Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

نص المحور الأول كاملاً كما تم عرضه من قبل السيد عبد القادر موحد

على الرغم من طابع التعايش والتعاون العام اللذان سادا علاقات شعوب المنطقة ببعضها الا أن هذه العلاقات كانت تتحول وتتغير تبعا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وكان ثمة مراحل شهدت توترات وصراعات عنيفة أدخلت المجتمعات في مآزق حضارية خطيرة

يبرز هنا أمام أي بحث سؤال جوهري وتأسيسي : ما هو الثابت والمتحول في علاقات الشعوب وما هو الموقف الحقيقي الذي يكمن وراء هذه التحولات

وكي نفهم طبيعة هذه الشعوب في علاقتها ونظرتها مع الآخر سننظر في الدين والفن لأنهما الأكثر التصاقا وتعبيرا عن روح الشرق

بهذا رأيت السلام للناس، وهذا ما علَّمتهم أن يدعوه سلامًا

لنكن مع كل الذين يجعلون هذه الحياة جديدة. أنتم يا أرباب الحكمة، الذين يجلبون السعادة من خلال التقوى والبر، تعالوا، لنتوحد في الفكر والروح ولنهذب أنفسنا في الحياة. الأفستا . زرادشتية

“وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،”  الانجيل المسيحية

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” قرآن كريم اسلام

وفي الفن يمكن أن نجد عشرات الأمثلة التي تؤكد هذه المعاني والتي تكشف الروح الحقيقية لشعوبنا والحاكم الفعلي لنظرتنا للآخر ولكن مع أن كل الفلسفات والأديان والفنون كانت محاولات قام بها خيرون لجعل حياتنا أجمل وأفضل الا أنه دائما كان ثمة من استطاع تحريفها واستغلالها لجعل هذه الحياة جحيما . ونحن جميعا نتحمل المسؤولية سواء بمشاركتنا بالتحريف أو قبولنا الخديعة أو انكفائنا وانسحابنا من المواجهة .

كان من المفترض أن نسوق أدلة تاريخية على طبيعة العلاقات بين شعوب المنطقة فمن التكامل الحضاري السومري الأكادي الى أقدم معاهدة سلام في التاريخ بين المصريين والحثيين الى الاسهام السرياني الرائع في تأسيس وانطلاق الحضارة العربية الاسلامية وصولا الى التجارب المميزة في العصر الحديث مع تأسيس سوريا كدولة . عبر هذا التاريخ الطويل سنجد الكثير مما يؤكد الأخوة والتعاون ..

فكلنا نعلم الدور الفاعل للتمازج الحضاري الذي قامت به مدارس السريان في تأسيس وانطلاق الحضارة العربية الاسلامية حيث كان الموظفون الإداريون من السريان، وكانت الدواوين تُكتب بالسريانية وكانت المساهمة الحضارية الأبرز للسريان في الحضارة العربية الإسلامية؛ هي دورهم في حركة الترجمة ، ففي العصر العباسي؛ كان معظم المترجمين في بيت الحكمة من السريان، اليعاقبة والنساطرة، وبلغ عدد المترجمين السريان ببغداد، في ذروة حركة الترجمة زمن الخليفة المأمون، خمسين مترجماً سريانياً،

مع بداية عصر النهضة العربية الحديثة، في القرن التاسع عشر، برزت المساهمة والدور السرياني من جديد في إثراء الحركة العلمية والثقافية العربية، وإحياء اللغة العربية الفصحى وآدابها، وبرز بالتحديد دور المثقفين الموارنة من أمثال: بطرس البستاني، وأحمد فارس الشدياق، وأمين الريحاني، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة.

وكما تجاوز السريان والعرب في علاقاتهم الحضارية البعد الديني تجاوز العرب والكرد البعد الاثني القومي في تمازجهم الحضاري واسهامهم في تأسيس نموذجهم  المتميز فمن ديلم الكردي الى أبي مسلم الخراساني الى صلاح الدين الأيوبي ومن الصحابي جابان الكردي الى ابن الصلاح فمحمد كرد علي  الى الكثير مما لايتسع المقام لذكره . ولكن ما نود قوله ان الحضارة العربية الاسلامية هي حضارة أنجزتها كافة شعوب المنطقة بتعاونها وانفتاحها وأن الحديث عن شعوب فاعلة وأخرى منكفئة أو شعوب أصيلة وأحرى طارئة هو حديث لا معنى له ولا يصمد أما أي بحث علمي موضوعي

