رياض درار
الدعوة التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الجنرال مظلوم عبدي لدمجها ضمن مؤسسات الدولة السورية (وبتفويض أميركي جزئي) تمثّل خطوة مفصلية محتملة في مسار إعادة بناء الدولة السورية بعد الحرب، ولها نتائج كبيرة في تعزيز سيادة الدولة السورية و يعزيز وحدة الجسد السياسي السوري. كما تساهم في ترتيب الوضع العسكري والأمني في شمال-شرق سوريا.
فإن دمج قسد – التي تمتلك عشرات الآلاف من المقاتلين – سيُحدث تغييراً في التوزع العسكري والأمني. و يقلّل من التوترات مع الحكومة السورية أو القوى الأخرى، ويُسهم في وقف الاشتباكات أو سيناريوهات «ما بعد الحرب» العسكرية. وهو فرصة لتسوية سياسية أوسع قد تتضمن: تعديل الإعلان الدستوري، إعادة المهجّرين، توزيع الثروات، الحكم المحلي/اللامركزي. فإذا نفّذ هذا الاتفاق بشكل جيد، قد يشكّل نموذجاً لتسوية شاملة في سوريا، بما يرضي مكوّنات كثيرة.ويسهم في تقليص هوامش التأثير الخارجي والتدخلات المؤثرة على الاستقرار.
رغم الاتفاق المبدئي، فإنه لم ينفّذ بالكامل حتى الآن، ما يفتح إمكانية أن يبقى الأمر شكلياً أو يُستخدم كورقة تفاوضية. وإذا لم يُحسم بوضوح، فقد يؤدي إلى تفاقم التوتر أو الشعور بالخذلان لدى بعض الأطراف.
اقرأ/ي أيضاً: لماذا تتعثر الحلول في سوريا؟
وللوصول إلى تفاهمات حقيقية وناجزة؟
لتحقيق دمج فعلي وليس فقط على الورق، هناك عدة خطوات ومقترحات عملية: منها تحديد آلية واضحة ومقبولة للدمج من حيث تُحديد عدد المقاتلين الذين سيتم دمجهم، الترتيب الهيكلي (فرق، ألوية، وحدات) والمناصب القيادية، والمرحلية، والجدول الزمني. على أن يكون الاتفاق وفق «آلية عمل» متفقاً عليها وليس مجرد إعلان نوايا. وكما ذكرت قسد أن «إعادة الهيكلة» ستكون ضمن وزارة الدفاع تحت تسمية مناسبة. والتدرّج هنا مهم مثلاً: دمج وحدات أو تشكيلات أولاً كمفتاح، ثم توحيد البنية تباعاً، وأن يُصاحب الدمج تسوية سياسية، كتعديل الاعلان الدستوري، ضمانات للكرد وبقية المكونات السورية، توزيع عادل للثروات، استمرار الاعتراف بالثقافات واللغة، هذه الاعتبارات تساعد على أن يُنظر للدمج كفرصة مشاركة وليس استسلاماً. كما أن وجود رعاية دولية وإقليمية تُسهّل التنفيذ، ووجود الوساطة الأميركية – إن صحّ – يوفّر ضمانة تجعل الطرفين أكثر التزاماً، كذلك أجزاء من الترتيبات مع تركيا أو القوى المجاورة قد تساعد في تقليل المخاوف الإقليمية.
أهم الخطوات التنفيذية الملموسة والمتابعة الشفافة
يجب أن تظهر على الأرض مثل: انسحاب بعض التشكيلات، إصدار قرارات دمج واضحة، تدريب المشمولين المشترك، إعادة انتشار القوات، ومن المهم أن تكون هناك آلية متابعة ومساءلة، لقاءات دورية، شفافية إعلامية، مشاركة المجتمع المحلي.
