منذ مطلع تشرين الأول الماضي أُبلغ عشرات المدرّسين السوريين المتطوعين في جميع ولايات تركيا بقرار فصلهم وإنهاء عقودهم الموقعة مع وزارة التربية التركية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” وفوجئوا باستغناء التربية التركية عن خدماتهم دون سابق إنذار ودون أسباب واضحة.
وكانت “يونيسف” وقّعتْ عقداً مع الحكومة التركية يقضي بدفع أجور المدرّسين السوريين في تركيا، إذ يحصل المدرّس السوري على 2020 ليرة تركية شهريًا، وهو الحد الأدنى للأجور.
ولقد مر هذا الإجراء دون أن تبدي الهيئات السياسية والتنفيذية للمعارضة التابعة لأنقرة أي رد فعل أو تعليق وتضامن مع المعلمين السوريين العاملين داخل تركيا أو داخل مناطق سيطرة تركيا في سوريا.
عقود التطوع للسوريين
بدأت ظاهرة التعليم للسوريين في تركيا منذ عام 2014 داخل المخيمات حيث عمل عدد من المعلمين السوريين بلا عائد مادي إلى أن انتقلت بعض الجمعيات والمنظمات لافتتاح المدارس ضمن الولايات الكبرى بداية 2015 مقابل أجور مادية من الطلاب السوريين في بعضها ومجانية في بعضها الآخر، إلى أن تكفلت منظمة رعاية الطفولة بالأمم المتحدة “اليونيسيف” براتب المعلمين بداية من المخيمات بدعم 500 ليرة تركية، ثم توالت ارتفاعات المبلغ إلى 900 ليرة تركية، لتتوسع في الدعم وتصل لكل المدارس السورية خارج المخيمات بالتنسيق مع التربية التركية،حيث بلغ عدد المعلمين المتطوعين الموزعين في بداية العملية 13 ألف مدرس من حملة الشهادات الثانوية والجامعية وبعضهم يحمل شهادات عليا لغاية عام 2017. فيما تناقص عددهم لما يصل إلى 12 ألفاً بعد أن أنهى بعض المعلمين عملهم نتيجة السفر أو الانتقال لعمل آخر أو الإقصاء لأسباب أمنية وسياسية من قبل مدراء المدارس أو بسبب مخالفته لشروط العقد الموقع.
التعليم مصدر أساسي لمعيشة أغلب المدرسين
عملية الفصل للمعلمين اليوم تشكل معضلة وقطع باب رزق لهم، حيث يعتبر المورد الوحيد للكثيرين منهم، وهو ما يمكنهم من دفع أجور منازلهم على أقل تقدير، بالإضافة إلى أن أغلب المعلمين لا يعمل أو لا يستطيع العمل بأي مجال آخر.
المعلم السوري في تركيا مهمّش
اليوم مبلغ الإعانة “الحوافز” المقدم من اليونسيف الذي يُعطى للمعلمين السوريين لا يصل للحد الأدنى لأجور العاملين في تركيا، كما يعاني المدرّسون السوريون في تركيا من غياب حقوقهم الوظيفية، باعتبارهم متطوعين غير موظفين، ولا يخضعون للنظام الوظيفي الذي يخضع له المعلمون الأتراك.
وما يزال المدرّسون السوريون يطالبون بحقوق الضمان الوظيفي والأمن الوظيفي، ككل الموظفين في السلك التعليمي، وأن يخضعوا لنظام الإجازات نفسه، ويحصلوا على تأمين صحي، وإذن عمل نظامي، ولكن هذا لن يتحقق إلا في حال رُفعت صفة “التطوع” عنهم، حيث أن صفة “متطوع”، هي التي تحرم المدرّس السوري من كل حقوقه.
بعد سبع سنوات
ويأتي ما سبق بعد سبع سنوات من بدء برنامج “التعليم التطوعي للمعلمين السوريين” (svep)، في نوفمبر 2014، والذي جاء في ذلك الوقت بشراكة بين “اليونيسيف” ووزارة التربية في تركيا ومكتب البريد التركي (ptt).
وتقول المسؤولة في “اليونيسيف” سيما هوستا لموقع الحرة : “المعلمون الذين انضموا إلى برنامج التعليم التطوعي تم اختيارهم في السنوات الماضية والإشراف عليهم من قبل وزارة التعليم التركية. تم دفع حوافز شهرية لهم من خلال هذا البرنامج أيضا”.
