في ظل تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في شمال غرب سوريا، يأتي «ملف التعليم» وتقويضه في المنطقة والذي لا يقل تعقيداً عن الملفّين السياسي والعسكري هناك.
لا يختلف اثنان في العالم حول أهمية التعلم وتداعيات تقويضه في المجتمعات الإنسانية، وهو ما عبّر عنه القول المأثور، (إذا أردت هدم حضارة أمة عليك بهدم التعليم).
وليس المجتمع السوري في شمال غرب سوريا بأبعد حال عن هذهِ المقولة، بالإضافة لأسباب الصراع التي امتدت لأكثر من عقد من الزمن يأتي ملف التعليم وتقويضه بسياسة ممنهجة تنتهجها الفصائل الموالية لتركيا عبر حكومتي الإنقاذ والحكومة المؤقتة.
مراكز تجهيل بغطاء مدرسي:
تفتقر مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا، والتي تضم أكثر من 1.9 مليون نازح، إلى مراكز تعليمية أو مدارس، حيث يضطر الطلبة إلى قطع مسافات طويلة عبر العوامل الجوية المختلفة والمتقلبة، للوصول إلى مدارسهم القليلة والمتباعدة، لينالوا التحصيل العلمي المحفوف بالمخاطر أحياناً.
قد يهمك: اللاجئون السوريون.. ملف إنساني للاستثمار السياسي
فيما تفتقر أيضاً المدارس داخل المخيمات إلى الكوادر التعليمية المتخصصة والبنى التحتية المناسبة، وضعف المناهج التعليمية الملائمة.
كما تفتقر كثير من المدارس للمقاعد والألواح ووسائل الشرح والتوضيح كالخرائط وأدوات الرسم والتفاعل وغيرها.
وتقدر نسبة المخيمات التي لا تحتوي على مدارس بشمال غرب سوريا بـ86٪ أي بعدد يصل إلى أكثر من 1740 مخيم بلا مدارس، وهذا بحد ذاته كارثة تصيب العملية التعليمية.
ومع معاناة أطفال مخيمات شمال غربي سوريا من قلة المدارس وضعف العملية التعليمية خاصة داخل تلك المخيمات (إن وجدت)، تكون المدرسة عبارة عن خيمة مهترئة لا تقي الطلبة حر الصيف ولا برد الشتاء، ولا تفي بمتطلبات التعليم.
وفي ظل البذخ والترف الذي يعيشه قادة فصائل المعارضة الموالية لتركيا وأمراء الحرب وهيمنتهم على كل منحى من مناحي الحياة في المنطقة واستغلال كل القطاعات الحيوية والضغط على المنظمات والجمعيات الخيرية بغية سرقة أي دعم يصل إلى السوريين وإهمال القطاع التعليمي وعدم الاكتراث به وتسهيل دعمه كل ذلك أدى إلى انتشار ظاهرة التسرب المدرسي.
ظاهرة التسرب المدرسي:
تعد مشكلة «التسرب المدرسي» في شمال غرب سوريا مشكلة قديمة متجددة باستمرار، وتزداد ملامحها وتكثر مع بداية كل عام دراسي جديد، في ظل تدهور الأحوال التعليمية وانتشار معدلات الجريمة والسرقة والفقر والتسول وغيرها الكثير.
ولكن أخطر هذهِ العوامل والتي يمكن أن تكون سبباً ونتيجة في آن واحد على كل ما سبق لظاهرة التسرب المدرسي في المنطقة، ضعف البنية الأساسية للمجتمع المدني وغياب الصوت المنادي بأهمية التعليم، وركون كثير من الآباء لأعذار مختلفة أهمها حالة الحرب ومشقات النزوح والعيش في الخيام، والتفكير بتوجيه الأطفال إلى سوق العمل مبكراً، ليساعدوا ذويهم في مصارعة الأحوال المعيشية البائسة.
ومع غياب القانون الإلزامي للتعليم وخاصة لطلاب المراحل الابتدائية تزداد هذهِ الظاهرة عاماً بعد عام، وهذا الأمر تتحمل مسؤوليته حكومات الأمر الواقع المنشغلة بقضايا أخرى.
قد يهمك: بعد ثلاثة عشر عام من الأزمة .. سوريا إلى أين؟
وقد بلغت نسبة الطلاب المتسربين عن مقاعد الدراسة أكثر من 50٪ في العام 2022 فيما بلغت نسبة التسرب المدرسي منذُ مطلع عام 2023 أكثر من 63٪ أي بزيادة 13٪ مقارنة بالعام الماضي.
تأتي هذه الزيادة المرعبة وتفاقم كارثتها على المجتمع السوري في شمال غرب سوريا لأسباب وعوامل كثيرة منها:
– انخراط الأطفال في سوق العمل في سن مبكرة بغية إعالة أسرهم.
– أكثر من 30٪ من الطلاب المتسربين يعملون في مِهن تتطلب جهداً جسدياً كبيراً وهذا لا يتناسب مع أعمارهم.
– أكثر من 9٪ من الأطفال المتسربين عن المقاعد الدراسية يعملون بأعمال تعرض حياتهم للخطر.
– العمليات العسكرية والنزوح المتكرر.
– دمار البنى التحتية بفعل الأعمال العسكرية.
– استخدام المدارس لإيواء النازحين وحرمان الطلاب للمقاعد الدراسية.
– الفقر الشديد الذي يخيم على أكثر من 80٪ من سكان المنطقة.
– غياب الكوادر المتخصصة.
– خصخصة التعليم العام وتأجير المدارس العامة للقطاع الخاص من قبل حكومة الإنقاذ للمؤسسات الخاصة بغية الربح والاستغلال.
– آلاف المعلمين لا يتلقون رواتب.
– مناهج التعليم غير مناسبة ولا تفي بمتطلبات العملية التعليمية، لافتقارها للتسلسل والتدرج والترابط.
– هيمنة حكومة الإنقاذ بشكل كلي على التعليم وعلى المنظمات الدولية التي تدعم التعليم.
باختصار، يمكن القول: إن البيئة الاجتماعية المحكومة لقوى الأمر الواقع غير صالحة لاحتضان عملية تعليمية متقدمة تضع الطلاب والطالبات على مدارج المستقبل الواعد، في ظل غياب واضح لأي اهتمام بالأحوال التعليمية بل وإهمالها عمداً من قبل المسيطرين على المنطقة والحديث هنا عن حكومة الإنقاذ العاملة في إدلب وريفها التي ترعاها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، والحكومة المؤقتة التي ترعاها دولة الاحتلال التركي العاملة في أجزاء من ريف حلب الغربي والشمالي، وانشغالهم بالاقتتال فيما بينهم ضاربين بعرض الحائط أحلام الطلبة السوريين ومعاناتهم.
تيم الأحمد-شمال غرب سوريا