والذين يفكرون بشكل مغاير، السوريون يعلمون الموالون والمعارضة على حد سواء يعني السوريين الذين هم بقوا هنا والذين اضطروا إلى الهجرة الخارج، فالسوريين يعني كل السوريين لا يعني ان الآخر يجب ان يكون مثلي انا، نحن السوريين يجب أن نرى الوسيلة الأنسب والطريقة الأنسب لان نقترب من بعضنا البعض وان نتحاور بشكل شفاف ومفتوح وان نستوعب هواجس بعضنا البعض وان نبدد مخاوف بعضنا البعض وان نؤمن تماماً باننا جميعاً في مركب واحد إما ان ننقذه معاً أو اننا سنغرق نحن والمركب معاً.