ربما من المفيد هنا الحديث عن نموذج لهذه العلاقات مستندين الى التحليل التاريخي والسوسيولوجي الذي قام به السيد عبد الله أوجلان لطبيعة العلاقات الكردية العربية والكردية السريانية :

يطلق اسم الكورمانج على ظاهرة التحول الى شعب والتي تحققت بالخروج من الثقافة العشائرية والقبلية الكردية . فان انتقال الطبقة القبلية العليا من الملة الواهنة الى نحو القوم ومنه الى الأمة وفشل هذه الطبقة في التحول الى الأمة الدولة قد أفسح الطريق أمام جعل التحول الى أمة ديمقراطية فرصة متاحة أمام الكرد

حيث تقوم العلاقات الكردية العربية المتشكلة وفق ثقافة القرون الوسطى بدور بالغ الأهمية في تطور الواقع الكردي .على درب التحول الى شعب فقوم فأمة

تنبعُ القضايا ٌ الأساسيةٌ للكردِ إماراتٍ كانوا أم مجتمعاً من انحصارِهم بينٌ علاقات التوترُ والصِّدامُ والوفاقُ مع السلطة العربية من ناحية  ، وبينٌ مَوقِعِهم على خطِّ التوسعِ والاحتلال الموروثِ من الإمبراطور البيزٌنطيةٌ من الناحيةٌ الأخرى

وقد دخل الكرد الاسلام ولكنهم صاغوا استراتيجيتهم للحفاظ على هويتهم . ففي حين قبلت الطبقات العليا الانصهار في بوتقة العروبة والاسلام شكلت الطبقات الدنيا مجتمعاتها المدنية الصوفية وانسحبت الى ذرا الجبال ونجحت في التحول الى شعب تأسيسا على الطرق الصوفية متميزة بطابع المجتمع المدني ، وبذلك نجح  الكرد في صون وجودهم وتطويره بكل محاسنه ومساوئه.

أما بالنسبة للسريان فقد كان الكرد على تماس دائم مع الشعوب الجارة وبالأخص قواها داخل المدن ،وبينما كان الكرد يحظون بوجودهم كشعب رعوي زراعي كان السريان والأرمن يكسبون وجودهم من خلال الحرفة والمدينة وهكذا نشأ أول تقسيم تاريخي للعمل فيما بينهم وكانت العلاقات تكافلية متبادلة أكثر منها متناقضة

وعلى الرغم من الصراعات القومية على السلطة والملك الا أن العلاقات الثقافية عيشت بكثافة بين شعوب المنطقة وقد غلب عليها الطابع التكافلي وقد قوبل الاختلاف بتقدير وود ولم يعتبر عائقا أما علاقات الصداقة والأخوة

ولذا فان تدوين التاريخ والترويج له تأسيسا على القوى والايديولوجيات المهيمنة لن يستطيع  أن يطمس هذا الواقع أو ينفيه

ان نظرتنا وفهمنا للتاريخ مرتبط في جزء كبير منه بموقفنا الراهن وما نريد تبريره من سلوك وسياسة نمارسهما الآن

فالماضي حدث تم وانتهى ولكن المستقبل هو نتاج ما نفعله الآن تأسيسا على فهمنا لواقعنا وماضينا وما نريد تحقيقه وانجازه  . ونقطة الانطلاق في هذا التأسيس هي في فهمنا لذواتنا وللآخر وتحديد علاقتنا مع هذا الآخر المختلف عنا أثنيا أو دينيا

هل الآخر هو الجحيم الذي يهدد وجودي أم النعيم الذي أجد نفسي فيه ويشكل بعدا من أبعاد حياتي

أنا الفرد السوري الذي أحمل هوية مزدوجة عربية واسلامية ( وهذا المثال ينطبق على الكردي والسرياني وكل المكونات السورية ). هذه الهوية ليست شيئا صرفا معزولا تشكل بقرار الهي كمعجزة بل هي صيرورة اجتماعية حضارية تدخل المكونات الأخرى في صلب تشكلها

فلا دمي صاف ولا لغتي صرفة ففي دمي ولغتي وثقافتي من تمازج لمختلف ثقافات سوريا ما يجعلني عربيا مسلما أختلف عن عرب ومسلمين آخرين  .

الكردي والسرياني والعلوي وبقية مكونات المنطقة يشكلون أساسا لتشكل هويتي الحضارية والثقافية وبالتالي فنفي أو الغاء أيا منهم يعني نفيا لذاتي عندما أرفض الكرد فأنا أرفض نفسي وعندما ألغي السريان فأنا ألغي هويتي وبالتالي فان قبول الآخروالتعاون معه ليس تفضلا ولا ترفا حضاريا بل هو ضرورة وجودية لي قبل هذا الآخر .

