رغم توجه عدة أطراف عربية لتطبيع علاقاتها مع دمشق، مثل الإمارات وسلطنة عمان وتونس والجزائر فإن الانفتاح السعودي هو الذي يمكن أن يعيد دمشق إلى الصف العربي من خلال القمة العربية كخطوة أولى ومن ثم عن طريق تقديم مساعدات اقتصادية وفتح الطريق أمام بعض الشركات للعمل هناك ضمن مشاريع إعادة الإعمار التي تخطط دمشق لإطلاقها بالتفاهم مع روسيا وإيران.
مراقبون يرون أن المحددات المهمة التي أدت إلى هذا المسار تكمن في ضعف آلية العقوبات التي تم فرضها على السلطة في دمشق بدءاً من عام 2011 بعد أن واجهت مطالب السوريين بالحديد والنار وما تلاها من مجازر وحملات تهجير كبيرة شملت ملايين السوريين.
وقد تراخت الآلية على نحو ملحوظ في العامين الأخيرين بعد أن نجحت في فرض عزلة عربية ودولية عليها والطرف الفعال في هذه الآلية هو الولايات المتحدة، التي حاولت من خلال هذا السلاح ثني دمشق عن ممارساتها مع شعبها وإبداء مرونة تقود إلى حل سياسي، إلا أنها لم تمارس صرامة كافية تقود إلى نتائج ذات قيمة وقصّرت كثيراً في متابعة التطبيق الفعال للعقوبات التي اتخذتها.
قد يهمك: ارتفاع الأسعار يزيد من مأساة سكان شمال غرب سوريا
دبلوماسية الكوارث
اعتبرت الكثير من الوسائل الإعلام الغربية والعربية الانفتاح العربي تجاه سوريا ما بعد الزلزال على أنه يقع في نطاق “دبلوماسية الكوارث” والأزمات في العلاقات الدولية، وهو شكل من أشكال الدبلوماسية المرنة التي لها أدواتها الخاصة وتتيح للفاعليين الدوليين إبداء التضامن مع بعضهم للتخفيف من تداعيات الكوارث الكبيرة وتقديم المساعدة والمشاركة المباشرة في إدارتها بغض النظر عن الاختلافات السياسية.
وبناءً على ذلك يصف الأكاديمي والكاتب عبد الرحمن العيسى من أبناء مدينة الرقة؛ الحراك العربي تجاه سلطة دمشق أنه واجب أخلاقي وإنساني يرفع الحرج عن تلك الدول وفق العرف الدولي المسمى بدبلوماسية الكوارث وليس بالضرورة أن يكون متعلقاً برغبة جادة للتطبيع.
وحول ما إذا كان هذا الحراك مدخلاً ملائماً لعودة الاتصالات وفرص بقائها في محيطها العربي وتداعياته على المعارضة السورية، أوضح العيسى أن هناك تخوف عربي من مساع تركيا للتطبيع مع دمشق بوساطة روسيا وتحت إشراف إيراني كون الصراع الجيوسياسي الدولي بين القوى الكبرى سيكون طويل الأمد دون حسبان لمصالح الدول العربية التي هي خارج الحلبة أساساً وينحصر دورهم في حصد النتائج السلبية للتنافس الدولي وفق تعبيره.
أما فيما يتعلق بالسيناريوهات السلبية لبقاء الدور العربي خارج المشهد السوري فنوه الكاتب أن هناك ثلاثة احتمالات، أولها فتح المجال للقوى الإقليمية كإيران وتركيا لتكرس نفسها في مستقبل سوريا وإلحاق أجزاء من سوريا لها، وثانيا ترسيخ حالة الاحتلال والانقسام مما يخلخل البناء ويرفع منسوب الخطر بداخله، وثالثاً خروج سوريا نهائياً من الحاضنة العربية وتركها للحسابات الخارجية لتقرير مصيرها الذي يعتبر الأشد خطراً وفق المتحدث.