وتضيف هوستا: “ابتداءً من منتصف عام 2016 بدأت وزارة التعليم التركية عملية إغلاق مراكز التعليم المؤقتة تدريجيا واتجهت لدمج الأطفال السوريين في المدارس الحكومية التركية (TPSs)” ويبدوا هذا الإجراء كأحد الوسائل الضرورية لصهر الهوية السورية وتنشأة الأطفال السوريين على ثقافة ليست ثقافتهم.
وبعد ذلك أتبع برنامج “التعليم التطوعي” إلى المدارس الحكومية التركية، والمؤسسات التعليمية الأخرى في البلاد، بما في ذلك مراكز التعليم العام (PECs)، ومراكز البحوث الاستشارية (RAMs)، ومراكز التعليم المهني (VECs).
وتوضح المسؤولة: “لقد كان برنامج التعليم التطوعي (SVEP) مكونا حاسما في استجابة اليونيسف التعليمية الشاملة في تركيا، وقد أثبت أنه آلية دعم فعالة شجعت على الالتحاق واستدامة الاحتفاظ بأكثر من 768000 طفل سوري في التعليم الرسمي”.
والقرار الذي يتم تطبيقه في الوقت الحالي كان قد سبقته عمليات فصل “تعسفي” طالت قرابة مئة معلم، أواخر العام الماضي، وحينها تحدث موقع “الحرة” مع البعض منهم، وقالوا إن الإجراء جاء بشكل تدريجي وفي فترة زمنية متقاربة، ومن دون ذكر الأسباب التي تقف وراء هذا القرار.
وشملت عمليات الفصل في ذلك الوقت المدرسين السوريين في أكثر من 21 ولاية تركية، وهي الولايات التي كانت تضم مراكز تعليم مؤقتة في السابق، وتضم حاليا معلمين سوريين تحت مسمى “متطوعين”.
تركيا ماضية في سياسة التتريك لمناطق احتلالها بالشمال السوري
صدرت توجيهات تركية جديدة وبالتعاون مع اليونسيف بعدم تمديد عقود آلاف السوريين قدر عددهم بـ خمسة ألاف مدرس من المشاركين في “برنامج دعم التعليم التطوعي للمدرسين السوريين” في حال عدم حصولهم على مستوى A2 في اللغة التركية كما ذُكِرَ آنفاً في خطوة جديدة نحو مزيدٍ من سياسة التتريك للمناطق المحتلة في شمال سوريا .
فقد اشترطت تركيا معيارين للمعلمين السوريين المشتركين في البرنامج وإلا فلن يتم تجديد عقودهم وبالتالي فصلهم عن عملهم. الأول: حصولهم على شهادة البكالوريوس، حيث كان بعض المعلمين السابقين من خريجي المعاهد السورية العالية أو الحاصلين على الشهادة الثانوية، وأما المعيار الثاني فأصبح إجادة المعلمين للغة التركية بشكل جيد وحصولهم على مستوى A2 باللغة التركية وذلك لأن تعليم الاطفال السوريين يتم باللغة التركية وفقا لتشديدات الحكومة التركية.
وتعتبر هذه الخطوة التحرك الأقوى حتى الآن لتتريك تلك المناطق بشكل كامل حيث أصبح إلزاما على المعلمين السوريين التعليم باللغة التركية حصرا حيث سيشدد هذا التوجه قوانين تعلّم وتعليم الاطفال السوريين باللغة التركية وبالتالي سلخ جيل كامل عن لغته الام كذلك انتهاج تركيا لسياسة تتريك أسماء الشوارع والإدارات في المناطق السورية التي تتواجد فيها قواتها أو تسيطر عليها ميلشياتها من “الحر” أو ما أصبح يُسمى “الجيش الوطني” إضافة الى منع التعامل بالليرة السورية وفرض التعامل بالليرة التركية، وصولاً إلى التعليم بدءاً من المدارس إلى الجامعات خاصة مع قرارها بافتتاح جامعة ومعهد عالٍ في ريف حلب وهو ما يشكل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وحرفاً لجيل كامل عن هويته.
وسيم اليوسف – إعلام مسد