ما هي الأسس التي نعتمدها لتعريف أنفسنا والآخرين (اللغة – الدين – الجينات )هل هي أسس واقعية ترسم حدودا واضحة بيننا وتستدعي بناء جدران من الخوف والانعزال . نحن نحدد بعدا واحدا من أبعاد الحياة لنجعل منه عائقا أمام تطور علاقاتنا وللأسف فان هذا البعد دائما يخدم مصلحة سلطات سواء دينية أو اجتماعية أو سياسية سلطات تعادينا في الحقيقة كما تعادي الآخر المختلف عنا . وفي العموم يكون المشترك مع هذا المختلف أكبر بكثير من المشترك مع هذه السلطة، فوفقا لهذا المنطق يفترض أن يكون الحاكم المستبد  كعربي و المتطرف الارهابي كمسلم أقرب الي وأكثر تعبيرا عن طموحي ومصالحي من الكردي الديمقراطي أو المسيحي الانساني ولا يخفى على أي منا ما في هذا المنطق من تهافت وسقوط .

لماذا نرفض الآخر المختلف عنا ونعتبره تهديدا وجوديا نحاول الغاءه وقتله رمزيا أو حقيقة

هذا السؤال هو مفتاح فهمنا لعلاقاتنا البينية وطبيعتها

يميز علم النفس بين الخوف الحقيقي والخوف المرضي .الخوف الحقيقي ينتج عن تهديد حقيقي لاشباع الدوافع الفطرية لدى الانسان ومن الطبيعي أن يتخذ الانسان آليات دفاعية تقوم على ازالة التهديد

أما الخوف المرضي فهو ناتج عن تهديد موهوم غير حقيقي صنعته عوامل ثقافية و ايحاءات نفسية كالخوف من الأماكن المغلقة والمرتفعات ، والخوف من الآخر المختلف واعتباره تهديدا سواء على المستوى الفردي أو الجمعي هو من هذا الباب .

فرفض الآخر والغاؤه هو مرض نفسي وتشوه حضاري ينبغي علاجه لا تبريره وتعزيزه  . هو هشاشة حضارية وضعف ثقة وجبن . لارؤية فكرية ومنطق سياسي أو اجتماعي

تزرع بعض الأمهات في عقول أطفالهن الخوف من الغرباء والسيارات والمرتفعات لتصنع لهم قيدا في داخل عقولهم يعفيهن من مسؤولية المراقبة الدائمة ويضمن لهن سيطرة غير مرئية

وكذا تفعل السلطات مع الشعوب بالتفرقة والخوف تضمن السيطرة والتبعية وتضمن بقاءها كمرجعية لحماية الكل من الكل فكل آخر هو تهديد وكل سلطة ستحمينا من هذا التهديد

السلطات بقتلها للحرية في داخلنا وتحويلنا الى مخلوقات جبانة تفقد الثقة والعزة تجعل من كل آخر مختلف تهديدا وجوديا مستمرا لا نطمئن الا باستنادنا الى القوة التي تحتكرها وتوزعها على كافة أفراد وتجمعات الشعب لضمان سيطرتها ، وبقائنا أتباعا نستمد قوتنا وثقتنا المرضية بأنفسنا من توحشها وقوتها، لنمارس عنفنا المكبوت على آخرين من أبناء شعبنا شاءت الصدف أن السلطة غضبت عليهم . وبتماه معها نتحول الى قتلة ومتعصبين موتورين ضد بعضنا البعض .

وهذا تماما ما عملت عليه سلطة البعث في سوريا ،فبعد أن كانت سوريا متميزة بالتسامح والبعد عن التعصب ووصل فيها وعبر الانتخابات المسيحي السوري فارس الخوري الى رئاسة البرلمان عام 1936 ومن ثم رئيسا للوزراء عام 1945 . وكما حكمها بين عامي 1932 و1954 أربع رؤساء كرد هم محمد علي العابد – حسني الزعيم – فوزي سلو – أديب الشيشكلي

 سوريا شهدت انتكاسة مؤسفة مع وصول البعث الى السلطة وقصر سوريا على الهوية العربية ومن ثم تحديد دين رئيس الدولة بالاسلام مما دفع بقية مكونات وفئات الشعب السوري ليصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية . ومن ثم استبدل حق الحماية لهم كمواطنين من حماية تتم عبر الدستور الى حماية لأقليات تقوم بها السلطة الرسمية معمقة الشرخ والبعد بين أبناء الوطن الواحد

