Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

يعاني مزارعو التبغ في الساحل السوري من أزمات مزدوجة جراء سياسات السلطة في دمشق واستغلالها لظروف المنطقة والحصار المطبق على مناطق الساحل السوري، إذ يتحكّم السلطة ورجالاتها في أعلى المستويات بكامل دورة الإنتاج والاستهلاك، وأثر ذلك على لقمة الفلاح التي باتت صعبةً للغاية في مناطق الساحل السوري كما بقية مناطق سيطرة السلطة.

تشتهر مناطق الساحل السوري بزراعة نبات التبغ، الذي يحتاج لمناطق معتدلة إلى باردة وأراضٍ خصبة لكي ينمو، يُعتبر التبغ السوري من أجود أنواع التبغ في العالم حيث تتسابق على شرائه كبريات شركات التبغ في العالم، إلّا أن مزارعي التبغ هم أفقر السكان في الساحل السوري وسوريا بشكل عام، ذلك بسبب سياسات السلطة الجائرة وعجز الفلاحين في هذه المناطق عن نيل حقوقهم.

تسعيرة تلامس الحدود الدنيا

تقوم السلطة في دمشق بشراء التبغ من الفلّاحين في ريفي طرطوس واللاذقيّة، وتعتبر أي حالة تسويق خارج المؤسسة العامة للتبغ (GOT) أو الريجي، مخالفةً للقانون، وتُعد التجارة به جرماً اقتصاديّاً من الدرجة الأولى كأي عمليّة تهريب، لذا فهو يتحكّم بشكل كامل بالتسعيرة دون الإفصاح عن المعايير التي اعتمدت عليها لتحديد هذه الأسعار والتي لا تغطي تكاليف الإنتاج غالب الأحيان.

شاهد/ي: حرارة الصيف تضاعف معاناة قاطني الخيم شمال غرب سوريا

يقول حامد، أحد الفلاحين في منطقة القدموس،” ليس أمام الفلّاح سوى أن يستكين ويرضى بالسعر الذي تضعه السلطة، فقد كانت الأسعار عام 2011 متدنيّة لحد كبير(175 ل.س. للكيلو المجفف)، لكنّها الآن باتت أقل نسبةً لغلاء المواد، فهي الآن تتراوح ما بين (6000 ل.س و8000 ل.س للكيلو الواحد”، حيث تدفع “الريجي” (تسمية يطلقها السكان على مؤسسة التبغ وهو اسمها القديم) التسعيرة كاملةً للتصنيف إكسترا، لكن فلاحين كثر اشتكو من أنّ الريجي أعطت تعليماتها للخبراء بتقليل نسب الإكسترا للخُمس تقريباً، ما يخفض كثيراً من تسعيرة التبغ. فمثلاً في حين أعلنت حكومة السلطة في دمشق عن تسعيرة 9500 ليرة سورية لنوع “شك البنت” وهو الغالب في الزراعة يكون هذا السعر لما يصنفه الخبراء إكسترا، حيث سيصنف باقي المحصول درجة أولى وثانية ليصبح معدّل السعر حوالي 7000 ليرة سوريّة”.

يضطر الفلاحون بسبب الفقر، للعمل بزراعة التبغ وتحويشه، رغم صعوبات هذه المهنة، من مشاق العمل في الأراضي المكشوفة بالجبال، وطبيعة النبتة التي تحتاج لعناية دائمة ومستمرة من مرحلة رش البذور في المشاتل، وإنتهاءً بالبيع.

فضلا عن مخاطر الإنتاج إذ إن زراعة التبغ بعلية، وقد تتعرض للكثير من العوامل الجوية التي قد تودي بنصف الموسم أو أكثر”.

حصار الفلاحين يجبرهم على زراعة التبغ

تنتشر زراعة التبع في القرى الأكثر فقراً في الساحل السوري، ذلك بسبب سياسيات السلطة في دمشق التي تعمّدت إفقار هذه المناطق منذ تسلّمها للسلطة في سوريا منذ ستينات القرن الماضي، فقد حرمت هذه المناطق من مياه الشرب حتى الوقت الراهن، كما منعت السلطة منذ الثمانينات الرعي وبالأخص رعي الماعز الذي يلائم تلك البيئة الجبليّة، وفي لقاءٍ معنا أوضح لنا جابر ك. (53 عاماً) كيف أجبر فلاحو القرى الفقيرة على زراعة التبغ رغم قلّة عائداته للفلاحين قائلاً ( كانت قرى الساحل السوري تعيش على تربية الماشية، وعلى نوعين أساسيين هما الماعز والبقر البلدي “العكش”)، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الأنواع تتكيف مع مناخ الجبال الباردة والوعرة، وتتغذى الماعز على أوراق السنديان المنتشرة بكثرة في جميع أرجاء الجبال، كما أنّ البقر البلدي كان يساعد الفلاحين في الفلاحة لقدرته على العمل والعطاء بنفس الوقت، ولا يحتاج لأعلاف مستوردة بل يعيش على نباتات البيئة.

حرمت السلطة في دمشق أهالي قرى الساحل السوري من تربية الماعز بحجّة الحفاظ على الحراج وحرمهم أيضاً من البقر البلدي واستبدله بالهجين الذي يحتاج للعلف المصنّع ومنع السكّان من تربية الأبقار في المناطق الحضريّة، حيث انحسرت ظاهرة تربية الماشية لحد كبير وبات من الصعب عليك العثور على كيلو حليب في قرية ريفيّة نائية، لذا لم يبقَ أمام الأهالي سوى زراعة التبغ، لأنّه في غالب السنوات لا يأتي هذا المحصول بمقابل يذكر.

