لم تأبه الحكومة السورية منذ أكثر من عقد من الزمن بتطوير القطاع الصحي أو تحسينه في مدينة حلب بل اهملتها مما أدى إلى تفكك نظام الرعاية الصحية في البلاد وتدهوره بشكل كبير.
الظروف المعيشية في البلاد تزداد سوءً يوما بعد يوم، الأمر الذي دفع بالكوادر الطبية للهجرة لخارج البلاد، بالإضافة إلى عدم القدرة على تأمين المستلزمات الطبية وصولاً إلى فقدان الأدوية فضلاً عن ارتفاع أسعار الكشوفات في ظل تفاوت مستويات الدخل والمعيشة لعامة الناس، الأمر الذي جعل الخدمات الطبية تتراجع إلى أدنى مستوياتها.
قد يهمك: مستقبل مظلم ينتظر الطلبة في شمال غرب سوريا
الواقع الصحي في حلب يشهد تراجعاً ملحوظاُ في المستوى العام ويواجه السوريين أحد المشكلات الشائكة، ففي حين يرى فيه المواطن السوري أن تكلفة الطبابة مرتفعة، يعتقد الاطباء أن أجورهم منخفضة للغاية ذلك ما يصاعد نزيف الهجرة من سوريا سواء إلى القطاع الخاص أو الهجرة للعمل خارج البلاد.
ويؤكد في هذا الإطار الأخصائي في أمراض القلب والأوعية الدموية، الدكتور عبد الرزاق صباغ، أن السبب الرئيسي في ازدياد هجرة الأطباء بالآلاف من سوريا هو تفاقم الأوضاع السيئة والتي ازدادت سوءا مع عدم اهتمام الحكومة بالقطاع الصحي وتلكؤها في ممارسة دورها.
وبحسب تصريحات صحفية لنقيب الأطباء السابق كمال عامر في شباط \فبراير 2021، فمن أصل 70 ألف طبيب كانوا موجودين في سوريا، هاجر ما يقارب الـ 50 ألفاً منهم خلال سنوات الحرب.
من جانب آخر تقول الأخصائية في طب العيون وجراحتها، نيللي خوري، والتي تعمل في مشفى الكلمة ومركز ليزر وفي مشفى العيون الحكومي بحلب، أن أجهزة مشافي الحكومة المتهالكة والنقص الكبير في عدد الكوادر الطبية وخاصة أطباء التخدير وافتقارها لبعض أصناف الأدوية ومنها أدوية التخدير والإهمال المستشري ضرب بالبنية التحتية للمنظومة الصحية بحلب.
وأوضحت بأن المريض في المستشفيات الحكومية يتحمل أعباء وتكاليف العملية ولا اختلاف بينها وبين المشافي الخاصة وهذا ما يدفع المرضى لإجراء العمليات في المشافي الخاصة والحصول على الاهتمام اللازم.
وتقول نيللي في حديثها، أن عملية زراعة العدسات داخل العين في مشفى العيون الحكومي بحلب يوفر للمريض تكاليف النوم في المشفى فقط، ما عدا ذلك فالمريض هو المكلّف بشراء العدسة والأدوية وحتى القفازات الطبية من الخارج هذا إذا استطاع الحصول على دور لإجراء العملية.
كما تحولت رحلة الذهاب إلى أي مستشفى حكومي إلى معاناة وانتظار قد يطول لأشهر للحصول على علاج، فيما أصبحت عبارة “لا يوجد سرير”، الصفة الملازمة لمعظم أقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية.
وفي الوقت الذي يتراجع فيه أداء القطاع الحكومي الصحي يُجبر أغلب المرضى على مراجعة العيادات الخاصة ويضع السوريين أمام خيار الدفع أو تحمّل تداعيات المرض.
تقول “سلوى توفيق” (54 عاماً)، بأنها مصابة بمرض كسل الغدة وسرعة تسفل ويوجد لديها مشاكل عينية.
وتشير سلوى إلى أنها آخر مرة زارت فيها طبيباً كان منذ عام وذلك بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الطبابة في حلب، مما أجبرها على عدم متابعة وضعها الصحي وتحمّل تداعيات المرض.
وتضيف بأن كل تحليل يكلفها 32 ألفاً في حين هي بحاجة إلى اربعة تحاليل كل ثلاثة أشهر على الأقل، وإلى صور للغدة وهي غالية التكلفة وغير متوفرة أحياناً، عدا عن تكاليف الأدوية والتي ارتفعت اسعارها هي الأخرى.
هذا وتتراوح اليوم تعرفة العيادات الخاصة في حلب بين 35 إلى 50 ألفاً، تسعيرة تثقل كاهل المرضى مما يجبرهم إلى اللجوء لحلول بديلة.
قد يهمك: اللاجئون السوريون.. ملف إنساني للاستثمار السياسي
رشيد أحمد (38 عاماً) يشبّه حالته حال ملايين السوريين، يؤكد أنه عندما يُصاب هو أو أحد من أفراد عائلته بمرض ما لا يكون خياره الأول التوجه إلى طبيب مختص، وإنما يستعين بخبرات الصيادلة ليكون حلاً بديلاً لعدم تحملهم تكاليف الطبابة الباهظة.
ويجدر الإشارة إلى أن ما زاد هذا القطاع ترهّلاً العوامل الكبرى التي تتمثل بتفشي جائحة كورورنا والكوليرا والزلزال وما أحدثه من دمار، والذي كان لمدينة حلب النصيب الأكبر منه وكل ذلك وسط عدم قدرة سلطة دمشق على احتواء الأزمات الصحية التي يعيشها السكان.
وبالطبع يدفع المواطنون، وخاصة الفقراء منهم الذين باتوا يشكلون نسبة كبيرة من السوريين، ضريبة الإهمال الحكومي، ليكونوا ضحايا لنظام صحي واهن لم يعد قادراً على تزويدهم باحتياجاتهم من الخدمات الصحية.
لينا العلي – حلب