تحاصر القوى الرافضة لمشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بشتّى الطرق والوسائل هذا المشروع، فمن جهة تسعى تركيا إلى ضربها اقتصادياً واجتماعياَ من خلال زرع الفتن والطائفية بين مكوناتها الاجتماعية، كما تسعى وتعمل جاهدةً إلى تخفيض منسوب النهر الوحيد الذي يرفد قسماً كبيراً من مناطقها بالمياه، ومن جهة أخرى تواجه هذه الإدارة أيضاً ضغوطات النظام السوري من خلال إغلاق المعابر التي تربط الإدارة الذاتية ببقية المناطق السورية، يبدو أنّها- القوى الرافضة- ورغم خلافاتها على مدار الأزمةِ في سوريا اتحدت في خطوة ابتزاز الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والضغط عليها، ومحاربة النجاح والاستقرار في مناطقها.
حرب المعابر :
معبر تل كوجر ( اليعربية ) ومعبر نصيبين ومعبر كري سبي/ تل أبيض ثلاثةُمعابر رسمية كانت مفتوحة قبل الأزمة السورية، وتربط شمال سوريا وشرقها مع كلٍّ من العراق وتركيا، ولكنها أُغلِقت من قِبل السلطات العراقية والتركية بذريعة أنها لا تتعامل سوى مع الحكومات، رغم أنها فتحت معبر كري سبي خلال فترة احتلال داعش للمدينة، وفتحت معابر في المدن التي تسيطر عليها مع مرتزقتها مثل جرابلس وإعزاز وإدلب.
أمّا معبر (منبج ) الواصل بين مناطق الإدارة الذاتية ومناطق النظام، الذي يسعى في أغلب الأحيان إلى إغلاقه أمام دخول المواد الغذائية، والموادالأساسية إلى مناطق الإدارة، وفرض أتاوات وضرائب كبيرة على تلك المواد ما يُزيد في أسعارها، التي باتت أعلى من القدرة الشرائية للمواطنين.
وليس ببعيد عن معبر ( منبج ) هناك معبر (إم جلود) شمال غرب مدينة منبج والذي يربط مناطق الإدارة الذاتية مع مناطق المرتزقة الموالين لتركيا، فهذا المعبر يُفتح ويغلق بأوامر السلطات التركية التي تفرض الأتاوات والضرائب على المواد الداخلة إلى مناطق الإدارة، والتي تقتصر على المواد ذات المنشأ التركي ودائمًا يُمنع دخول المواد الغذائية والأدوية والمعدات الصحية إلى شمال وشرق سوريا.
وبالعودة إلى معبر تل كوجر (اليعربية ) فقد سَمح مجلس الأمن باستخدام هذا المعبر إلى جانب ثلاثة معابر أخرى مع الأردن وتركيا، بموجب قرار عام 2014، لإيصال المساعدات إلى سوريا من قبل الأمم المتحدة.
وظل هذا المعبر مخصصًا للمساعدات الإنسانية حتى مطلع العام الفائت، ففي10 كانون الثاني/ يناير 2020، وبعد تهديد روسي باستخدام حقّ النقض ضد تفويض الأمم المتحدة وبدعم من الصين، شطب مجلس الأمن رسميًّا معبر تل كوجر/ اليعربية ومعبر الرمثا عند الحدود الأردنية-السورية، من قائمة المعابر الحدودية المسموح باستعمالها، ما أوقف جميع مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود إلى مناطق الإدارة الذاتية، في سعيٍ روسي واضح إلى
فرض سياستها على الهيئات الدولية، وإعادة المنطقة إلى سلطة النظام السوري .
حرب المياه
حذر مسؤولون في شمال وشرق سوريا من «كارثة إنسانية» من جراء زيادة التراجع في منسوب المياه في سد الفرات في سوريا، مع استمرار تركيا في خفض كميات المياه المتدفقة لنهر الفرات، الذي يروي مئات آلاف الهكتارات من الأراضي في شمال وشرق سوريا، وخاصة هذا العام الذي يُعد عام جفاف بسبب قلة الأمطار الموسمية التي هطلت على المنطقة، وأثرت بشكل كبير على الزراعة، واقتصاد المنطقة، التي يعتمد فيها أكثر من 85% من سكانها على الزراعة بسبب عدم قدرة الفلاحين على زراعة أراضيهم بالمحاصيل الصيفية الاستراتيجية، وخاصة القطن، الذي يحتاج إلى الري بكميات كبيرة ومتواصلة، وتَرَك انخفاض منسوب مياه نهر الفرات آثاراً على جميع نواحي الحياة، فعدا تأثر الزراعة والثروة الحيوانية إلى حد كبير، تشهد المنطقة حالياً أزمة كهربائية، نتيجة توقف مجموعات التوليد الكهرومائية في سد الفرات التي تغذي سوريا بشكل عام بالكهرباء، ما أجبر مديرية الكهرباء في الطبقة على إيقاف مجموعات التوليد، وقطع الكهرباء حوالي 12 ساعة يومياً، أوأكثر .
حرمان مناطق الإدارة الذاتية من المساعدات الإنسانية
أثّر اغلاق معبر اليعربية الحدودي مع العراق في حرمان مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، من المساعدات الإنسانية التي أُقرّتْ في مؤتمر بروكسيل الأخير بتوجيه و تنظيم ٍ من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل؛ والذي شارك فيه 80 وفداً من خمسين دولة حول العالم إضافة لمنظمات إنسانية وحقوقية ومالية ودولية، حيث تمّ تخصيص 6.4 مليار دولار لسوريا.
فرغم أن مناطق الإدارة الذاتية تحوي ما يفوق الـ 5 مليون سواء سكانها الأصليين أو نازحين من بقية المناطق السورية، فهي محرومة من المساعدات الإنسانية وبالأخص في فترة تفشي وباء كورونا، حيث قدرت أرقام الأمم المتحدة في اكتوبر 2019 أن 1.8 مليون من سكان شمال وشرق سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى المعونات منخفضاً، ومن المحتمل أن تكون هذه الأرقام قد تغيرت كثيراً في أعقاب جائحة “كوفيد-19 والاحتلال التركي لمناطق سري كانية (رأس العين) وتل أبيض في اكتوبر 2019 الذي خلّف حركة نزوح واسعة.
فالمساعدات الإنسانية التي تدخل سوريا دائماً ما تحاط بجو من التسييس؛ الأمر الذي يؤثّر سلبا على واقع السوريين عموماً الذين يعانون علاوة على الأزمة في بلادهم أزمات مركبة وأصبح الوصول إلى الاحتياجات اليومية من غذاء وتدفئة واحتياجات طبية بالغة الصعوبة.
ولكي تحقق هذه المنح هدفها يجب أن تكون المساعدة على تحقيق الاستقرار جزءاً من استراتيجية أكبر وأطول أجلاً. ولطالما قدم المجتمع الدولي المساعدات الإنسانية بدلاً من النظر في المسار الطويل الأمد للنزاع.
وبدلاً من ذلك، يجب على صانعي القرار والمانحين التفكير في فعالية المساعدات على المدى الطويل.
وسيم اليوسف – إعلام مسد