Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

لم تكتفِ السلطة في دمشق بـ بيع المنشآت الحيوية لحلفائها فحسب، والتي كانت إحدى أهم دعائم الاقتصاد السوري، بل أجهزت السلطة على كل الصناعات السورية بقطاعيها العام والخاص، عبر سلسلة من السياسات الاقتصادية التي أثّرت عميقاً في مستوى معيشة السوريين، إذ لا يزال الانحدار حاداً في البيانات الاقتصادية، الأمر الذي يُنذر بكارثة معيشية تنتظر السوريين في مناطق السلطة، ولا شكّ بأن الأزمة المستمرة منذ 13 عاماً، كان لها تأثيراتٌ على الصناعة السورية والمعامل، إلا أنها تأثيرات محدودة ولا تظهر على جسد الاقتصاد السوري، غير أن السلطة وعبر سلسة من القوانين التي صدرت لتُمرّر مصالح المقرّبين منها، كانت رصاصة الرحمة التي لفظ الاقتصاد السوري بموجبها أنفاسه الأخيرة، وهنا لابدّ من التنويه إلى أن المعامل الإنتاجية في مناطق سيطرة السلطة، أُغلقت أو تكاد، وذلك بناءً على طلباتٍ خاصة من قبل البعض، وللسلطة هدية خاصة من وراء ذلك، مع تحييد مئات العمال وإلقائهم في الشوارع، ومن خلفهم مئات العائلات، كل ذلك وفق سياسة ممنهجة غايتها الإمعان في إذلال السوريين، ودائما النصر لـ فساد السلطة والمقرّبينَ منها.

شاهد/ي: الأرضية المناسبة للبدء بالحل السياسي في سوريا – آراء وتوجهات

توقّفُ المعامل السورية عن الإنتاج والعمل هو في الأساس جزءٌ من سياسة اقتصادية دأبت السلطة على تنفيذها، ولتوقّف المعامل حكاية يطول شرحها والغوص في تفاصيلها، لكن ادعاءات السلطة بسردية العقوبات والحصار، لا ينسحب على معامل تتوافر موادها الأولية من الأرض السورية، ولا حاجة لاستيرادها من الخارج، مثال ذلك معمل السكر في ريف حماه، والذي يستقي مواده الأولية أي الشوندر السكري من الفلاحين المنتشرين في عموم ريف حماه الشمالي والشمالي الغربي، ولعل مناشدات هؤلاء الفلاحين أماطت اللثام عن حقيقة توجهات السلطة، فـ الفلاحين في مناطق سيطرة السلطة وتحديداً في أرياف محافظة حماه، وجّهوا العديد من المناشدات للسلطة بغية إعادة افتتاح معمل السكر، ليعودوا إلى زراعة الأراضي بما يضمن لهم حياة كريمة، لكن السلطة لم تكترث لتلك المناشدات، تحت ذرائع واهية، وهذا ما يؤكده ابو عدنان(53 عاما)مزارع من بلدة سلحب في ريف حماه.

يقول أبو عدنان “لدي ما يقارب 13 دونم وهذه المناطق تُعد من أكثر الأراضي خصوبة في الجغرافية السورية، وراجعنا أكثر من مرة مديرية الزراعة في حماه، وطالبنا كمزارعين بلقاء “الرئيس” لشرح الواقع وأهمية إعادة انطلاق معمل السكر، إلا أن كل المناشدات لم تلقَ آذانٌ صاغية، والتبريرات كانت على الدوام أن “القيادة تدرس الأمر… وانتهى”.

يتابع أبو عدنان، “نحن كفلاحين لا دخل لنا سوى هذه الأرض، نزرع لنأكل وإن لم نزرع “مات الأولاد من الجوع”، والأرض الموجودة لدي أضطررت أنا وغيري إلى زراعتها بالبطاطا والخيار والبندورة لنعيل أنفسنا، ونذوق الأمرّيَن لتأمين المازوت الزراعي والأسمدة، والدولة تدّعي اهتمامها ورعايتها للفلاح “شو هالنفاق”.

معاناة أبو عدنان تلخّص معاناة غالبية الفلاحين في مناطق سيطرة السلطة، لكن في عمق تلك المعاناة ثمّة عائلاتٌ بأكملها تعاني، وثمّة معاملٌ متوقفة عن العمل بأوامر وغايات سلطوية، تشرح لنا عن مئات العائلات التي باتت بلا أجر، وكل ذلك يعني أن السوريين في مناطق السلطة يزدادون فقراً لصالح فئة مقرّبة من السلطة، وهنا فإن “حوت السكر” في سوريا، تربطه علاقة وثيقة مع أعلى هرم السلطة، وهذا الأمر لا يُعدّ سرّاً، فغالبية السوريين يدركون هذا الأمر. وبالتالي بات واضحاً أن قراراً مثل قرار السلطة بإغلاق معمل السكر تحت ذرائع العقوبات والصيانة وعدم توافر المواد الأولية، إنما جاء تلبية لرغبة “حوت السكر”، لملئ جيوبه بدولارات الاستيراد وإفقار السوريين ومن أجل أن تبقى السلطة “سعيدة”.