إن إشراك المجتمع المحلي وتأهيله أمر ضروري، فمناطق شمال-شرق سوريا شهدت صراعاً، ووجود قسد كان بمثابة بنية محلية دافعت عن هذه المناطق. وأي دمج يجب أن يُكتنف بتعزيز الثقة المجتمعية، إعادة إعمار، دمج اقتصادي، وعودة اللاجئين. ويجب أن يشمل التوزيع العادل للوظائف، الالتزام بحقوق النازحين، وضمان عدم تهميش السكان المحليين.
كما ينبغي التعامل بذكاء مع مخاوف قسد/الإدارة الذاتية بأن الدمج لا يعني فقدان المكتسبات أو الادارة المحلية. ومن جهة الحكومة، يجب أن تطمئن بأن الدمج ليس تحويلاً كاملًا للسلطة أو تهديداً لوحدة الدولة.
إن الدعوة لدمج قسد في الجيش السوري، بإشراف أميركي، تحمل إمكانية كبيرة لتحويل جزء من الوضع السوري نحو مسار أكثر استقراراً ووحدة، ولكن المفتاح يكمن في التنفيذ الفعلي، وليس فقط الاتفاقات، مع مراعاة الأبعاد الأمنية، السياسية، المحلية والإقليمية.
إذا نجحت، قد يكون هذا نموذجاً لتسوية في سوريا؛ وإذا أخفقت، فقد تؤدّي إلى مزيد من التوترات والمماطلة.
تحليل اللقاءات بين أحمد الشرع والوفد الأميركي وما تناوله حول اندماج قوات قسد
اللقاءات السابقة تناولت هذا الموضوع بجدية، وبمشاركة قيادات أمريكية، ولو أن التفاصيل الدقيقة تُظهر أنه لا يوجد بعد تنفيذ كامل، أو وضوح مطلق. من أبرزها:
في 7 أكتوبر 2025، التقى الشرع، إلى جانب الموفدين الأميركيين (من بينهم توم بارّاك )، مع قائد قسد مظلوم عبدي، وبحثوا «آليات تنفيذ اتفاق 10 مارس» الذي يلزم بدمج قسد ضمن مؤسسات الدولة.
وفي المؤتمر الذي حضره الشرع ودونالد ترامب في البيت الأبيض، فقد تم التأكيد أيضاً على تنفيذ اتفاق 10 مارس بخصوص دمج قسد.
لكن من جهة أخرى، بعض المصادر تشير إلى أن لقاءات سابقة مع قسد ركّزت فقط على «قضايا عسكرية/أمنية تنسيقية» وليس على دمج كامل أو بنود سياسية كاملة. وبالتالي: نعم، الموضوع نوقش بالفعل، لكن لا يمكن القول إن هناك وضوحاً تاماً في التنفيذ أو التزاماً من جميع الأطراف حتى اللحظة.
من الواضح أن الشرع يحمل نية لإدماج قسد ضمن الدولة السورية، لكن هناك عدة عوامل تجعل «الإقتناع الحقيقي» يحتمل أن يكون جزئياً فقط فإن توقيع اتفاق 10 مارس 2025 بين الشرع وقائد قسد، ينص على دمج القوات والمناطق التي تسيطر عليها قسد ضمن مؤسسات الدولة. وفي لقائه مع ترامب، شدد الشرع والولايات المتحدة على تنفيذ الاتفاق، مما يعكس التزاماً ظاهرياً. أما الشرع فإنه يواجه حاجة لإعادة الإعمار، ولإعادة السلطة المركزية، ولتحقيق شرعية دولية، ومن ثم فإن دمج قسد يخدمه سياسياً. لكن هناك تحديات، فإن قسد لديها مطالب وشروط بشأن الحكم المحلي، المناصب، التشكيلات، وهذا قد يُبقي بعض القلق.
