Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

رياض درار

 

بعد وصول النظام التركي إلى طريق مسدود بما يتعلق بأطماعه الاستعمارية في الشمال السوري وعدم تمكّنه من الحصول على الضوء الأخضر من روسيا والولايات المتحدة لاحتلال أجزاء جديدة من مناطق الإدارة الذاتية خاصة كوباني ومنبج وتل رفعت منذ العام 2022، بدا النظام التركي في مأزق كبير فهو فشل في ملف اللاجئين السوريين في تركيا بعد استثماره في ابتزاز الدول الأوروبية والحصول على مساعدات مالية ضخمة، لقد أصبح هذا الملف يؤرق النظام التركي نتيجة الرفض الشعبي لتواجدهم، فهو قد فشل حتى في إرسالهم إلى المستوطنات التي تم إنشاؤها في الشمال السوري وبالأخص في عفرين ضمن عملية التغيير الديمغرافي، فالكثير من اللاجئين يرفضون السكن في تلك المستوطنات لأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية. وعدم تمكّن أردوغان من تنفيذ عدوانه على مناطق الإدارة الذاتية “كوباني ومنبج وتل رفعت”، جعله يتحول إلى المصالحة مع النظام السوري الذي يعيش في مأزق اقتصادي واجتماعي وسياسي نتيجة عوامل كثيرة، منها انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، والاحتجاجات المستمرة في إيران حيث أثّرت على مصادر تمويله مما أدى إلى تدهور اقتصادي كبير، وخشية من اندلاع احتجاجات جديدة كما في السويداء ودرعا نتيجة الأوضاع الاقتصادية والأمنية وقد تشمل مناطق أخرى كالساحل السوري. واستمرار العزلة السياسية التي يعيشها ووصوله إلى طريق مسدود.

أردوغان الذي فشل في الإطاحة ببشار الأسد وإقامة نظام إخواني موالي له، وفشل تنظيمه الإرهابي “داعش” في احتلال مناطق الإدارة الذاتية، ودعم الولايات المتحدة المستمر عسكرياً لقوات سوريا الديمقراطية، مما جعل المنطقة أكثر أمناً واستقراراً، جعله يتجه نحو النظام السوري في خطوة جديدة يمكن له تحقيق مالم يستطع القيام به، على الرغم من العوائق الكثيرة التي تمنع من حصول تقارب أو مصالحة مع النظام، كون الأخير يشترط لإنجاح هذا التقارب انسحاب الاحتلال التركي الكامل من الشمال السوري وتسليم ملف التنظيمات الإرهابية أو ما يسمى بالمعارضة “الائتلاف السوري” الذي تدعمه تركيا، إلى جانب تسليم المعابر للنظام، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية الحالية خلقت قواسم مشتركة بين النظامَين قد تساعد على حدوث تقارب بينهما. خاصة بعد حرب غزة التي يستثمر فيها أردوغان أحسن استثمار، فهو يدين هذه الحرب وما يسميه الإبادة الجماعية، ويمارس بنفس الأدوات إبادة في شرق الفرات، ويستمر في تقديم المساعدة لاسرائيل وزيادة الصادرات معها ويدعو قيادات سياسية في حركة حماس بالخروج من تركيا بادعاء المحافظة على أمنها حتى أوداها إلى حتفها مثل صالح العاروري، خدمة لاسرائيل، وهو ماتوافقَ مع تصريحات وزير خارجيته بدعوة المعارضة السورية للمصالحة مع النظام.

شاهد/ي: هل المرأة معنّفة ؟

إن رفض تركيا الانسحاب من الشمال السوري كشرط أساسي وضعه النظام لحدوث التقارب لا يعني الوصول إلى طريق مسدود، فقد يقومان مثلا بوضع جدول زمني للانسحاب من الشمال السوري في حال تحققت الأهداف التركية، وأهمها الوقوف معاً ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، فتعنّت النظام السوري وسياسته الشوفينية تجاه قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في الاعتراف بحقوقهم تتلاءم مع الأهداف التركية لضرب الإدارة الذاتية، خاصة في ظل النجاحات الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي حققتها مقارنة مع مناطق النظام ومناطق الاحتلال التركي اللذان يخشيان من هذه النجاحات ويحاولان بشتّى الوسائل تشويه صورة الإدارة الذاتية ويهدفان لتعزيز تعاونهم ضدها.