ما سبق يقودنا في حقيقة الأمر إلى أن الاقتصاد السوري على وشك الإنهار أو يكاد، وهنا يمكننا تسليط الضوء على معطيات ثلاث.

أولاً.. الفساد في سوريا يتم توريثه كالحكم، فالفساد لم يقتصر في سوريا على الجوانب السياسية فحسب، بل كل مؤسسات السلطة ووزاراتها تُصدر قراراتها لصالح فئة مقرّبة من السلطة، وهذا الأمر بات متجذراً في مناطق سيطرة السلطة، ولا يمكن الشفاء من هذا المرض العضال إلا عبر استئصال أصل المرض، ألا وهي السلطة والمقرّبون منها من الحيتان والمتنفذين.

ثانياً.. الاقتصاد السوري تحوّل مع بداية الأزمة إلى اقتصاد حرب، حيث ركّزت السلطة فيه كل الموارد لخدمة الآلة العسكرية والأمنية ونشأت على أنقاضه سلطات الأمر الواقع وأمراء الحرب وصولاً إلى عام 2015، ليتحول الفاعلون الأساسيون في مناطق نفوذ السلطة إلى مافيات ومجموعات خطف ونهب وتشليح على حساب أي نشاط اقتصادي حقيقي في الصناعة والزراعة.

ثالثاً.. السلطة باعت كل الأصول السيادية من موانئ ومطارات وسكك حديدية وغيرها بعقود تصل مدّتها الزمنية إلى 75 عاماً، ولم يبقَ منها شيء مهم يذكر، وهذا ما يفسّر عدم قدرة السلطة على العمل بما يُسمى اقتصادياً خطوط الائتمان، وبمعنى آخر للاستدانة من داعميه الذين وإن كانت مصالحهم في بقائه، لكنهم في نفس الوقت لا يقدّمون المال مجاناً.

شاهد/ي: شمال غرب سوريا.. ساحة خصبة لانتهاكات الفصائل الموالية لتركيا

وهنا لابدّ من التذكير، بأن ديون السلطة حسب المصادر لكلّ من روسيا وإيران تجاوزت 180 مليار دولار، وبالتأكيد سيضطر السوريون إلى دفعها إذا بقي المسار السياسي على هذا الوضع.

وبالعودة إلى توقّف المعامل السورية عن الإنتاج، فإن السلطة في هذا الإطار تعمل في سياق بيع كل شي لحلفائها مقابل البقاء في الحكم، وعليه ثمة واقع بات واضحاً لعموم السوريين. هو واقع تختزله تصريحات وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، رضا فاطمي أمين، حين قال، أن “الشركات الإيرانية على استعداد كامل لإعادة فتح المعامل المتوقفة في سوريا، وإنشاء صناعات مشتركة بين البلدين”. وجاءت تصريحات فاطمي أمين بعد جولةٍ على عددٍ من المعامل السورية في بلدة عدرا الصناعية، والتي تقع بضواحي العاصمة دمشق، وكذلك بعض المعامل في محافظتي حمص وحماه، حيث معمل السماد العضوي ومعمل السكر. وزعم فاطمي أمين، أن الهدف من زيارة المعامل السورية هو تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، واستكشاف الإمكانيات لدعم الصناعة السورية، وعلى رأسها صناعة النسيج وتطويرها، على حدّ قوله.

كل الحكاية، أن السوريين ضاقوا ذرعاً بممارسات السلطة، واليوم تتفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية، حتى يكاد تأمين ربطة الخبز أمراً بالغ الصعوبة في ظل القرار الأخير برفع ثمن ربطة الخبز، وفي المقابل فإن ما يزيد الطين بلة، أن المستثمرين والمنتجين والمستهلكين فقدوا الثقة بالسلطة وبـ دوافع اتخاذ القرار التي تصبّ فقط في مصلحة حلفاء السلطة والمقربين منها، لتكون النتيجة مختصرة بـ سوء الإدارة الاقتصادية التي أوصلت عامل الثقة في العمل والنشاط الاقتصادي الرسمي في الأسواق إلى درجة الصفر، وأُخليت الساحة بالكامل للسوق السوداء بإشراف فروع الأمن وأمراء الحرب و”زعماء المافيات”، المصنّعة داخلياً.

عمار المعتوق- دمشق

المشاركة