نظمت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل؛ مؤتمراً للمانحين لمساعدة السوريين داخل وخارج سورية بما في ذلك المجتمعات المضيفة لهم، وذلك بمشاركة 80 وفداً من خمسين دولة حول العالم إضافة لمنظمات إنسانية وحقوقية ومالية ودولية.
تعهدت الدول المانحة والمنظمات الدولية التي شاركت في مؤتمر “بروكسل 5” حول سوريا، بتقديم 6.4 مليارات دولار أميركي، حيث تعهدت ألمانيا خلال المؤتمر بتقديم أكثر من ملياري دولار، في حين وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم 560 مليون يورو، والولايات المتحدة بـ 596 مليون دولار، وبريطانيا بـ 300 مليون دولار.
في حين أعلنت قطر عن تقديم 100 مليون دولار، وكندا 50 مليوناً، وإسبانيا 23 مليوناً، وأيرلندا 27 مليوناً، والإمارات 30 مليوناً.
لكن يبقى التحدي الأبرز والهاجس المتكرر للمانحين هو آلية وصول هذه المنح والمساعدات للمستفيدين دون عوائق.
وقد استبقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” انطلاق فعاليات المؤتمر بإرسال بيان موجه إلى الدول المشاركة في مؤتمر المانحين، على ضرورة “وصول المساعدات إلى المدنيين الذين يحتاجون إليها، وإعطاء الأولوية لحماية أولئك الموجودين في سوريا، والسعي لتحقيق العدالة لضحايا الفظائع المروعة”.
وأكدت المنظمة أن النظام السوري وضع سياسة للسيطرة على أموال المساعدات الإنسانية وتحويلها لتمويل عملياته العسكرية.
وأشارت المنظمة إلى وجود حاجة ملحة لضمان وصول الأموال المخصصة للدعم الإنساني في سوريا لمن هم في أمس الحاجة إليها، وألا تستخدم لتسهيل الانتهاكات، داعية المشاركين في مؤتمر المانحين للمطالبة بتجديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود.
فيما عقد مجلس الأمن الدولي في 29 آذار/ مارس 2021، اجتماعاً خاصاً بشأن سورية كانت قد دعت إليه الولايات المتحدة التي ترأست الجلسة، وطالب وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الدول الأعضاء بإعادة فتح المعبرين المغلقين في سورية (باب السلام – اليعربية)، والسماح بوصول المساعدات إلى المدنيين، في كلمة خصصها للحديث بالكامل عن الوضع الإنساني، دون التطرق تقريباً إلى الحل السياسي.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنّى في 11 تموز/ يوليو 2020 القرار رقم 2533 لتجديد آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية، والذي ينصّ على إبقاء معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا مفتوحاً لعام واحد، بدلا من نقطتَي عبور كانتا مستخدمتَين في السابق بموجب القرار رقم 2504 (2020).
على ما يبدو الولايات المتّحدة الأمريكية تعمل على قيادة جهود دولية لإعادة توسيع آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية والتي يُفترض أن يتم تجديدها في تموز/ يوليو 2021، وذلك لمواجهة مساعي روسيا التي تعمل على تقويض الآلية وإغلاق معبر باب الهوى الحدودي وحصر دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر دمشق.
وبحسب ترجيحات خبراء في مركز جسور للدراسات، يتوقع أن الحصة الأكبر تذهب لمناطق النظام السوري، والتي يتوقع أن تصل إلى 1.2 ملياراً تخصص بشكل رئيسي على شكل مساعدات عن طريق الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات المسموح لها بالعمل في مناطق النظام، كما يتوقع أن تصل حصة السكان في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرقي البلاد إلى حوالي 350 مليون دولار أمريكي وحصة السكان في مناطق إدلب وريف حلب (مناطق سيطرة فصائل سورية وراديكالية في الشمال السوري) إلى حوالي 650 مليون دولار أمريكي، وهي مبالغ سنوية يتم توزيعها على مشاريع مختلفة، منها ما هو طبي ومنها ما هو غذائي ومنها ما يتعلق بالمياه والتعليم والتوعية وغيرها، بما في ذلك مشاريع دعم الاستقرار التي تعد نسبتها صغيرة جداً مقارنة ببقية القطاعات.
في حين يرى مسؤول مكتب الشؤون الإنسانية والمنظمات، فرهاد حمو، أن مناطق شمال وشرق سوريا تواجه العديد من التحديات الإنسانية بالأخص بعد حركة النزوح في أعقاب الغزو التركي لمناطق سري كانية (رأس العين) وتل أبيض في أكتوبر 2019 وزاد حدتها بعد انتشار وباء كورونا.
وفي تصريح خاص، قال حمو، أن حجم الاستجابة الإنسانية للمنظمات الدولية في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق البلاد لا ترقى للمستوى المطلوب كون أغلبية المنظمات الدولية العاملة ذات تمويل محدود وغير قادرة على تحقيق الاستجابة المطلوبة.
وأردف أن الإدارة الذاتية “تتحمل أعباء إضافية وبالأخص في مخيم الهول، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته ووضع حلول مستدامة، وإلا فإن الأمور تتجه نحو الأسوأ” على حد تعبيره.
واعتباراً من كانون الأول/ديسمبر 2021، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 80٪ من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر. ووفقاً لـ “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”، يحتاج 11.1 مليون مواطن إلى مساعدات إنسانية اعتباراً من هذا العام، بينما يقدّر “برنامج الغذاء العالمي” أن 12.4 مليون شخص – أو 70٪ من السكان – يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهي زيادة بنسبة 50٪ عن العام الماضي.
وقد أثر اغلاق معبر اليعربية الحدودي مع العراق إلى حرمان مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، التي تحوي ما يفوق الـ 5 مليون سواء سكانها الأصليين أو نازحين من بقية المناطق السورية، من المساعدات الإنسانية وبالأخص في فترة تفشي وباء كورونا، حيث قدرت أرقام الأمم المتحدة في أكتوبر 2019 أن 1.8 مليون من سكان شمال وشرق سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى المعونات منخفضاً، ومن المحتمل أن تكون هذه الأرقام قد تغيرت كثيراً في أعقاب جائحة “كوفيد-19 والاحتلال التركي لمناطق سري كانية (رأس العين) وتل أبيض في أكتوبر 2019 الذي خلّف حركة نزوح واسعة.
أُحيطت المساعدات الإنسانية بجو من التسييس الأمر الذي أثر سلبا على واقع السوريين عموماً الذين يعانون علاوة على الأزمة في بلادهم أزمات مركبة وأصبح الوصول إلى الاحتياجات اليومية من غذاء وتدفئة واحتياجات طبية بالغة الصعوبة.
ولكي تحقق هذه المنح هدفها يجب أن تكون المساعدة على تحقيق الاستقرار جزءاً من استراتيجية أكبر وأطول أجلاً. ولطالما قدم المجتمع الدولي المساعدات الإنسانية بدلاً من النظر إلى المسار الطويل الأمد للنزاع. وبدلاً من ذلك، يجب على صانعي القرار والمانحين التفكير في فعالية المساعدات على المدى الطويل.
بهزاد عمو – إعلام مســد