تركيا قد تتخلّص من الفصائل أو حتى الشخصيات السياسية التي تشكّل تهديداً للنظام السوري وترفض أي تقارب بين النظامَين التركي والسوري. بتسليم ملفاتهم للنظام السوري مقابل وقوف النظام إلى جانبها ضد قوات سوريا الديمقراطية في حال حصل تقارب مع النظام السوري، لذا نجد تكالب القادة العسكريينَ والسياسيينَ في الائتلاف السوري المعارض بتبرير السياسة التركية الجديدة على أنها تخدم مصالح الشعب السوري وذلك خشية من تسليمهم للنظام السوري، واستجابة كما يبدو لمطلب وزير الخارجية فيدان، بالذهاب نحو المصالحة مع النظام.

ونتيجة اتفاقات “آستانا”، فإن النظامَين التركي والسوري يتفقان ضد تواجد القوات الأمريكية شريكة قوات سوريا الديمقراطية في محاربة الإرهاب في شرقي الفرات، ويطلبان من الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، وتركيا التي تحلم بمشروع استعادة الامبراطورية بغاية التأثير في السياسات العالمية، تأمل بسد الفراغ الأمريكي وتعزيز دورها الاقليمي من خلال السيطرة على شريط حدودي يمتد من سوريا إلى العراق.

نذكر أن القرار الدولي 2254 المتعلق بحلّ الأزمة السورية بدعم عملية سياسية انتقالية ضمن فترة انتقالية عملت الدول الضامنة روسيا وتركيا وإيران للالتفاف عليه عن طريق اجتماعات “آستانا” و”سوتشي”، ومع إصرار الغرب وبالأخص الولايات المتحدة على تطبيق هذا القرار كحل أساسي ينهي الأزمة السورية بات هذا القرار يشكّل كابوساً لأردوغان فمن مصلحته الآن إفراغ هذا القرار من مضمونه من خلال التقارب مع النظام والتطبيع معه، كما أنه من مصلحة النظام السوري إفراغ هذا القرار من مضمونه، والتقرب من النظام التركي وتكون بداية للتطبيع معه.

وبالنسبة للجنة الدستورية التي يرفض النظام استمرارها ويضع العراقيل لإفشالها، بات من مصلحة النظام التركي الآن إلغاء اجتماعات اللجنة الدستورية، كون هناك مطالب من بعض الدول في ضم مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” إلى اجتماعات اللجنة الدستورية مما قد يعني ضربةً للأهداف التركية في ضرب الإدارة الذاتية.

و لإفراغ القرار الدولي 2254 وأعمال اللجنة الدستورية يتطلب من تركيا القيام ببعض الإجراءات التي تخدم النظام السوري وتؤدي لحدوث تقارب أو مصالحة بين الطرفين؛ إنهاء أو وقف دعم الائتلاف السوري المعارض وإغلاق مكاتبهم أو حتى طردهم من الأراضي التركية وهو ما يخدم النظام السوري. وقد عمل النظام التركي على وقف الدعم المالي لأعضاء الائتلاف السوري وتقييد تحركاتهم في الآونة الأخيرة. وقد يتطلب بالمقابل من النظام القيام باجراءات تجاه اللاجئين والسماح بوصول دفعات منهم إلى مناطقهم التي نزحوا منها وعدم ملاحقتهم أمنياً، وإيهامهم بالعودة الآمنة، وهو ما سيخدم أردوغان وحكومته التي تعاني من ضغوط داخلية وأزمات اقتصادية.

