Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

ما أشبه اليوم بالأمس. فـ على الرغم من تبدل الوقائع بسياقها الأمني، وانتقال الأزمة في سوريا إلى مرحلة البحث عن حلول سياسية، إلا أنه ثمة جوانب بأبعاد اقتصادية لا يُمكن إغفالها أو التغاضي عنها، أو إبقاءها ضمن أطر اللا حلول، وعلى الرغم من التأويلات التي تتزامن مع حالة الانفراج السياسي، والتي يراها غالبية السوريين حالة مؤقتة، لكنها حالة تترافق مع أمنيات بانفراجات اقتصادية، تُنقذ ما تبقى للسوريين من آمال، كل ذلك، ويبقى الهاجس الوحيد لعموم السوريين وتحديداً أولئك المتواجدين في مناطق سيطرة دمشق، هو البحث عن مخرج آمن، عنوانه الهجرة، يكون بوابة لحياة جديدة وواقع جديد، على الرغم من جُملة الأخطار المُحدقة بالمخرج الذي يتمناه السوريين.

قد يهمك: “طال صيام السوريين”.. واقع جديد يكرسه شهر رمضان

يكثر الحديث في أوساط المجتمع السوري، وتحديداً لدى فئة الشباب، عن انفراجات من شأنها حلحلة الواقع المعيشي المُزري الذي يؤرق السوريين، خاصة أن الشباب السوري قد خبر كل عناوين الحرب العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية، وقد تشكلت قناعة لدى الكثيرين، بأن بوابة الحلول مُغلقة من قبل صانع القرار في دمشق، وفي مثل هذا الواقع، لم يبقى لدى كافة فئات الشباب السوري، إلا البحث عن طرق للهجرة، تُجنبهم الواقع القادم، والذي يراه كُثر أسوأ مما مضى، فالكثير منهم يقول بأن لا شيء يخسره في حال قضى نحبه على طريق الهجرة، ولكن شرف المحاولة يكفي، إذ لا فرق بين الأمس واليوم، فالوقائع تشي بأن الأسوأ لم يأتي بعد، في ظل تعنت دمشق لجهة البحث الفعلي والحقيقي عن حلول سياسية واقتصادية، والمؤسف في واقع المجتمع السوري، أن غالبية الباحثين عن طرق للهجرة، هم حاملي الشهادات العليا، سواء أطباء أو مهندسين، وغير ذلك من اختصاصات متنوعة، وغالبيتهم يملك من الخبرات ما يؤهله لمنصب وظيفي هام، لكن لا حلول ولا أمل يقول أحدهم، الأمر الذي يُنذر بكارثة اجتماعية معقدة ومتعددة الجوانب، تنتظر المجتمع السوري عموماً.

ما سبق تترجمه إلى حدَ ما صفحات التواصل الاجتماعي، فالمتابع لِما ينشره السوريين في مناطق سيطرة دمشق، والردود التي تأتي، والمؤطرة ضمن الحديث عن المعاناة الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن المعاناة بتأمين قوت يومهم، وصولاً للحديث عن فقدان الأمل وعجزهم عن تأمين وظيفة مناسبة، رغم الشهادات الجامعية التي يمتلكها البعض، وكذا في سياق الردود والتعليقات، والتي تتمحور عن رغبات البعض بالهجرة والهروب من هذا الواقع “وترك الجمل بما حمل”.

“بدنا نهاجر والباقي على الله”، هو مصطلح السوريين الوحيد في هذه الأيام، وهو مصطلح تضج به صفحات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، يرمز حقيقةً إلى انعدام الأمل بأي انفراج اقتصادي، فالسوريين وصلوا إلى مرحلة لم تعد تعنيهم أي انفراجات سياسية، أو لقاءات إقليمية مع مسؤولي دمشق، فـ غالبيتهم اليوم يريدون تأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم. الدكتور وليد مرهج، لم يكن لديه أي مشكلة في ذكر أسمه الصريح، وتمنى أن يصل صوته إلى أحد “المهربين” لمساعدته على الهجرة، وتأمين طريق آمن، فالمفارقة أن الدكتور وليد تمنى أن يصل صوته إلى أحد المهربين، وليس إلى صانع القرار، الأمر الذي يؤكد بأن الشباب السوري، فقد الثقة بمسؤوليه، ولم تعد تلك التصريحات عن حلول مرتقبة، تُشفي صدور السوريين.