اقرأ/ي أيضاً: ثورة 19 تموز.. خارطة طريق نحو سوريا ديمقراطية ولا مركزية
بعض المصادر تقول إن البند المُلزم بتنفيذ الدمج الكامل «ما زال غير محُقق»، وأن هناك مؤشرات للمناوشات أو التوترات بين قسد والقوات الحكومية. ما يعني أن الشرع ينظر إلى حفظ وحدة الدولة، وعدم السماح بتفكّك الدولة، أو قيام شبه دولة داخل الدولة، ما يعني أن دمج قسد ليس بدون شروط أو استثناءات. فيمكن القول إن الشرع مقتنع بهذا الاندماج الى نحو ما، فهو يرى فيه مصلحة، لكن الإقتناع ليس مطلقاً بمعنى «أوافق على كل ما تطلبه قسد». المقاربة هي براغماتية أكثر منها إيمانية كاملة.
ولكي يُنفّذ الشرع هذا الاتفاق بشكل فعلي، يجب أن يتبِع (وبالتعاون مع الحكومة السورية والمؤسسات ذات العلاقة) عدة خطوات عملية، منها: تحديد جدول زمني وخطوات مرحلية مثل: دمج وحدات عسكرية صغيرة أولاً، ثم الهيكلة الكاملة لاحقاً. وضع قوانين وتشريعات لتسهيل عملية الدمج كتعديل قانون الخدمة العسكرية، إدماج الضباط، تعديل هيكل القيادة، وضمانات للهوية المحلية. كذلك إعادة هيكلة الأجهزة التي تسمح بدمج قسد ضمن وزارة الدفاع أو الداخلية، تحويل بعض التشكيلات إلى وحدات الدولة، وضمان أن الأجهزة الأمنية المحلية تندمج بشكل سلس من حيث خضوع قسد لتدريب موحد، توحيد الرواتب، المسلسل الوظيفي، حتى يشعر أعضاؤها أنها جزئياً أصبحت كتلة وطنية وليس كياناً منفصلاً.
هذ الاندماج يسبقه ضمانات سياسية ومجتمعية، مثل مشاركة الكرد في الحكومة، ضمان اللغة والثقافة، مشاركة الموارد. فهذا سيخفف من مقاومة داخلية محتملة. وبما أن الولايات المتحدة لديها دور في هذه العملية، يمكن أن تعمل كضامن للتطبيق ولحل النزاعات إن ظهرت، ولابد من وجود لجان مشتركة بين قسد والدولة، تقارير دورية، مراقبة التقدم، ومتابعة التنفيذ، ووجود خطة اقتصادية موازية، فمناطق شمال-شرق سوريا بحاجة لإعادة بناء، وفرص عمل، واستثمارات. إن نجاح الدمج سيكون مشروطاً إلى حد كبير بتحسن الوضع الاقتصادي الأمني في تلك المناطق.
أما ماهي مصلحة الولايات المتحدة من هذا الاتفاق؟ فإن الولايات المتحدة لديها عدّة مصالح في هذا المسار، منها:
الدمج الناجح لقسد ضمن الدولة يقلّل من احتمال فراغ أمني قد تستغله الجماعات المتطرّفة أو تنشأ منه توترات إقليمية. هذا يخدم الأمن الأميركي/الغربي. وإذا أصبحت قسد جزءاً من مؤسسات الدولة السورية، يمكن أن يقل الاعتماد الأميركي المباشر على القوات، ما يقلّل الحاجة لـ«قوة احتواء» أميركية أو دور مباشر طويل الأمد. ويقلل التكاليف الامريكية ويحسن صورة الولايات المتحدة ودورها الوسيط. بإشرافها على الاتفاق ستظهر الولايات المتحدة كفاعل بناء وليس فقط قوة احتلال أو تدخّل.، والدمع يساعد في التحكم بالتغييرات الاقليمية، ويساعد في كبح النفوذ التركي أو الإيراني أو الروسي في تلك المناطق، وتحقيق مصالح اقتصادية واستراتيجية، فشرق سوريا غني بالموارد (نفط، غاز، حدود). وإذا سارت الأمور نحو استقرار، فالأميركيون قد يستفيدون من عقود استثمارات، فتح أسواق، أو الاستفادة من التعاون الأمني ضد الإرهاب.