ربح جائر على المستهلكين أيضاً

على الرغم ان التبغ يعتبر انتاج محلي وبصناعة محلية أيضا، الا أن أسعاره تعتبر مرتفعة،
حيث تقوم السلطة بتصنيع جزء من المحصول في معامله ومن منتجاته، الحمراء بأنواعها: حمراء طويلة، حمراء كرتون، حمراء طويلة بيضاء، وطويلة مخصصة للتصدير وهي النوع الوحيد الذي تصدره.

وتعود ملكية هذه الشركات المصنعة للتبغ لرجالات السلطة حيث تسيطر على تجارة التبغ داخل البلاد ويتحكّم بالأسعار التي تفوق السعر المنطقي لنفس أنواع التبغ في الدول المجاورة، وحول أسعار هذه المنتجات وغلائها يقول عادل م.(63 عاماً)، (دخان 1970 يضاهي الدخان الأجنبي في غلائه، أما الحمراء النوع الوحيد المقبول، فهو أقل غلاءً نسبيّاً، لكنّه يبقى ثقيل على جيوبنا، فعلبة الحمراء اليوم ب5000 ليرة، وراتب الموظف لايكفيه سوى لعلبة دخان يوميّاً، نستغرب غلاء الدخان الوطني مع غلاء أسعار الدولار فهو منتج وطني 100% لكن السلطة وعبر متنفذيها لا تكتفي بأرباح الأتوات بل تريد المزيد دوماً).

كما تشرف المؤسسة العامة للتبغ (الريجي) على علب التبغ المستوردة حيث تفرض عليها ضرائب إضافيّة وتدخل في أرباح المؤسسة، وتقوم الشركة العامة للتبغ باستيراد أشهر أنواع التبغ في العالم، كما تقوم هذه الشركات العالمية بشراء التبغ المجفف منها، ووفق ماذكر لنا عدّة شبّان عائدين من لبنان أو ليبيا (بلدان لاتفرض ضرائب على التبغ المستورد) فإن سعر علب التبغ في سوريا أغلى من تلك البلدان بكثير وهذا مايثير استغرابهم خاصّة مع توفّر “المهرّب” وبشكل كبير.

صعوبات زراعة التبغ

تبدأ زراعة البذور من شهر كانون أول في المشاتل الساحلية، وتبدأ عملية زراعة الشتول في الأرض أوائل نيسان، حيث يعتني الفلّاح بشكل يومي بمحصوله حتّى يحين القطاف في منتصف شهر حزيران.
يحكي لنا المزارع (محمد م.) عن طقوس هذه الزراعة، بالقول (في البداية نتناقل البذور ونسأل عن أحوال الشتول بشكل مستمر، حيث ننصح بعضنا بأفضل الطرق لإنتاج الشتول وفي موسم الزراعة تنشأ بين الفلاحين العونة “تشاركهم في زراعة الأرض”)، إذا إنها تحتاج لعدد كبير من المزارعين، فهناك من يزرع وهناك من يسقي وهناك من يفلح وهناك من يقتلع الشتول من المشاتل، كما أن الموسم قد يتعرّض للتلف جراء أي حالة تطرّف طقسي قد ينشأ فهذه الزراعة بعليّة مكشوفة ونبات التبغ من النباتات الحساسة، ومن النادر أن يسلم محصولي تبغ في سنتين متتاليتين حسب تعبيره.

شاهد/ي: 11 شهراً من الحصار.. كيف يبدو المشهد في أحياء حلب المحاصرة؟

وماذا عن موسم القطاف؟ يجيب المزارع، (موسم القطاف يحمل الكثير من الطقوس الجميلة، فبعد قطف الأوراق تجتمع نساء العائلة لتقوم بعملية الشك “تمرير الأوراق في خيطان القنّب”)، لكنّ الأمر لاينتهي هنا فبعدها يقوم المزارع بإنشاء مناشر لخيطان التبغ ويقوم بنشرها لقرابة الشهر حيث تقوم شمس الصيف بتجفيفه، ثم يخزنه قرابة الشهرين، وهناك خطر إصابته بالعفن، لذا على المزارع تقليبه بشكل مستمر، ليأتي دوره في الريجي “مؤسسة التبغ” التي تقوم بشراء التبغ وتقدير جودته، وبالرغم من كل الصعاب فقد دأبت الريجي على تخمين جزء بسيط من المحصول “إكسترا” وهو التصنيف الذي ينال السعر كاملاً، ليعود الفلاح بالنقود القليلة بعد تعب طويل.

درجت عادة تدخين تبغ (شك البنت) وهو النوع الغالب بنسبة كبيرة في الساحل السوري وذلك لأنّه الأكثر تلاؤماً مع مناخ جبال الساحل، بدأ الانتشار الأفقي للظاهرة نتيجة غلاء التبغ المعلّب، حيث رصدنا في تقدير أولي أكثر من ستين بالمئة من المدخنين يدخنون البلدي في بيئات الساحل السوري، هذا بالنسبة للمستهلك أمّا المزارع فما من حلول سوى تقديم أسعار معقولة تقابل جهد المزارع وعنائه طيلة العام، ليحظى بالقليل من أمنه الغذائي، وفي ظل هذه الظروف التي تعيشها البلاد والفساد الذي يضرب أطنابه في مؤسسات السلطة، حيث الطمع والجشع هو ما يرسم سياسات الحكومة لصالح حفنة صغيرة من أرباب السلطة، ليس أمام المزارعين سوى الاعتكاف والمطالبة بأي شكل بحقوقهم المهدورة منذ عشرات السنين.

أليمار لاذقاني- اللاذقية

المشاركة