ولتعميق الفجوة والخوف بين المكونات منعت هذه السلطة أي حوار أو محاولة للتقارب والفهم بين المكونات بحجة اضعاف اللحمة الوطنية واعتبرت مجرد الحديث عن تنوع وتعدد ثقافي أو أثني جريمة تهدد وجود الدولة والوطن . الرابط الوحيد المسموح بين أبناء الوطن هو رابط التبعية لسلطة واحدة مركزية وأي تقارب أو حوار بين مكونات الشعب يجب أن يتم من خلال هذه السلطة وبضبط منها ليحدم صورة دعائية تسوقها عن نفسها فقط

وقد استخدمت السلطة كل وسيلة متاحة من اعلام واشاعة ونكتة  لخلق حالة خوف وازدراء وتعميم النظرة السلبية بين المجموعات السورية سواء أثنيا أو دينيا أو مناطقيا . كأن الهدف الأسمى هو تفتيت هذا المجتمع الى وحدات ميكروية متناحرة متكارهة لا أمان لها الا باللجوء الى حصن  السلطة المتين

وبعد اندلاع الثورة السورية مارست السلطة في دمشق ما تتقنه تماما وهو ضرب مكونات المجتمع ببعضها وتحويل الثورة الى صراع طائفي وأثني ولأن مجتمعا اشتغل عليه لمدة أربعين عاما لن يمتلك وسائل المقاومة الكافية ولا الوعي السياسي . فكان طبيعيا أن ينساق مع هذا المخطط وتدخل سوريا في دوامة الحرب الأهلية

ولهذا فان أكثر ما يقلق النظام ويرعبه وكذلك القوى الاقليمية التي تريد الهيمنة هي المشاريع الوطنية العابرة للقوميات والطوائف اذ أنها الوحيدة القادرة على اعادة القضية السورية الى جوهرها الوطني والانساني .والتي يمكنها تقديم مشروع تأسيسي لبناء وطن سوري لكل أبنائه

من هنا يبدو مفهوما وعلى الرغم من التسميات الرسمية في شمال وشرق سوريا من ادارة ذاتية الى مجلس سوريا الديمقراطية ورغم كل ما أعلنته الادارة أو مجلس سوريا الديمقراطية سواء عبر الوثائق المؤسسة لهذه الأجسام أو التصريحات والبيانات عن التوجه الوطني السوري والحفاظ على وحدة سوريا الا أن تعاميا مقصودا ما زال يحكم موقف النظام السوري وحلفاؤه الفعليين والموضوعيين من المنطقة وادارتها  ويصرون على اطلاق تسمية الكرد على كل ماله علاقة بشمال وشرق سوريا وهم لاينسون وبخبث الحاق صفة الانفصاليين بهذه التسمية وذلك في تسعير غرائزي للمشاعر القومية والوطنية لضرب مكونات الشعب ببعضها وادخالها في صراعات ومعارك لا تخدم الا استدامة بقاء هذه السلطة مهيمنة على رقاب الناس

نحن يجب أن نؤكد أن البقاء بعد الله للشعوب وكل سلطة الى زوال وتبدل ، لن نخوض صراعات ومعارك مع شركاء في الوطن سواء عربا أو كردا أو سريان وندمر علاقات عمرها آلاف السنين وستبقى آلافا أخرى قادمة من أجل مصلحة عابرة ورغبات سلطات لا يعنيها سوى دوام سيطرتها علينا .

إن شعوب المنطقة جميعها تتطلّع إلى تحقيق مصيرها في تنمية مستدامة قوامها التحرّر والحرّية والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة، ولن يتحقق ذلك دون علاقات سليمة أساسها الأخوة والمنافع المتبادلة والمصالح المشتركة،

وهنا يمكن أن نحدد مبادئ حاكمة لعلاقاتنا البينية كشعوب

إذا كانت الأمة العربية قد عانت من التقسيم الذي استهدف تفتيتها وتوزيعها على دول ، فإن الأمة الكردية، هي الأخرى تعرّضت للتجزئة . والسريان للالغاء والصهر فالمظلومية مشتركة وعامة ومحاولة تحميل مسؤولية ما نحن فيه لمضطهدين ومظلومين مثلنا هو هروب من الحقيقة وجبن

ان حق تقرير المصير كمبدأ أقرته الشرعية والقوانين الدولية هو حق لكل شعوب المنطقة ولا يقبل الانتقائية والمزاجية بتطبيقه

أن اللجوء إلى العنف والوسائل العسكرية والحربية والمسلحة لإيجاد حلول للمشاكل في المنطقة فشلت جميعها و لم توصل أي من  الأطراف لنيل غاياتها بقدر ما ساهمت في تعقيد المواقف،

