Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

في سياق اهتمامنا بالشأن السوري، وعناوينه الداخلية المتعددة، كنّا على حذر دائم، حيال إصدار الأحكام وإطلاق التصورات المرتبطة بالشأن السوري، دون التعمق في أدق جُزئيات الواقع في سوريا، وفق عناوينه السياسية أو الاقتصادية، أو أي مستوى آخر مُتعلق بالشأن السوري. وعليه وربطاً بالمعطيات الاقتصادية في مناطق سيطرة السلطة، ورغم الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي يؤطر حياة السوريين، لكن من المبكّر استشراف معالم المشهد القادم، وتحديداً لجهة انهيار السلطة جراء انهيار الليرة السورية، لكن ضمن ذلك، يُمكننا تبني مقاربات حيال واقع السلطة الاقتصادي، وكذلك ما يعانيه السوريين جراء انهيار عملتهم المتسارع، لنكون أمام مقاربة تبدأ بانهيار الليرة السورية، وقد لا تنتهي بانهيار السلطة الحاكمة في دمشق.

المقاربة السابقة تتطلب من الجميع التدقيق في وقائع الليرة السورية، وإمعان النظر في المؤشرات الاقتصادية في مناطق السلطة. ضمن العناوين العريضة، فإن الملف السوري تؤطره تبدلات معقدة، مع تأزم مستمر يوماً بعد يوم، ومن ضمن المشاهد الأكثر خطورة، تلك المتعلقة بانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار، والتي وصلت لمستويات تاريخية، فالليرة السورية تواصل انحدارها المستمر، تاركة السوريين في واقع اقتصادي، تعجز اللغة عن شرح مفرداته، الأمر الذي انعكس وبشكل مباشر، على ارتفاع غير مسبوق بأسعار المواد الغذائية، ما يعني مؤشرات تدل على انهيار الاقتصاد السوري، ومفاقمة معاناة السوريين، وسط صمت غير مبرر، بل هو صمت مشبوه من قبل السلطة، أمام واقع السوريين الكارثي.

شاهد/ي: مقاربات السلطة للواقع السياسي والسوريون بين اليأس والاستنزاف

يتفق غالبية السوريين، بأن السلطة وأمام معطيات المشهد الاقتصادي، وانهيار الليرة السورية، أن السلطة اليوم عاجزة أو تكاد، عن تقديم حلول اقتصادية ناجعة، تُنقذ من تبقى من السوريين في مناطق سيطرتها، وربطاً بتلك المقاربة، ثمة تساؤل يؤرق السوريين، يتمحور حول من المسؤول عن انهيار الليرة وتردي الواقع المعيشي، فهل العقوبات الأمريكية هي السبب؟، أم أن حلفاء السلطة لم يعودوا قادرين على الاستمرار في تقديم الأموال لها، رغم استحواذهم على أهم مفاصل الاقتصاد السوري؟.

بداية، إن تدني قيمة الليرة السورية وانهيارها عملياً، وضع السلطة في بوتقة الشلل الاقتصادي، فالحركة الاقتصادية اليوم في سوريا متوقفة تماماً، وكذلك غالبية الورش الاقتصادية توقفت، لأنها لم تعد قادرة على مجاراة هذا الواقع، والأهم أن السلطة لم تعد تملك الإمكانيات لترميم هذا الواقع، ولو بشكل جُزئي، ومن المؤكد في ظل المؤشرات الاقتصادية الحالية، أن قيمة الليرة السورية أمام الدولار، ستتجاوز حدود الأرقام الحالية. وبالتالي نكون أمام واقع ضمن معطيين داخلي وخارجي.

المعطى الداخلي يتجسد من خلال قيام السلطة بتبديد القطع الأجنبي في مصرف سورية المركزي. دليل ذلك عدم قدرة وزارة الاقتصاد السورية، بتمويل المستوردات، وحتى إنهاء الكثير من العقود الخارجية، لعجزها عن التسديد بالعملات الصعبة، الأمر الذي أجبر التُجار على تمويل مستورداتهم، عبر ابرام عقود مع شركات خارجية، وفي هذه الحالة، يكون التاجر مُجبراً على شراء الدولار من السوق الموازي، ما يعني زيادة الطلب على القطع الأجنبي في سورية، الأمر الذي تسبب بارتفاع الدولار وتهاوي الليرة السورية.

ومن ضمن الأسباب الداخلية أيضاً، ثمة وقائع تؤكد، بأن هناك خلافات ضمن الدائرة المُقربة من السلطة، لا سيما أن هذه الدائرة والأسماء التي تدور في فلكها، تلقت صفعة كبيرة بفرض السلطة أتاوات على التجار، بعد تدخل البنك المركزي لإيجاد صندوق لدعم الليرة، والذي اقترحته غرفة تجارة دمشق، مما انعكس نفسياً واقتصادياً على أي مكتنز لليرة السورية.

