إن التحدي الأبرز في مناطق الإدارة الذاتية هو ملاحقة ومحاربة خلايا وفلول تنظيم داعش الإرهابي الذي هُزم جغرافياً بعد معركة الباغوز شرقي دير الزور في آذار 2019، هذا إلى جانب تحديات أخرى تؤرق الأمن والاستقرار كتواجد تركيا وجماعاتها المسلحة الراديكالية في مناطق احتلالها بسري كانية (رأس العين) وتل أبيض، إضافة لمحاولات النظام السوري والمليشيات الإيرانية إثارة الفتن والقلاقل وتأليب القبائل العربية واستقطابها ضد قوات سوريا الديمقراطية.
يضع تنظيم داعش، قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية على رأس قائمة خصومه ويترجم ذلك عبر عمليات استهدافه لمسؤولي الإدارة الذاتية وقوات «قســد» بشكل مستمر بعد تبنى التنظيم أسلوب العمليات السريعة والضربات الخاطفة، ونصْب الكمائن لأرتال القوات، معتمداً على منطق الاستنزاف وحرب العصابات وعمليات الذئاب المنفردة والتجنيد وغيرها، عبر مجاميع وخلايا نائمة صغيرة تنتشر عبر مساحات غير مأهولة، وفي عمق الأرياف والفضاءات الصحراوية النائية، إضافة إلى التموضع كخلايا نائمة داخل المدن والمخيمات.
وهناك قلق جدي من تحول «مخيم الهول» إلى ملاذ آمن لخلايا تنظيم داعش من ضربات الخصوم، وحمايته من الاستهداف عبر الجو، وهي أكثر وسيلة أسهمت في تدمير هياكله في المراكز الحضرية التي سيطر عليها في الرقة ودير الزور وتدمر، وبذلك يضع خصومه في وضع مربك، إذ يجدون صعوبة في استخدام أدوات أخرى ذات فعالية في مواجهته.
عوامل أخرى جعلت «مخيم الهول» أرضٌ خصبة وبيئة ملاءمة لعمل عناصر وخلايا تنظيم داعش، لعل أهمها ايواء المخيم لعوائل وأُسر التنظيم الذين يقدر عددهم بأكثر من 12 ألف شخص من النساء والأطفال في أعقاب سقوط “دولة الخلافة” المزعومة في آخر معاقله ولا زالوا يؤمنون بفكر وعقيدة داعش.
شُيد «مخيم الهول» في أعقاب حرب الخليج في تسعينيات القرن الماضي، أنشأته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على مشارف بلدة الهول شرقي الحسكة بالتنسيق مع الحكومة السورية آنذاك، حوى ما يزيد عن 15 ألف لاجئ عراقي وقتذاك.
لكن بعد ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، نشطت حركة النزوح إليه مجدداً وخاصة من الموصل في شمال العراق، ليعج المخيم ثانية باللاجئين العراقيين والنازحين السوريين الذين تضررت مناطقهم من الحرب الدائرة في البلاد.
وبعد القضاء على آخر معاقل داعش في دير الزور وصل عدد قاطني المخيم لـ /73/ ألف، أكثر من نصفهم لاجئون عراقيون، ويضم أيضاً أطفال وزوجات عناصر تنظيم داعش الذين يعرفون باسم “المهاجرون” يقدر عددهم بعشرات الآلاف من /48/ جنسية أجنبية.
ومع إطلاق مجلس سوريا الديمقراطية في اكتوبر الماضي مبادرة لإخراج السوريين -الأطفال والنساء- من المخيم تناقص العدد الكلي ليصل /60285/ شخص، بعد خروج أكثر من /9000/ سوري منحدر من مناطق شمال وشرق سوريا من إجمالي عدد السوريين في «مخيم الهول» البالغ /11000/، كما استعادت عدد من الدول الأجنبية مواطنيهم – الأطفال والنساء- من المخيم.
يرى المراقبون أن التحولات التي شهدها “داعش” في بنيته التنظيمية وأسلوب عمله، جعله يتأقلم مع الوضع الجديد وبالتالي حافظ على فلوله من الاندثار، لذلك يعمد التنظيم على تغذية أطفال ونساء «مخيم الهول» بأفكاره وأيديولوجيته، الأمر الذي يعتبره المختصين بشؤون الجماعات الإرهابية أنه ربما يشكل استدارة خطيرة ويقوض فرص اجتثاث فكر داعش وعقيدته الهدامة.
ويستدل المراقبون على ذلك من خلال زيادة نشاط “داعش” ضمن «مخيم الهول» وزيادة حالات القتل منها النحر وقطع الرؤوس لتبلغ هذه الجرائم خلال عام 2021 فقط أكثر من /36/ حالة قتل لأشخاص يرى داعش أنهم “مرتدون” ومتواطؤون مع قوات سوريا الديمقراطية.
رغم المناشدات المتكرّرة للدول الغربية لاستعادة مواطنيها لم تلق بغالبيتها آذانا صاغية، واقتصر الأمر على قلة قليلة من الأطفال وبضع نساء.
جاء في بيان للمدير الإقليمي ليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان: “في شمال شرق سوريا، هناك أكثر من 22 ألف طفل أجنبي من 60 جنسية على الأقل، يقبعون في مخيمات وسجون، بالإضافة إلى آلاف من الأطفال السوريين”.
وحضّ شيبان السلطات في شمال شرق سوريا والدول الأعضاء في الأمم المتحدة على “بذل كل ما أمكنها من جهود لإعادة الأطفال المتواجدين حاليا في شمال شرق سوريا إلى ديارهم”.
وقال إن هذا الأمر يجب أن يتم “من خلال إدماج الأطفال السوريين في مجتمعاتهم المحلية وإعادة الأطفال الأجانب إلى بلادهم”.
وفي الأول من شباط/فبراير الفائت، حضّت منظّمة “سيف ذا تشيلدرن” (أنقذوا الطفولة) العراق والدول الغربية على تسريع عودة الأطفال المتواجدين في شمال شرق سوريا إلى ديارهم.
لكن مسؤول حكومي عراقي، قال إن بلاده ألغت خطة لنقل عوائل تنظيم “داعش”، من مخيم الهول في سوريا إلى مخيم للنازحين في نينوى، شمالي البلاد، وعزا ذلك بسبب اعتراضات واسعة من جهات مختلفة (لم يسمها)”.
يبقى ملف معالجة مخلفات حقبة داعش، ملفاً دولياً يستدعي حله تضافر جهود جميع الدول والمنظمات الأممية، عبر استعادة الدول لمواطنيها من النساء والأطفال و العمل على إعادة اندماجهم في مجتمعاتهم، كما يجب البت في ملف معتقلي عناصر داعش البالغ عددهم أكثر من / 5 / آلاف في سجون الإدارة الذاتية، حتى يفشل داعش كتنظيم وأيديولوجيا ويذهب ريحه.
بهزاد عمو – إعلام مسد