الدكتور وليد يقول صراحة، تخرجت من كلية الطب في جامعة دمشق عام ٢٠٠٩، وعملت في أحد مشافي دمشق لفترة وجيزة، لكن الحرب في سوريا، أجبرتني على الالتحاق بالجيش، ولم احصل على “حريتي”، إلا قبل سنوات، وتحديداً عام ٢٠٢٢، ويضيف الدكتور وليد، بعد التسريح طرقت أبواب مشافي خاصة عديدة في دمشق وحلب واللاذقية، لكن صراحة يريدون “واسطة”، وحاولت التعاقد مع المشافي الحكومية، فحصلت على عقد لمدة ستة أشهر، وبراتب لا يتجاوز ١٧٠ الف ليرة سورية، يتضمن طبيعة العمل والمناوبات، ويُضيف “صدقني تمنيت لو اني استشهدت في الحرب” أقله سيحصل أهلي على تعويض بسيط وراتب خجول، لكن أرحم من شعوري بأني أحمل شهادة في الطب.

قصة الدكتور وليد تتشابه في معطياتها مع غالبية خريجي الجامعات السورية، فاليوم لم يعد لدى الشباب السوري أي أمل بغدٍ مشرق، بل على العكس، ثمة سوداوية للمشهد القادم، لدى غالبية فئات الشعب السوري، خاصة في مناطق سيطرة دمشق، ونتيجة لذلك، يبدو واضحاً أن الرغبة لدى غالبية السوريين، تتنامى البحث عن أي مكان للهجرة وتقديم اللجوء، نظراً لانعدام الإحساس بالأمان، وانسداد أفق الحلول لديهم، وفقدان أي مقومات بخلاص قريب من سلطة دمشق، أو أقله استعادة الوقائع التي عاش عليها السوريين قبيل عام ٢٠١١.

السوريون في مناطق سيطرة دمشق، وعلى اختلاف فئاتهم وتوجهاتهم، لديهم يقين بأن القادم أسوأ، فالمشهد اليوم لا تختزله صعوبات تأمين الطعام ومستلزمات الحياة الأساسية وفقدان فرص العمل، بل تعدى ذلك إلى انعدام اليقين بأن السلطة في دمشق، لا تسعى إلى تحقيق أي تغييرات حيال واقع السوريين المُزري، ولم يعد أمامهم في ظل هذا المناخ، إلا الهجرة. صحيح أن بدايات هجرة السوريين من بلدهم، ترافقت مع تصاعد العمليات العسكرية، والإمعان من قبل سلطة دمشق بالتضييق على السوريين، لكن الصحيح أيضاً أن السياسات التي مارستها دمشق مع بدايات الازمة، لم تخلق هذه الرغبة العارمة في الهجرة كالتي نراها الآن، فالواقع أرهق الناس، ودمر ما تبقى من مقومات عيشهم، وربما لأن بداية الحرب رافقتها آمال بأن هذه المحنة ستنتهي، لكنها طالت، ولم يعد يُحتمل الواقع، ليكون مشهد المجتمع السوري الوحيد يرتكز على تكاثر أعداد الشباب، الذين يجدون الهجرة فرصة لتجنب الالتحاق بالخدمة الاجبارية، وتأمين مستقبل أفضل لهم ولذويهم وأطفالهم.

قد يهمك: بلاد الرافدين بلا روافد.. والـ “Gap” التركي السبب

واقع الحال يؤكد انتشار عدوى الهجرة لدى غالبية الأسر السورية، مع تشجيع الأبناء على الهجرة تجنباً للغرق في مستقبل أسود، آملين أن يكون خيار الهجرة، ضامناً لحياة آمنة ومستقرة.

جُملة ما سبق، فإن المجتمع السوري اليوم أشبه ما يكون بقنبلة موقوتة، وشباب تائه وعاجز، وكفاءات خسرت الكثير والكثير من أحلامها، ولم يعد لدى الشباب السوري والمفترض أن يكونوا عماد سوريا المستقبل، لم يعد لديهم سوى هاجس الهرب والهجرة، وغالبيتهم لا يُمكنه إلا نسج مشاهد تنذر بتفاقم العذابات والمعاناة، خاصة مع فقدان أسس المعالجات الصحيحة من قبل دمشق، واستحالة الوصول إلى حل سياسي، أو انتقال السلطة بشكل سلمي، كل ذلك وألسنة السوريين تُردد “ضبوا الشناتي”.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة