واقع خطير تعيشه الصناعة السورية خاصة في حلب العاصمة الاقتصادية والمركز التجاري الهام في سوريا، الصناعة في سوريا لم تكن بعيدة عن أزمات هذا البلد المتراكمة، معامل عدة توقفت عن العمل في حين لا يزال الدمار يسيطر على كثيرٍ منها، مع استمرار الحديث والعبارات الحكومية الجوفاء التي تسقط وتتهاوى مع الآليات التنفيذية المعمول بها فلا دعم حقيقي، او اهتمام جدّي لعودة هذا القطاع إلى موقعه الاقتصادي والانتاجي والنهوض بالصناعة الوطنية.
المدينة الصناعية تقع في الجزء الشمالي الشرقي لحلب وتمتد على مساحة 4412 هكتارا، افتتحت عام 2004 كواحدة من أهم المدن الصناعية في الشرق الأوسط، وقبل 2011 كانت تعمل في المدينة نحو 2250 منشأة صناعية مختلفة تنتج أفضل أنواع الصناعات عمادها الصناعة النسيجية والكيميائية والهندسية والغذائية وتشغّل نحو 42 ألف عامل.
شاهد/ي أيضا: القطاع الصحي في حلب من سيء إلى أسوء
تأثرت هذه المناطق بفعل الحرب في سوريا، وتعرضت أجزاء منها لدمار كبير أثّر على واقع الصناعة، فحلب عاصمة رجال الأعمال السوريين طالت منشآتها الصناعية التدمير والنهب والسرقة من قبل الفصائل المحسوبة على المعارضة الموالية لتركيا وبيعت كخردة في تركيا، كل ذلك دفع بالعديد من المؤسسات الصناعية والتجارية الحلبية الى النزوح الى مدن سورية أخرى أو إلى الخارج.
بعد أن كانت المدينة الصناعية خارجة عن الخدمة عادت 830 منشأة صناعية للعمل والانتاج بعد نهاية عام 2016 حتى الآن، لكنه ورغم هذه النهضة الإقتصادية الخجولة فإن معوّقات عدة ما زالت تقف أمام عودة الإنتاج إلى سابق عهده.
يواجه الصناعيون في حلب العديد من المشكلات، تبدأ بغلاء أجور استهلاك الكهرباء، مروراً بتأمين المواد الأولية، وعدم التوفيق بين تهاوي الليرة السورية وأجور اليد العاملة في المعامل والورش، انتهاءً بالطرقات المحدودة التي يمكنهم تصريف منتجاتهم من خلالها.
فبحسب ما وصف الصناعي “أحمد العقاد” واقع الصناعة بحلب بأنه يصارع البقاء، مؤكداً بأنهم يواجهون معوّقات عدة أهمها التكلفة الكبيرة لاستهلاك الكهرباء والتي تُضاف إلى تكلفة الإنتاج، مشيراً إلى أنه يدفع 65 ألفاً للأمبير الصناعي الواحد ليستمر معمله لصناعة الالبسة الواقع في منطقة حلب القديمة بالإنتاج.
ويضيف أحمد قائلاً: “من قائمة المعرقلات السورية في الوقت الحالي هو تأمين المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج لهذه المعامل بأسعار مرتفعة، وأرجع مخاوف المستثمرين إلى عدم الاستقرار الإقتصادي في المنطقة، والتسويق، إذ تُسوّق بعض الصناعات داخليا فقط، وتُصدّر مواد أخرى إلى العراق، مؤكداً أن ارتباط الصناعيين العاملين في حلب بالعالم الخارجي ضعيف”.
وانتقد أحمد ما تفرضه حكومة دمشق عليهم من القوانين الضريبية معتبراً أن تخفيض الضرائب قد يساعد على خفض كلفة المنتج وزيادة فرصه في المنافسة.
في هذا السياق فإن جميع هذه التحديات والصعوبات تؤدي إلى خسارة الصناعي، حيث شكّلت الهجرة من سوريا إلى الخارج أحد أبرز التحولات التي أدّت إلى تراجع الصناعة بشكل كبير.
