لماذا يريد أردوغان تطبيع العلاقات مع السلطة الحاكمة في دمشق تحت رعاية بوتين؟ هاجس الانتخابات حاضر بقوة لدى الرئيس التركي مقابل توجس من نظيره السوري.
أردوغان يحاول مجدداً طَرق أبواب السلطة الحاكمة في دمشق لتحقيق تقارب معه تحت رعاية روسية بالأساس. تترقب المنطقة اتفاقاً ثلاثياً قد يحصل لأول مرة منذ اندلاع الحرب في سوريا بين ثلاثة أطراف فاعلة، ما قد يغيّر صورة الصراع بشكل كبير، ويخلق منعرجاً تاريخياً قد يغير من خارطة السيطرة على الجغرافيا السورية.
إعلان أردوغان أنه قد يجتمع مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل جهود السلام، وأن هناك عملية محادثات ثلاثية بين تركيا وروسيا والسلطة الحاكمة في دمشق، إنما يخفي وراءه العديد من المكاسب والمخططات التركية دون النظر إلى ما ستؤول إليه مصير مناطق شمال وغرب سوريا التي كانت تأتمر بالأوامر التركية فيما لو تمّ تسليم تلك المناطق إلى سيطرة السلطة في دمشق.
ثلاثة مصادر مطّلعة على المفاوضات تحدثت لوكالة “رويترز” عن أن دمشق ترى في محاولات أردوغان التقرب منها بحثاً عن مصالح انتخابية تهمه بالأساس، وأن بشار الأسد ليس متحمساً كثيراً لمد يده لأردوغان بل وأكثر من ذلك إذ أن أحد المصادر تحدثت عن رغبة سورية بتأجيل التقارب إلى ما بعد الانتخابات التركية المقرر عقدها في حزيران/ يونيو القادم، بينما أشار مصدر آخر إلى أن دمشق تشترط أولاً انسحاباً كاملا للقوات التركية من الشمال السوري.
مراقبون للشأن السوري يرون أن لقاءً بين بشار الأسد وأردوغان من شأنه إصباغ الشريعة على الاحتلال العسكري التركي لمناطق في شمال سوريا، خصوصاً وأن أنقرة لن تتجاوب مع مطالب دمشق بالانسحاب، وأنه إذا لم تقدم تركيا تنازلات، فقد تقتنع دمشق بأن أردوغان غير جَدّي وبالتالي لا تدعم أردوغان في بحثه عن “نصر انتخابي”.
في السياق ذاته تُعتبر مسألة اللاجئين السوريين من أكبر الملفات التي تسبب صداعاً لأردوغان، ورغبته الكبيرة بإعادة مليون لاجئ إلى سوريا، بحثاً عن تخفيف الأجواء مع المعارضة التركية القومية التي ترفض استمرار تركيا بلد استقبال للاجئين، ومن ثم كسب أصوات المتعاطفين مع اليمين في الانتخابات.
ولا يوجد إشكال عند أردوغان في البحث عن صلح مع “أعدائه” و”خصومه” السابقين بحثاً عن مصلحة نظامه، فقد صافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتودد كثيرا للقاهرة حتى يتم تطبيع العلاقات، وزار الإمارات لأول مرة بعد تسع سنوات، وأعاد تقوية العلاقات مع إسرائيل، وبعث برسائل ودية كثيرة للاتحاد الأوروبي.
ولا يخفى على أحد أن مساعي حكومة “العدالة والتنمية” في تقاربها وتوددها لدمشق هو نتاج الهوس والخوف لما حققته الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وحفاظها على الأمن والاستقرار.
فجلّ ما تسعى إليه تركيا هو إفشال مشروع الإدارة الذاتية التي أثبتت نجاحها وحفاظها على النسيج الاجتماعي في فترة وجيزة على الصعيد الداخلي والدولي من خلال الاعتراف بها كشريك قوي منظّم من قبل التحالف الذي يحارب “داعش” وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية.
وفي إطار مطامع تركيا في مدّ يد التقارب إلى السلطة الحاكمة في دمشق، دعا مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، في وقت سابق أثناء حديثه عن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إلى عودة حلب إلى سيطرة تركيا.
وقالت وسائل إعلام تركية إن أقطاي، وهو مستشار رئيس “حزب العدالة والتنمية” أطلق دعوة مثيرة للاهتمام بالتزامن مع الجهود التي يبذلها الحزب الحاكم إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بعد سنوات عديدة من القطيعة.
وفي حديثه في برنامج بثته قناة “أولكي تي في”، قال أقطاي إن “تركيا تدخلت أثناء الحروب الدائرة في حلب لمنع وقوع مجازر كبيرة”.
واضاف أقطاي: “أعتقد أن هذا هو ما يجب أن تطالب به تركيا، يجب وضع حلب تحت السيطرة التركية”.
ومع اتّهامات المعارضة التركية لرجب طيب أردوغان بعدم الجَدّية في التعامل مع الملف السوري ووضع خطة عاجلة للمصالحة مع دمشق لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، جاء اقتراح ياسين أكطاي، مستشار إردوغان، ليؤكد صحّة التّشكيك في نيات الأخير وحساباته الخاصة بسوريا، والتذكير بالشعار الذي رفعته الأوساط القومية التركية في بدايات التدخل التركي في الشمال السوري، وهي تتحدث عن ضمّ هذه المنطقة إلى تركيا، باعتبارها كانت جزءاً من خارطة الميثاق الوطني لعام 1920، كما أعلنت حلب الولاية رقم 82 لتركيا الحالية.
حيث قال أكطاي في حديثه إلى قناة “أولكا” الموالية للرئيس إردوغان “لضمان العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، يجب أن توضع مدينة حلب تحت الإدارة التركية”.
دعوة أكطاي لجعل مدينة حلب السورية تحت الوصاية التركية أثار اهتمام وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي قالت إنه كشف النيات الحقيقية لإردوغان بدعوته الرئيس بوتين كي يجمعه بالأسد بعد الاجتماع الأخير لوزيرَي الدفاع السوري والتركي في موسكو بحضور وزير الدفاع الروسي.
ورأى البعض أنّ كلامه هذا رسالة موجّهة من أنقرة إلى المعارضة السورية بكلِّ فصائلها، بما فيها “هيئة تحرير الشام” جبهة النصرة سابقا، بعد المعلومات التي تحدثت عن مساعي أنقرة لإقناعها بجدوى المصالحة المحتملة مع دمشق، وهو ما بدأت به هذه المعارضة بعد لقاء قياداتها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضي.
وختاماً فإن النظامي التركي والسلطة الحاكمة في دمشق، يؤمنان بنظرية المؤامرة التي تتعرض لها المنطقة وكلاهما ينال منه رعب الحوار والاعتراف بالآخر وتحقيق الشعوب لإراداتها وإدارتها لشؤونها على قاعدة التعاون والتضامن وقيم العيش المشترك.
وعليه فإن أيّ تقارب بين الطرفين سيكون على حساب الشعب السوري بكل مكوناته، وضد إرادته في تقويض الاستبداد وتحقيق الكرامة والكفاية والحرية، فتركيا لا تزال تشكل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها، وأن تصريحات أردوغان المستمرة باحتلال المنطقة تعبير عن المأزق السياسي والعسكري والاقتصادي الذي تعيشه بلاده.
وسيم اليوسف-إعلام مسد