“زيارات دبلوماسية وتصريحات سياسية”، جُزئيتان وسمت المشهد السوري خلال الفترة الماضية، حيث حظيت دمشق مؤخراً بزيارات جاءت ضمن إطار سياسي، وكشفت عن ما يُمكن تسميته بإعادة تقارب الرؤى، وضبط السياسات العربية والخليجية تُجاه السلطة في دمشق، الأمر الذي يُمهّد “ربما”، لعودة سوريا لشُغل مقعدها في الجامعة العربية، وكذلك مشاركتها في جُل الملفات الإقليمية الشائكة والمعقدة، إذ لا يمكن لأي متابع للملف السوري، أن يتجاهل الزيارات العربية والخليجية لـ دمشق، خاصة بعد سنوات الدم التي عاشتها سوريا، وهنا يبدو واضحاً أن بعض الدول الإقليمية الفاعلة والمؤثرة، بدأت تتخذ منحى جديد، لفتح آفاق التعاون مع دمشق، الأمر الذي يُثير جُملة من التساؤلات، حول توقيت إعادة التقارب مع دمشق، والغايات الأساسية المُراد هندستها حيال إعادة سوريا إلى الصف العربي.
قد يهمك: المخدرات.. السوريون يُقتلون بصمت
تساؤلات مُثيرة للجدل تُحيط بمعادلة إعادة التقارب مع السلطة في دمشق، ولعل التوقيت الذي تمر به المنطقة، قد فرض نمطاً جديداً من الأهداف لجهة إعادة التعاون مع دمشق، وبصرف النظر عن إعادة العلاقات السعودية الإيرانية، إلا أنه ثمة أهداف عربية وخليجية تتعلق بـ كبح جماح إيران في سوريا، لكن لا تزال السلطة في دمشق، تعول كثيراً على الدور الإيراني، ولا تفكر جدياً بفك الارتباط مع طهران، وبناء على ذلك، ثمة من يرى أن لا مبرر لعودة التقارب العربي والخليجي مع دمشق، لا سيما أن صانع القرار في سوريا لا يزال مُتمسكاً بخطاب سياسي جاف، والواقع يؤكد بأن إعادة التقارب مع دمشق، لن يُقدم أي جديد في سياق البحث عن حلول سياسية، تُجنّب السوريين المزيد من الانحدار.
حقيقة الأمر، وانطلاقاً من الواقعية السياسية، فإن السلطة في دمشق لن تُفيد البيت العربي والخليجي، بل على العكس فإن دمشق قد تُشكل عبئاً على العرب بواقعها وخطابها الحالي، ولعل الدوافع التي أدت لانفجار الواقع في سوريا، لا تزال موجودة دون أي تغيير، ويُلاحظ بذات الإطار، ازدياد النفوذ الإيراني والروسي في سوريا، وهما حُكماً يتحكمان في الوضع السوري، ويريدان إعادة تقارب دمشق مع أنقرة، دون تغيير في الواقع الجغرافي في سوريا، وذلك لغايات إيرانية وروسية صرفة، ودون الأخذ بعين الاعتبار بهواجس السوريين.
في المقابل، فإن المتابع للملف السوري، يدرك بأن طهران وموسكو، منعت إسقاط النظام السياسي في دمشق، نتيجة لذلك، ازدادت العقوبات الأمريكية والغربية على دمشق، الأمر الذي أدى إلى ازدياد معاناة السوريين، وانحدار أوضاعهم المعيشية والاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة، وبالتالي بات لزاماً على العرب والخليجيين، إيجاد مخارج وحلول للملف السوري، لإنهاء الصراع وحماية ما تبقى من سوريا، ولن تكون العودة العربية والخليجية إلى سوريا، أو إعادة سوريا إلى العرب سوى أحد هذه المخارج.
ضمن الأهداف غير المعلنة لإعادة التقارب العربي والخليجي مع السلطة في دمشق، يبدو أن حالة القلق الخليجية تحديداً من تعاظم النفوذ الإيراني في سوريا، تُعد إحدى أهم المنطلقات لإعادة التقارب مع دمشق، إذ يرى البعض أن هناك ضرورات لتحجيم الدور الإيراني في سوريا، والذي بات يشكل تهديداً مباشراً للمصالح العربية والخليجية، ويُذكر أن التوجه السعودي والمصري تُجاه بغداد، مكّن من تحجيم أتباع إيران وميليشياتها داخل العراق، ولعل نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة خير مؤشر على التعامل بإيجابية مع ملف كهذا، فلماذا لا يحدث ذاك في سوريا.
وربطاً بما سبق، فإنه لتحقيق الهدف السابق، لابد من استغلال الهاجس الروسي من النفوذ الإيراني في سوريا، وهيمنته على السلطة في دمشق، للدفع بالأمور في الاتجاه الذي يمكن من تحرير سوريا بهذا القدر أو ذاك من هيمنة الإيرانيين، لكن ورغم ذلك، يُلاحظ أن بعض الدول العربية والخليجية، لا تزال تتخبط في قرارها السياسي، ويبدو ذلك من خلال التردد بتفعيل الخطوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية اللازمة لوضع الأسس المناسبة لحل الملف السوري.
لا يمكن إنكار أن جُملة المصالح السياسية والاقتصادية، تقف وراء تحركات بعض الدول العربية والخليجية تجاه دمشق، فـ البعد الجغرافي الهام لـ سوريا، كان محركاً أساسياً لتلك التحركات، وبالتالي فالعرب والخليجين يريدون التواجد في تلك المنطقة عبر القرار السياسي لهم، للتقليل من الاعتماد السوري على إيران، حتى تكون ورقة ضغط على طهران إذا لزم الأمر، لكن تعنت السلطة الحاكمة في دمشق، وبقاء مواقفها السياسية دون أي تغيير، سيحرم السوريين من امتيازات إعادة التقارب مع الخليج، وذلك يأتي ضمن إطار المصالح الضيقة التي تكرسها السلطة في دمشق، فضلاً عن تجاهلها أراء السوريين في هذا الإطار، ورغباتهم بوضع حدّ لواقعهم السياسي والاقتصادي الآخذ في الانحدار أكثر وأكثر.
قد يهمك: السوريون ينتظرون حصاد صبرهم.. ولكن!
ختاماً، لعل مساعي السلطة في دمشق، بإعادة التقارب مع العرب والخليجين، لا تنطلق من محددات تحقيق أماني السوريين، لكن ترى تلك السلطة أن إعادة التقارب، قد يكون مخرجاً اقتصادياً ورافداً مالياً، لترميم جدران السلطة التي تصدعت بفعل العقوبات الأمريكية والغربية، ليبقى السؤال الأهم ضمن كل ما سبق، متى ستنتهي معاناة السوريين كل السوريين؟.
عمار المعوق- دمشق