تمر محافظة حماة، شأنها شأن باقي المحافظات السورية، بمرحلة حساسة تعكس تعقيدات الواقع السوري برمّته، حيث تتداخل التحديات الأمنية والاجتماعية والسياسية في مشهد مركب يصعب فصله عن السياق الوطني الأوسع. فالمناخ العام في البلاد مثقل بالانقسامات والصراعات، ما يفرض على السوريين جميعاً البحث عن مخرج سياسي شامل بوصفه ضرورة أساسية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي وتعزيز فرص السلم الأهلي المنشود.
الواقع السوري الراهن لم يعد يقتصر على استعادة قدر من الأمن المؤقت، بل يتطلب تأسيس قواعد راسخة لدولة المواطنة وسيادة القانون، دولة قادرة على استيعاب الجميع دون إقصاء أو تمييز. وهنا يبرز دور الفاعلين المحليين، وعلى رأسهم الناشطون السياسيون والمجتمع المدني، كجسر للتواصل بين المكونات المختلفة، وأداة لتدعيم الحوار والتفاهم وبناء الثقة.
المَخرج السياسي الشامل ضرورة وطنية
ياسين الجندي، الناشط السياسي من مدينة حماة، يؤكد أن سوريا بأمسّ الحاجة إلى مَخرج سياسي شامل يعيد بناء نسيجها الاجتماعي الذي تعرض للتفكك. ويرى أن هذا المسار يمثل المفتاح لأي خطوة جادة نحو السلام والاستقرار، خاصة بعد سنوات طويلة من الصراع والانقسامات المدمرة. ويقول:
“لم يعد بالإمكان الاعتماد على الحلول الأمنية وحدها أو الاكتفاء بخطابات انقسامية تزيد الجراح عمقاً. الحل السياسي الشامل هو وحده الكفيل بضمان مشاركة جميع المكونات السورية وصناعة توافق حقيقي حول شكل الدولة، ليس كشعار فحسب، بل كأرضية مشتركة لإعادة بناء الثقة بين الناس”.
اقرأ/ي أيضاً: السويداء.. ضرورات ترميم الواقع الإنساني وصياغة عقد اجتماعي جديد
ويضيف الجندي أن حماة تمثل نموذجاً مصغراً لما تعيشه البلاد عموماً، فهي رغم حالة الاستقرار النسبي، ما زالت تعاني من أضرار بشرية ومادية كبيرة، إضافة إلى التفكك الاجتماعي الناتج عن الحرب، وغياب الثقة بين المكونات المختلفة. ويشدد على أن فشل النظام السياسي في استيعاب الجميع وحقوقهم يفاقم التناحر ويقوّض فرص المصالحة الوطنية. لذلك، فإن الحوار الشامل والتنازلات المتبادلة والاعتراف بالضرر الذي لحق بكل السوريين، تبقى ضرورات أساسية لإعادة ترميم النسيج الاجتماعي.
ويرى أن التعنت السياسي ينسف أي فرصة لحل مستدام، مشيراً إلى أن “الضغط الشعبي والمجتمعي المطالب بالسلام والكرامة ضروري، وكذلك دور المجتمع الدولي في دعم هذا المسار بعيداً عن الحسابات الإقليمية الضيقة”. ويؤكد أن استمرار الصراع لن يفضي إلى انتصار مطلق لأي طرف، بل سيجر البلاد نحو مزيد من الخراب. ويختم بالقول:
“الأمل والتكاتف رغم الألم الكبير والتحديات الجمة، هما الطريق نحو بناء سوريا جديدة. لا بد أن نترك جراح الماضي خلفنا ونتجه جميعاً نحو مصلحة الوطن والمواطن أولاً، فالوطن الذي نحلم به لا يكتمل إلا بسواعد جميع أبنائه”.
بناء جسور للتواصل وتعزيز المصالحة
أما المحامي خالد أبو حمد، فيلفت إلى أن هناك فرصاً لا بد من استثمارها في حماة، على رأسها بناء جسر تواصل حقيقي بين مختلف مكونات المجتمع، من خلال مبادرات للمصالحة المجتمعية وبرامج للحوار يمكن تعميمها على بقية المحافظات السورية. ويشدد على أن تحسين الوضع الاقتصادي عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنشيط القطاع الزراعي، إلى جانب إدماج الشباب والنساء في عملية بناء السلام وتطوير الخدمات، يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار.
ويقول أبو حمد:
“ينبغي إطلاق حوار شامل يضم جميع مكونات المحافظة بمختلف أطيافها السياسية والاجتماعية، مع ضمان الشفافية والمساواة في التمثيل. ومن الضروري كذلك وقف التوترات الأمنية وتفكيك الميليشيات المسلحة غير الشرعية لضمان بيئة آمنة”.
ويرى أن الاتفاق على إطار دستوري جديد يكرّس دولة المواطنة ويضمن الحقوق لجميع المواطنين دون تمييز يمثل أولوية قصوى. ويضيف:
“بناء دولة المواطنة يعني تأسيس منظومة تحترم حق كل فرد في ممارسة حقوقه السياسية والمدنية بحرية، حيث يسود القانون على الجميع دون استثناء. ولا بد أن يترافق ذلك مع تعليم يستند إلى قيم التسامح والمساواة، فهذا هو المسار الحقيقي لاستدامة السلم الأهلي”.
اقرأ/ي أيضاً: درعا والمعادلات السياسية الوطنية.. إرساء أسس السلم الأهلي وبناء الثقة
وبشأن التحديات التي قد تعيق هذا المسار، يشير أبو حمد إلى الانقسامات الأيديولوجية العميقة والتدخلات الخارجية وغلبة خطاب التطرف، فضلاً عن ضعف المؤسسات وغياب الإرادة السياسية الحقيقية للتغيير. لكنه يؤكد أن الإرادة الشعبية لا تزال حيّة وقادرة على الدفع بالعملية إلى الأمام. ويختم بالقول:
“طريق السلام والسيادة يبدأ بالإرادة والتفاهم المشترك. علينا أن نعمل جميعاً معاً ونتجاوز الخلافات لنؤسس لمستقبل تعددي تسوده العدالة والقانون. بناء السلم الأهلي وتحقيق دولة المواطنة لن يتم بالحلول السطحية أو الانتظار السلبي، بل باستراتيجية متكاملة تعتمد على الحوار والمصالحة الحقيقية”.
نحو نموذج وطني جامع
إن تعزيز مؤسسات الدولة على أسس الشفافية والعدالة يشكل الركيزة الأساسية لأي مسار سياسي ناجح. وضمان الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين دون تمييز، إلى جانب بناء ثقافة قانونية ومؤسساتية راسخة في المجتمع، هو المدخل لتحقيق الاستقرار الدائم. ورغم جسامة التحديات، إلا أنها ليست عصيّة على الحل إذا توفرت الإرادة الوطنية والرغبة الصادقة في تجاوز الانقسامات وبناء وطن موحّد يحكمه القانون ويصون العدالة والمساواة.
إن محافظة حماة بما تمتلكه من تاريخ عريق وطاقات بشرية، قادرة أن تكون نموذجاً على التحول نحو الاستقرار والتعافي، شرط أن تترجم الأقوال إلى أفعال، وأن يتحول الحوار إلى مشروع وطني جامع يضع أسس سوريا الجديدة.
ضياء العاصي-حماة