Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

مع بداية العام 2024، استحوذت التطورات الفلسطينية على جُلّ العناوين السياسية والإعلامية، وكان واضحاً أن حالة الترقّب جرّاء تلك التطورات، طغت وبشدة على جُملة الملفات بأبعادها الإقليمية والدولية، وضمن ذلك لم يُعد الملف السوري بارتباطاته وتعقيداته على قائمة الأولويات التي ينبغي حلّها وتفكيك مشاهدها المعقّدة.

نتيجة لذلك، فإن المشهد السياسي في سوريا خاصةً، والواقع السوري عامةً، سيبقى في إطار المراوحة دون توقّعات أو انفراجاتٍ سياسية في المدى المنظور وتحديداً خلال عام 2024، لا سيما أن السلطة الحاكمة في دمشق، استأثرت بمفاصل القرار السياسي، وعطفاً على حالة التداخل الإقليمي والدولي في الملف السوري، واستمرار استثمار الواقع السوري بما يخدم المصالح الروسية والإيرانية والتركية وكذا مصلحة السلطة.

شاهد/ي: تركيا والعبث بـ جغرافية الشمال السوري.. إرهاب بأوجه متعددة

واقع الحال يؤكد بأن سلوك السلطة السياسي لن يتغير في الفترة القادمة، لا سيما أن صانع القرار السياسي في سوريا يعمل على استثمار حالة التوتر والانشغال الاقليمي بالحرب في غزة، مع بقاء حالة النأي بالنفس عنواناً بارزاً لسياسات السلطة حيال الحرب، لكن ثمة خشية من قِبل السلطة لجهة تدهور الأوضاع في جنوب لبنان، حينها ستذهب سياسية النأي بالنفس التي اعتمدتها السلطة أدراج الرياح، فالسلطة وعلى الرغم من ادعائها دعم فلسطين “والمقاومة”، إلا أنها أيضاً وفي ذات السياق تأمل جني ثمار صمتها حيال اسرائيل واعتداءاتها المتكررة على سوريا، وكذلك حيال موقفها الرمادي من الحرب في غزة باستثناء مواقفها والتي تأتي في سياق سياسي بحت، فإن السلطة بذلك تراهن على جوائز أمريكية في ما يتعلق بالملف السوري، وتأمل السلطة أن تنتهي الحرب في غزة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، لجني المكافآت الأمريكية على موقف السلطة الحيادي والمنضبط خلال الحرب، على أمل أن يُترجم ذلك على شكل تخفيف للعقوبات المفروضة على السلطة، أو غض نظر عن محاولات بعض الأطراف العربية لخرقها، ورفع “الفيتو” الأميركي عن عمليات التطبيع العربية مع السلطة والتي جرت فرملتها بعد تحذيرات أمريكية بإمكانية تعرّض الشركات التي تستثمر في سوريا لعقوبات قانون “قيصر” الذي يمنع الدول والشركات من التعاون الاقتصادي مع النظام خارج إطار المساعدات الإنسانية.

المشهد السياسي في سوريا داخلياً

حقيقة الأمر، من غير المتوقع أن تحدث أي انفراجات تُحقّق قفزات سياسية في الواقع السوري خلال العام 2024، فالمسارات السياسية وبعناوينها المختلفة من “أستانا” إلى “سوتشي” ووصولاً إلى “اللجنة الدستورية”، فإن كل ذلك لم يحقق أي اختراق في الملف السوري، لا سيما أن سياسات السلطة وما تتّبعه من مقاربات وحتى على مستوى الخطاب السياسي والإعلامي، يشي بأن السلطة تحاول جاهدةً لإبقاء الملف السوري في حالة من الجمود، غير أبهة بواقع السوريين الاقتصادي والمعيشي، وغير معنية بحلحلة الأزمات وتدهور قيمة الليرة السورية، بل تعمل على ترحيل الأزمات دون العمل على حلّها

فيما يتعلق باستئناف أعمال اللجنة الدستورية والتي عَقدت في العام المنصرم جولة واحدة في حزيران/ يونيو الماضي، وتعطّلت أعمالها بعد ذلك بسبب مزاعم روسيا بعدم حيادية جنيف كمقرٍّ لانعقاد اللجنة نتيجة الشروط التي وضعتها سويسرا بشأن وصول الدبلوماسيين الروس إلى جنيف نتيجة العقوبات الأوروبية المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، فإنه من المتوقع ألا ترى النور مُجدداً تلك اللجنة، خاصة مع فشل المساعي لعقد اجتماعات اللجنة في مسقط أو أماكن أخرى.

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، ورغم محاولته تقريب وجهات النظر بين الأطراف السورية، ورغم العمل على بلورة مقترح بشأن نهج “الخُطوة مقابل خُطوة”، فإن كل ذلك باء بالفشل، ولم يحقق أي اختراق على الصعيد العملي، لأن السلطة لا تريد الإقدام على أيّة خطوة تدفع الحلّ السياسي وفق المفهوم الدولي للحل، ولا يزال يعتبر نفسه منتصرا في الحرب، وهو غير مضطر تالياً لتقديم أيّة تنازلات.