ولهذا السبب ولأسباب أخرى موضوعية، ولاسيّما ما يربط شعوب المنطقة من تاريخ وجغرافيا وتواصل حضاري واجتماعي وثقافي وأسري، ناهيك عن المصالح المشتركة والجامعة بينهما منذآلاف السنين، لا بدّ من اعتماد الحوار وسيلة أساسية لحلول دائمة وراسخة وعادلة على أساس الارادة المشتركة لبناء سوريا وطنا لنا جميعا . حوار معرفي وثقافي وفكري على جميع المستويات بحيث يمكن أن يبلور رؤية جديدة تنطلق من الصراحة والمكاشفة والنقد والنقد الذاتي، خصوصاً بقبول الآخر والاعتراف بحقوقه بما فيها الحق في الاختلاف.  وهذا ما سيفصله الزملاء في المحور التالي

ما الذي يمكن أن تقدمه التشاركية الفعلية والتعاون البناء بين مكونات الشعب السوري ،ولماذا يجب انخراط جميع هذه المكونات في العمل على بناء مشروع وطني جامع آخذين زمام المبادرة ومتجاوزين المخاوف المرضية والتهديدات الموهومة للتركيز على المخاطر والتهديدات الحقيقية

الانخراط في مشروع وطني جامع يؤسس لدولة قانونية ليس خيارا أو اقتراحا بل هو ضرورة وجودية لنا جميعا لأن البديل سيكون كارثيا فأي عقد اجتماعي جديد لا يتم بمشاركة وتوافق جميع السوريين سيكون عقدا مفخخا ومولدا لأزمات لا تنتهي ، فالضمان الأهم لمنع الانحراف نحو التطرف أو التعصب القومي والديني هو تعدد وتنوع المشاركين في بناء الدولة ونبذ الرؤية الأحادية والفكر الواحد مرة واحدة والى الأبد

وبمقدار ما يكون شكل الدولة المنشودة معبرا عن طموح وتطلعات كافة أبناء الشعب وبمقدار ما تشكل هذه الدولة لكل فرد من مواطنيها فرصة لتحقيق ذاته وتفتح امكاناته يكون مقدار تماسك المواطنين مع بعضهم البعض واحساسهم بالمسؤولية الجماعية والانتماء لهذا الوطن وبالتالي يزداد قوة ومناعة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية

اكتفاء أي مشروع بذاته وانغلاقه على نفسه يصيبه بالترهل والقصور مالم يستقي عوامل استمراره وتجدده من روافد جديدة ومتنوعة تغني فهمه للواقع وتخلق حلولا ابداعية للمشاكل والتحديات الطارئة وهذا ما تحققه روافد الثقافة السورية المتنوعة والغنية ، اضافة الى قدرة هذه الروافد وعبر امتدادها الطبيعي في دول الجوار والعالم واستثمارها في هذا الامتداد والعلاقات لخدمة القضية السورية سيكون لها مساهمة هائلة في قوة وحيوية سوريا الوطن، فكل مكون من السوريين يمتلك ارثا ثقافيا وحضاريا هائلا وحيوية دولية وشبكة من العلاقات وتراكما من الثروات كل هذا سيكون مساهما فعالا في بناء سوريا الحديثة وطنا نهائيا للجميع  

قال المدير السابق لمتحف اللوفر أندريه بارو 1901-1980 :«لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان وطنه الأم وسوريا «.وان كان بارو قال كلامه بناء على معطيات تاريخية وحضارية فنحن السوريين قادرين على جعلها مبنية على واقع معاصر بخلق نموذج فريد للتسامح والتشارك والتنوع

يجب علينا أفرادا وجماعات الاعتراف بمحدوديتنا ونقصنا .الاعتراف بنسبية حقائقنا ،علينا الكف عن تأليه وأسطرة جماعاتنا وانتماءاتنا الفرعية

يجب أن نتأكد بأن المطلق لا ينجز ولا يفهم من خلال جماعات جزئية محدودة وأن الآخر المختلف هو من يتمم نقصنا ويطلق محدوديتنا

فلنتوقف منذ اللحظة عن التعامل مع الآخر كوجود منفصل ،غريب وبعيد  . بل هو اتصال وامتداد متبادل ، شكل آخر  من تجلي ذواتنا وارادتنا ،يجعل مسؤولياتنا تجاه بعض متبادلة وشرط حريتنا وكرامتنا هو تحقق حرية وكرامة الآخر

المشاركة