مع دخولها العام الثالث عشر، مؤشرات اقتصادية خطيرة سبّبتها الأزمة السورية، حيث عكست حالة الفقر والتشرد والجوع التي يعاني منها أبناء سوريا. هذا البلد الذي مزقته الصراعات السياسية والتدخلات الخارجية، ليتحول من بلد منتج مكتف ذاتياً بالكثير من الأساسيات إلى بلد يعيش على المساعدات، وإلى شعب مشرّد في كل دول العالم، وبحسب منظمات عالمية فإن أكثر من نصف عدد السكان في سوريا، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويغطي متوسط الأجر الشهري حاليا نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، هذا فضلا عن التخفيضات المستمرة بقيمة الليرة السورية، هذا فضلا عن أن أكثر من نصف مليون قتيل سقطوا خلال الحرب.
قد يهمك: فصائل تركيا تجبر إيزيديي عفرين على اعتناق الإسلام
برنامج الأغذية العالمي أشار في وقت سابق من آذار/ مارس الماضي، إلى أن نحو 12.1 مليون شخص في سوريا أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
ويعزى هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، من بينها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء في الحقبة الماضية، فضلا عن آثار الصراع. بالإضافة إلى الدمار الذي خلّفه الزلازل الذي ضرب سوريا وتركيا مؤخرا، والذي فاقم الاحتياجات الإنسانية الكبيرة بالفعل، وفق المنظمة الدولية.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حاليا نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، ومن المتوقع أن يستمر المسار التصاعدي لسعر سلة المواد الغذائية الأساسية التي يقيس عليها برنامج الأغذية العالمي نسبة تضخم أسعار الغذاء. وقد تضاعف سعر هذه السلة عما كان عليه منذ سنة، وزاد بمقدار 13 ضعف سعرها قبل ثلاث سنوات، حسب المنظمة.
ولم تتوقف الكوارث بحياة السوريين على المستوى العالمي، بل جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لترخي بظلالها على الشعب المنكوب أيضاً، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، واعتماد سوريا على الاستيراد بشكل كامل لتأمين المواد الغذائية والمحروقات.
ومن القضايا التي أنهكت السوريين خلال هذه الحقبة أيضاً، هو تطبيق قانون العقوبات الاقتصادية ” قيصر” في 2020، ليزيد من فقر السوريين فقراً، ويساهم في زيادة انهيار الوضع الاقتصادي المنهار أصلاً.
وفي سياق تراكم الأزمات على سوريا وشعبها كانت ظاهرة الهجرة سواءا أكانت داخلية أو خارجية هربا عن كل ما يجري في بلدهم عموما ومناطقهم على وجه الخصوص، ففي البداية كان سبب الهروب من الحرب والقتال، وبعد توقف الحرب أصبحت الظروف الاقتصادية والفقر وانسداد الأفق هي من أبرز العوامل الطاردة من البلاد؟
وقد وصف البنك الدولي حركة النزوح في سوريا، بأنها “أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية”، وهذا جعل آثار الأزمة السورية تمتد إلى الدول المجاورة والاقتصادات العالمية، دون الاقتصار على سوريا فقط.
وتشير التقديرات الرسمية والأممية إلى أن أكثر من ثلث السكان نزحوا منذ 2011 داخل البلاد إلى مناطق أو محافظات أخرى أكثر أمناً، أي بما لا يقل عن 6.7 ملايين شخص، في حين أشارت التقديرات غير الرسمية أن أكثر من 5.6 ملايين شخص هاجروا إلى خارج البلاد.
وما زالت أعداد المغادرين للبلاد تشكل استنزافاً كبيراً في الرأسمال البشري السوري، ولم تتوصل الحكومات المتلاحقة إلى إمكانية الحد منه، أو تقديم ما يوحي بأفق جديدة تحدّ من هذا الاستنزاف المخيف.
وفيما يخص الليرة السورية فحدّث ولا حرج، فما عاشته سوريا من أزمات متتالية كانت كفيلة بتحويل 92% من الشعب السوري إلى فقير وما دون خط الفقر المدقع، حيث انخفضت قيمة الليرة السورية منذ بداية الحرب 2011 من (50 ليرة – إلى أكثر من 8 آلاف ليرة) بنسبة وصلت إلى 99.3% ولتصل نسبة ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة إلى 13.900%
وبحسب وكالة “رويترز”، قال مصرف سوريا المركزي في وقتٍ سابق من هذا العام من خلال بيان، إنه قرر خفض قيمة الليرة أمام الدولار إلى 6650.
ورغم هذه التخفيضات المتلاحقة فإنها لا تعبّر عن القيمة الحقيقة لليرة أمام الدولار، إذ يُقدر خبراء بأن السعر الحقيقي للدولار يزيد عن 10 آلاف ليرة على الأقل.
ورفع انهيار الليرة الناجم عن هذه العوامل أسعار السلع وزاد المصاعب ليجد السوريون في المناطق الخاضعة للسلطة الحاكمة في دمشق، صعوبة في شراء الطعام ودفع فواتير الكهرباء وغيرها من الأساسيات الأخرى.
وبات الوقود شحيحا للغاية، مما أجبر حكومة دمشق على تقنين استهلاك الكهرباء بل، وإغلاق المباني العامة خلال عطلات نهاية الأسبوع.
قد يهمك: التطبيع العربي مع دمشق من وجهة نظر نخبة من سكان الرقة
فالحل الوحيد الذي سيخرج سوريا من عنق الزجاجة ويخفف من وطأة مأساتها، هو الحل السياسي الذي بات يفرض نفسه كحل وحيد قادر على أن يضع البلاد على الطريق الصحيح ويفسح المجال أمام كافة مكونات المجتمع لتقوم بدورها المطلوب في سوريا المستقبل على أسسٍ ديمقراطية بغية بناء مجتمع ديمقراطي تعددي ومؤسسات دولة دستورية تعاقدية لا مركزية.
ولأن الأزمة السورية أزمة بنيوية ارتكزت على الدولة القومية الأحادية الصبغة وعلى الاستبداد وانكار الآخر، فلا بد للحل في سوريا أن يتجه نحو حل سياسي حقيقي مدفوع بحوار سوري سوري أساسه مرتكز على القرار الأممي 2254 أي حل يشترك فيه جميع المكونات على اختلاف الخصوصيات والرؤى من تحقيق ذاتها في الوطن المشترك الذي يجب أن يحضن الجميع دون اقصاء أو إبعاد أو تحكم أو احتكار أو تسلط، أي لا بد أن يكون وطنا تسوده القوانين العادلة وتديره المؤسسات الديمقراطية التي ستكون الضمانة الدستورية الحقوقية لسوريا المنسجمة مع هذا العصر.
وسيم اليوسف-إعلام مسد