والدليل على ذلك وجود كثير من المعامل التي أغلقت أبوابها وخاصة في محافظتي دمشق وحلب إضافة إلى موجة الهجرة إلى مصر وخاصة في عامي 2020 و2021، وفق تصريحات صحفية سابقة لعضو “غرفة صناعة دمشق وريفها” مهند دعدوش.
تراجع الصناعة اسهمت في ارتفاع نسبة البطالة
هذا وينعكس تعثر القطاع الصناعي في المنطقة بشكل أساسي على العمال فقد تركت تراجع المِهن والصناعات ’آثاراً سلبية تعود إلى سكان محافظة حلب واقتصادها ومن ذلك ارتفاع معدلات البطالة المرتفعة أصلاً في المنطقة وانخفاض دخل الفرد فحركة الإنتاج يقابلها صعوبات في تصريف البضائع.
وهذا ما يؤكده “توفيق عثمان” (42 عاماً) أحد العاملين في مدينة الشيخ نجار منوهاً إلى أن العمال يتقاضون أجورا زهيدة تكاد لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية وهذا ما يدفعه بالتفكير هو وغيره إلى ترك العمل والاتجاه نحو قطاع آخر، هذا وناهيك عن أن كثيرا من العاملين فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق أماكن عملهم.
وعود حكومية.. دون تنفيذ
أصدرت شركة المحروقات بتاريخ 13 أيار/مايو الجاري، قراراً برقم 1103 يقضي برفع سعر مادة الفيول للقطاع العام والخاص، في وقت تشهد البلاد أزمة اقتصادية خانقة وانهياراً متواصلاً لقيمة الليرة السورية.
في حين تضمّن القرار تحديد سعر الطن الواحد من الفيول للقطاع الخاص بمبلغ ثلاثة ملايين وثلاث مئة وخمس وثلاثون ألف، وللقطاع العام بمبلغ مليوني ليرة سورية.
ومع صدور قرار رفع أسعار الفيول بدأت الانتقادات تنهمر وأصابع الاتهام تتوجه نحو سلطة دمشق، واعتبر الصناعيون هذا القرار ضربة جديدة لقطاع الصناعة والإنتاج الوطني، وذلك وسط الوعود الحكومية المستمرة بتحسين الواقع الكهربائي من دون تنفيذها حيث بات هذا السيناريو حبيس الأدراج وربما أصابه العفن.
شاهد/ي أيضا: مستقبل مظلم ينتظر الطلبة في شمال غرب سوريا
وتعبيراً عن استيائهم، طالب صناعيو حلب خلال اجتماع الهيئة السنوي الذي انعقد في 20أيار/مايو الجاري، وسط مدينة حلب برعاية وزير الصناعة، بتحسين الواقع الخدمي في المناطق الصناعية ودعم التصدير إضافة لزيادة ساعات التغذية الكهربائية للمناطق الصناعية وزيادة كميات المازوت للمعامل وإعادة النظر بأسعار الفيول.
كما أن قرار رفع أسعار المحروقات على القطاعين العام والخاص لن يكون المتضرر منه فقط المنشآت الصناعية التي تعتمد على استهلاك الفيول ضمن أفران إنتاجها كالكرتون والسيراميك والورق الصحي والقرميد والزجاج والإسمنت والخيوط والحديد والكونسروة والمنظفات والأقمشة.
بل ستؤثر حتماً على العجلة الاقتصادية سلباً وتحديدا على الأسواق من حيث رفع الأسعار، الأمر الذي سيثقّل كاهل السوريين الذين بالكاد يعيشون يومهم دون التفكير بالغد.
والجدير بالذكر أن حلب قلب سوريا التجاري وعاصمتها الاقتصادية كانت تؤمن 70% من الصادرات السورية وتشغل نصف القوة العاملة في القطاع الصناعي حيث كانت تُعرف بمدينة أثرياء سوريا لكن سكانها اليوم لا يجدون لقمة عيشهم ويقولون إن استمرار وقف الدعم الحكومي الرسمي والعقبات الكثيرة التي تقف أمام انطلاق هذه العجلة بطاقتها الكاملة سيجعل من الصعب على المدينة العودة إلى سابق عهدها.
لينا العلي-حلب