في هذا السياق، فإن الرابح الأكبر من هذا التقارب، هي روسيا كونها تزيد من الفجوة بين تركيا والولايات المتحدة الرافضة لأي تقارب أو تطبيع مع النظام، وحصر حل الأزمة السورية بالدول الضامنة الثلاث “روسيا وإيران وتركيا”، إلى جانب الالتفاف على القرار الدولي 2254 والتخلص من التنظيمات المسلحة التي تشكل تهديداً لها. والنظام التركي سيعمل على استغلال هذا التقارب للعمل مع النظام وإيران وروسيا لمحاربة الإدارة الذاتية معه، ولتحقيق أطماعه الاستعمارية التي عجز عن استكمالها حتى الآن.

أما النظام السوري فهو يرى في هذا التقارب فرصة للحفاظ على أركانه والتخفيف من تبعات قانون قيصر عليه، وبداية للتطبيع مع المحيط العربي والدولي

أما الخاسر الأكبر فهو الولايات المتحدة الأمريكية كون هذا التقارب برعاية روسية لا يخدم سياستها في المنطقة وأن تعميق الفجوة مع حليفتها تركيا يجعل هذه الأخيرة أقرب إلى روسيا منها.

شاهد/ي: أيقونة النضال وصانعة السلام

هذه المقدمات تسجل الأسباب التي دعت لفتح النار على مناطق الإدارة الذاتية، فهي جاءت في وقت الاستعداد للانتخابات البلدية لتأجيج المشاعر القومية كما هو الحال في كل انتخابات تركية، وواكبت حِراك العشائر في الشرق الذي جاء نتيجة تخطيط وتدبير شارك فيه النظام وإيران، فكان تصعيد الاعتداءات و زيادة اطلاق المسيّرات وقصف المناطق الآهلة بالسكان والمنشآت الحيوية والنفطية واستمرار التصعيد مواكبةً مع حرب غزة التي شغلت العالم عما يجري في شمال شرقي سوريا، ولم تجدِ محاولات التطبيع العربي مع النظام الذي يرى أن الفرصة متاحة له بالتقارب التركي ليسيطر على المناطق النفطية، ويساهم بالضغط على القواعد الأمريكية باستخدام ميليشيات قبلية وعشائرية وحرس وطني وحرس ايران الثوري.

الانشغال الدولي بأحداث غزة زاد من وتيرة القصف والتدمير للمنشآت المدنية والمؤسسات الخدمية ومن الأسف رأينا بعض السوريين يشجّعون على ذلك ويرون أن قصف المنشآت النفطية من صالحهم ماداموا لم يشاركوا في عمل الإدارة أو نكاية بأهلها وهذا الفعل الخياني من أسوأ ماظهر في الحدث السوري وأسباب فشل الثورة الشعبية، ويشجّع على استمرار الأزمة.

أما الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية فهي تقاوم وتدافع عن مشروعها الديمقراطي في وجه الأطماع التركية، وبالتالي فهي تشكّل عقبة أمام المطامع الروسية والتركية والنظام في سوريا، وترى أن التقارب بين النظامَين التركي والسوري هو تهديد للشعب السوري وللإدارة الذاتية. لذا فإن تقارب النظامَين سيجعل الأزمة السورية تدخل مرحلة جديدة تزيد من تعقيدها ومليئة بالفِتن والاقتتال.

ويبقى الحوار السوري – السوري خاصة بين القوى المعارضة لهذا التقارب الحل الأمثل للوقوف في وجه المؤامرات التي تُحاك من قِبل الدول الضامنة على سوريا وعلى الشعب السوري، وقد أطلق مجلس سوريا الديمقراطية بخصوص هذه المسألة مبادرات لتقريب وجهات نظر المعارضة السورية بخصوص حلّ الأزمة السورية. ووضع خارطة طريق للحل السوري، ويعمل على لقاء الشخصيات و القوى الديمقراطية على برنامج عمل موحّد وصيغة تجمعهم لمواجهة المؤامرات والاستحقاقات بشتى صورها أملاً أن تتوحّد كلمة السوريين ويقيمون نظامهم السياسي الديمقراطي التعددي اللامركزي.

رياض درار – فيينا

المشاركة