يضاف إلى ما سبق، بأن السلطة مارست دوراً مافياوياً، مع المستثمرين السوريين والعرب، الراغبين باستثمار أموالهم في سوريا، وبما رأس المال “جبان”، ويحتاج إلى بيئة استثمار مستقرة، وبعيدة عن الروتين والبيروقراطية، فإن مفهوم الاستثمار بـ بُعده الاقتصادي، قد انتفى تماماً من سوريا، فلا يُعقل بأن يأتي مستثمر ليضع أمواله في سوريا وبنوكها، ويأتي أحد المتنفذين المقربين من السلطة، أو أحد أذرعها، لـ يُحاصص المستثمر في أمواله وأرباحه.

فضلاً عما سبق، فإن السوريين في مناطق سيطرة السلطة، يدركون بأن الحواجز العسكرية، وتحديداً ما يُصطلح على تسميته “حواجز الرائعة”، كان لها الدور الأكبر في انهيار قيمة الليرة، وذلك عبر تهريب الدولار إلى الدول المجاورة، وكذلك فرض أتاوات على شاحنات نقل البضائع بين المحافظات، الأمر الذي ضاعف الأسعار، عبر قيام التُجار برفع أسعارهم، تماشياً بما يُنهب منهم من قبل “حواجز الرابعة”.

وبالتالي، فإن الأسباب الداخلية كثيرة ومتعددة ويطول سردها، لكن المؤكد أن الإجراءات الاقتصادية من قبل السلطة، ووضع الاقتصاد السوري بكل تفاصيله، پايدي المقربين منها والفاسدين، هو أهم الأسباب التي أوصلت الاقتصاد السوري والليرة السورية الى الواقع الحالي.

أما المُعطى الخارجي يتمثل، في رفض غالبية دول الجوار، باستقبال البضائع من سوريا، خاصة أن الفترة الماضية قد عانت تلك الدول من تهريب الكبتاغون، عبر البضائع والمنتجات السورية إلى دول أبرزها الأردن ومنه إلى دول الخليج، وكذلك لبنان، وفي جانب أخر، فإن غالبية رؤوس الأموال السورية، ونظراً لتردي الواقع الأمني والاقتصادي في سوريا، وربطاً بجملة واسعة من القوانين والقرارات الاقتصادية، فقد هرّبوا أموالهم الى المصارف اللبنانية، حيث قُدرت قيمة ودائع السوريين في البنوك اللبنانية، حوالي 40 مليار دولار، ومع تأزم الواقع اللبناني، ودخوله منعطفات اقتصادية قاسية، فقد خسر المودعين السوريين أموالهم، الأمر الذي شلّ حركة الاقتصاد السوري، ليطال مباشرة قيمة الليرة وتدني سعر الصرف.

شاهد/ي: آراء وتفاعلات.. وثيقة التفاهم بين “مسد” وهيئة التنسيق

في جانب آخر، فقد بات واضحاً أن روسيا وإيران، وإن كانتا في فترة سابقة يمدون السلطة ويعززون اقتصادها، لكن اليوم فإن المعطيات الداخلية في كلٍ من روسيا وايران، تشي صراحة بأن البلدين رفعا الغطاء عن العملة السورية، وأوقفوا الخطوط الإئتمانية، والتي كانت بمثابة شريان الحياة لليرة السورية، فضلاً عن إجبار السلطة بدفع ثمن حوامل الطاقة بالعملات الصعبة، الأمر الذي زاد من معاناة الليرة السورية ووصولها إلى الانهيار.

صفوة ما سبق. ما الذي يمكن للسوريين أن يفعلوه إزاء الانهيار الاقتصادي؟، فما يؤرق السوريين هو الواقع المعيشي، كما أن مفردات تحسين الواقع المعيشي، قد حُذفت تماماً من قاموس السوريين، فاليوم ثمة في أفق الاقتصاد مشهد مريع، وأمام واقع السوريين الاقتصادي، فإن السلطة وإن لم تكن قد أعلنت استسلامها، لكن المؤشرات على انهيارها الاقتصادي باتت كثيرة ومتعددة.

وإزاء ما سبق، فإن السلطة في دمشق، ستستمر في امتصاص دماء السوريين، لـ تُطيل في عمرها، وما يجب أن يعيه كل السوريين، أن الكارثة الاقتصادية وانهيار الليرة، هو مسلسل سلطوي بامتياز، لكن هذا الواقع ومن حيث لا تدري تلك السلطة، فإن ذلك يحمل معه “الصدمة”، من هنا قد يكون المخرج الوحيد لسوريا والسوريين، لوقف هذا المسلسل، ووقف فصوله، ووقف الانهيار المتسارع لليرة السورية، هو الخروج عن الصمت، وربما سينفجر الشارع السوري معيشياً، فآخر مراحل التداوي هو الكيّ، والسوريين لن يموتوا تحت سياط الجوع.

عمار المعتوق- دمشق

المشاركة