تساؤلات عديدة
أثار هذا التقارب تساؤلات عديدة أبرزها ماهي المصالح الدولية خلفه؟ ومن سيعيد اثنا عشر مليون مهجر سوري؟ ومن سيعيد الضحايا من أبناء السوريين الذين دفعوا أرواحهم ثمناً جراء الأزمة السورية المستمرة لأكثر من عقد؟ من سيحرر الأجزاء المحتلة؟ كيف يمكن لحكومة دمشق أن تساوم على أراض سورية مقتطعة ومصالح لدول أجنبية عليها؟ وعلى إثر قمة الجزائر أصبح هناك زيارات وتحضيرات قمة ستعقد في الرياض! تعمل من خلالها لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية فما هو الضامن في إعادة الشعب السوري وإعادة المهجرين؟ ما هو الضامن لإخراج الاحتلال التركي والأطراف الأخرى من سوريا؟ هل ثمّة مشاركة لجميع السوريين على كافة الأراضي السورية؟ هل ستقوم هذه التقاربات بتنفيذ مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية؟ وإلى أي اتجاه تصل هذه التقاربات؟!.
كل هذه التساؤلات وغيرها طرحها الإعلامي حسين عثمان ممثل الإعلام الحر في الرقة والطبقة ودير الزور في إطار تناوله لهذا الملف إذ استشهد بالمثل الصيني” لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد” مسلطاً الضوء على واقع حال بعض العواصم العربية مع دمشق ورغبتها بإعادتها لجامعة الدول العربية فهذا لا يعني أن المسألة انتهت.
وأضاف عثمان أن هذا التقارب يأتي في إطار مصالح دولية ممنهجة في سوريا من خلال العمل على استقطاب التطلعات السياسية واستنباط حلول غالباً ليست في صالح السوريين.
وربط مقدم البرامج السياسية القرار الخليجي بالهيمنة العالمية والتوازنات الدولية وأن هذا التقارب إذا لم يشارك فيه جميع السوريين ويعالج كامل الأزمة السورية والمحيط الإقليمي كالعراق واليمن وصولاً لأوكرانيا والصين فهو منقوص لكي تستطيع السعودية ضمان مصالحها في الشرق الأوسط.
قد يهمك: اجتماع موسكو الرباعي يقلق سكان شمال غرب سوريا
الموقف الشعبي
نددت أوساط سورية عدة التقارب والتطبيع الذي تبديه بعض الدول العربية والإقليمية مع السلطة في دمشق، وبهذا الصدد أفاد الشيخ يوسف الأسعد أحد شيوخ قبيلة الولدة ذات التواجد الأكبر بمدينة الرقة أن هذا التطبيع ضد الشعب السوري لأنه على حساب دمائه وأعراضه والأراضي التي احتلت منه خصوصاً كون الدول العربية عايشت هذا الظلم الذي عاناه الشعب منذ بداية شرارة الثورة وحتى اليوم والمجازر التي ارتُكبت بحق المدنيين الذين لم يخرجوا إلا بمطالب عادلة ومحقة.
واعتبر الشيخ الأسعد أن هذه المحاولات تُعد بمثابة خيانة من الأشقاء العرب للشعب السوري بينما ينبغي أن يكون واجبهم حل مشكلة السوريين كافة من درعا إلى أقصى الشمال وفق الحوار السوري السوري والقرارات الأممية وأن تكون سوريا موحدة وعودة المشردين والمهجرين وإعادة الإعمار، عندها يصبح التطبيع مرحّباً به حسب وصف الشيخ الأسعد.
ومن جانبٍ آخر أكد المحامي والناشط الحقوقي، عمر العلي، أن إعادة العلاقات قبل تحقيق النتائج التي كانت مرجوة من القطيعة التي دامت لعقد من الزمن فهذا يعني غض الطرف والقفز على الانتهاكات بمختلف أنواعها التي مورست بحق الشعب السوري وعدم إيجاد حل سياسي للأزمة السورية واستمرار لمعاناة السوريين.
وأخيراً يمكن القول إن نتائج مبادرة التطبيع العربية الثانية لن تكون أفضل من سابقتها أو أي حراك عربي رغم كل الزخم الذي يرافقه لن يكون له أي جدوى ما لم يتوفر فهم مشترك لحماية الأمن العربي من التهديدات القادمة جراء استمرار الأزمة السورية ودور الفاعلين الإقليمين الذين يشكلون بطموحاتهم العابرة لحدودهم الوطنية تهديدا مشتركا للسلم والأمن في عموم المنطقة وأي تطبيع خارج مسار الحل السياسي وفق القرارات الأممية لن يبدد المخاوف والقلق العربي من التهديد المستمر على أمنها القومي.