عقد مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطية جلسة حوارية موسعة بعنوان «من اللامركزية نحو دستور وطني جامع» بمدينة الحسكة، بمشاركة تنظيمات نسوية وأحزاب سياسية واجتماعية وشخصيات مستقلة، وذلك لبحث آفاق الوصول إلى دستور وطني يعكس تطلعات السوريين، وتعزيز حضور المرأة في مراكز القرار بوصفه ركناً أساسياً لتحقيق العدالة والاستقرار والتنمية.
استهلت الجلسة بكلمة ترحيبية ألقتها رشا النزال، إدارية مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطية، قبل أن تبدأ أعمال الحوار التي توزعت على محورين رئيسيين: اللامركزية في سوريا، والدستور السوري ودور المكونات والمرأة فيه.
في المحور الأول، الذي أدير من قبل رئيسة مكتب المرأة جيهان خضرو، تناولت الأخيرة مفهوم اللامركزية وأهميتها في إعادة بناء الدولة بعد سنوات من الحكم المركزي الذي همّش مناطق واسعة، خصوصاً في الشمال والشرق. وقالت خضرو إن اللامركزية «تشكل أداة لإعادة توزيع السلطات بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية، بما يتيح للمناطق إدارة شؤونها وفق خصوصياتها من دون المساس بوحدة البلاد».
وأكدت أن تطبيق اللامركزية يشكل خطوة محورية لاستعادة التوازن الاجتماعي والسياسي من خلال توزيع عادل للموارد وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة. وأضافت: «المرأة السورية أثبتت خلال الحرب حضورها الفاعل سياسياً واجتماعياً وإنسانياً، وتفتح اللامركزية المجال أمامها للمشاركة في صنع القرار المحلي بما يمنحها تأثيراً مباشراً في قضاياها ومجتمعها».
وشددت خضرو على أن اللامركزية تضمن العدالة والمساواة وتتيح للنساء فرصاً أكبر في التعليم والرعاية الصحية والمشاركة الاقتصادية، مؤكدة أن «تمكين المرأة من المساهمة في صياغة القوانين وأولويات التنمية يعزز استقرار المجتمع السوري مستقبلاً».
أما المحور الثاني فقد أدارَه الباحث في القانون الدولي خالد جبر، متناولاً فيه الدستور السوري ودور المكونات والمرأة. وقال جبر إن الدستور السابق فشل في تحقيق العدالة والمساواة بين السوريين، ما يجعل من الضروري اليوم صياغة دستور جديد يعكس تطلعات الشعب ويؤسس لدولة ديمقراطية عادلة.
وأوضح جبر أن الدستور الجديد يجب أن يكون «عقداً اجتماعياً يرسخ قيم المواطنة المتساوية ويضمن حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون تمييز، بما في ذلك ضمان حقوق المرأة وتمكينها السياسي». وأضاف أن اللامركزية تمثل «أحد ركائز إعادة بناء الدولة عبر توزيع السلطة بشكل عادل بين المركز والإدارات المحلية، ومنح النساء دوراً فاعلاً في عملية صنع القرار».
وبيّن جبر أن تعزيز مكانة المرأة في الدستور يُعد من أهم ركائز بناء سوريا المستقبل، من خلال تمثيلها في البرلمان والحكومة والمناصب التنفيذية، وضمان حقوقها في التعليم والعمل والرعاية الصحية والملكية، إلى جانب سن قوانين صارمة لمكافحة العنف والتمييز ضدها. وتابع قائلاً: «لا يمكن اعتبار الدستور شاملاً ما لم تشارك النساء في جميع مراحل صياغته، لأن حضورهن في النقاش الدستوري يعزز شرعيته ويجعله معبّراً عن المجتمع بكل مكوناته».
وشهدت الجلسة نقاشاً واسعاً بين الحاضرين حول سبل تعزيز دور المرأة في اللامركزية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وضرورة وضع آليات لحماية حقوق النساء في المستقبل.
وفي ختام الجلسة، أجمع المشاركون على جملة من التوصيات أبرزها التأكيد على أن اللامركزية حجر الأساس لبناء سوريا ديمقراطية وعادلة تضمن المشاركة الفعلية لجميع المكونات، والمطالبة بأن تكون المرأة شريكة أساسية في عملية صياغة الدستور بنسبة لا تقل عن 50% في مختلف مراحله، إلى جانب إدراج العدالة الجندرية كمبدأ دستوري صريح، وتضمين اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في الدستور السوري المستقبلي، والدعوة إلى استمرار عقد الجلسات الحوارية حول مفهوم اللامركزية وتطبيقاته في سوريا الجديدة.