“أستانا” ومسارها العقيم سياسياً

في وقت سابق ومع إعلان كازخستان الدولة المضيفة لاجتماعات “أستانا” إغلاق هذا المسار العقيم سياسياً، برز رهان جديد يتعلق بالجهود العربية لاسترضاء السلطة مقابل موافقة الأخيرة على تسهيل بعض الملفات المرتبطة بالحل كـ إعادة اللاجئين وإطلاق سراح المعتقلين وعدم الاستئثار بمفاصل القرار السياسي، لكن السلطة الحاكمة في دمشق لم تُبدِ أي تعاون مع الجهود العربية في هذا السياق، وحتى السعودية التي دخلت على خط حلحلة الأزمة السورية لم تتمكن من تعديل هذا الواقع، جرّاء تعنّت السلطة.

الجانب السعودي ورغم تقديمه الشرعية السياسية للسلطة الحاكمة في دمشق، عبر دعوتها لحضور اجتماعات القمة العربية وبعد ذلك القمة العربية الطارئة بشأن غزة، لكن في المقابل فإن السعودية لم تقدم الدعم المالي للسلطة الأمر الذي تُرجم من قِبل السلطة بإنعاش علاقاتها مع إيران ووضع المزيد من مقدّرات السوريين بأمرتها، وذلك من خلال التوقيع على مزيد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وعليه فإن خيارات السلطة باتت واضحة فيما يتعلق برهن سوريا ومقدّراتها، مع تعطيل أيّ حلّ سياسي يُنهي الأزمة.

عموماً إن ما يُفسر فشل مسار التطبيع العربي والخليجي مع السلطة، هو أن المبادرة الأردنية لم يتم التعامل معها بإيجابية من قِبل السلطة، ورغم أن عمان كانت من أكثر المتحمسينَ لعودة احتضان السلطة على أمل أن يسهم ذلك في ضبط الحدود ووقف تهريب المخدرات باتجاه أراضيه، والبدء بعودة اللاجئين السوريين، إلا أن السلطة لم تتعامل مع المبادرات الأردنية بشكل إيجابي، وواصلت بل صعّدت عمليات تهريب المخدرات والأسلحة أيضاً، وواصلت عرقلة عودة اللاجئين من خلال ربط عودتهم بالحصول على مساعدات مالية تمكّنها من إعادة تأهيل مناطقهم وفق زعمها.

تركيا وجرّاء سياساتها في الجغرافية السورية، فإنها تسعى لإحداث تغييرات ديمغرافية عميقة، وتسعى بذات التوقيت إلى إنشاء “مناطق آمنة” حسب توصيفها، بغية حماية السوريين وحماية حدودها من الإرهاب، وللمفارقة فإن تركيا ومنذ بداية الأزمة عملت على إنشاء كيان إرهابي في شمال سوريا وشرقها لخدمة أجندتها، ورغم اعتداءاتها المستمرة على مناطق شمال وشرق سوريا، إلا أن السلطة وحلفاءها وجدوا في تلك الاعتداءات مسوّغاً سياسياً يتم من خلاله الاستثمار في الواقع السوري، ليبدو الأمر في مضمونه تماهياً ما بين سياسات السلطة في مناطق سيطرتها، وسياسات تركيا في مناطق سيطرتها أيضاً، وبين هذا وذاك ومع استمرار الارهاب التركي في شمال وشرق سوريا واستمرار الاستثمار التركي للتطورات السورية، فإن ذلك يُقصي إمكانية التوصّل إلى حلٍّ سياسي، خاصة في ظل عدم إدانة تركيا وممارساتها في شمال سوريا.

وجرّاء حالة التعقيد والتشابك في الملف السوري، ترى بعض القوى الفاعلة في سوريا، أن إعادة مسار “أستانا” ولو في حدوده الدنيا، بات ضرورياً ليس لجهة البحث عن حلّ سياسي، إنما وفق منظور تلك القوى سيكون هذا المسار ضامناً لمصالح تلك القوى فقط، وبالتالي إعادة مسار “أستانا” بنسخته 21، هو فقط لإعادة ترسيم النفوذ الروسي الإيراني التركي في سوريا، إذ تعمل موسكو على إبقاء مسار “أستانا” حيًّا.

ويمكن سحب هذه المعادلة على شريكيّها الأساسيَين؛ تركيا وإيران، فكلٌّ من أنقرة وطهران باتت لديهما مكاسب على الأرض السورية، وفي مصلحتها إطالة عمر هذا المسار، ومدّه بالحيوية بين وقت وآخر، طالما أنه لا تلوح في الأفق فرصة لحلٍّ شامل في سوريا.

في ذات السياق، فإن أي مسار سياسي في سوريا، ليس حِكراً على فريق سياسي دون غيره، ومن يقرر مستقبل سوريا هم السوريون أنفسهم، وبالتالي فإن مسار “أستانا” إن لم يجمع كافة التيارات السياسية في سوريا، والجلوس على طاولة مستديرة، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التوصّل إلى حلٍّ سياسي يناسب السوريين، وبما أن السلطة وشركاءها؛ روسيا وإيران وضمناً تركيا، مستأثرون بهذا المسار وشكله السياسي، فإنه لا يُتوقع أن ينعم السوريون بحالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي.

المعارضة السورية وإشكالية الحل

إن المعارضة السورية ومنصّاتها المتعددة، تعاني من التفكك في صفوفها، وهي حتى الآن لم تتمكن من تشكيل مرجعية سياسية واحدة لقوى المعارضة، ولا يكفي أن تكون تلك المعارضات متّفقة على رحيل السلطة فحسب، بل ثمة ضرورة لتشكيل جسد سياسي موحّد يكون منصة لكل السوريين، على غرار ما تقوم به الإدارة الذاتية في توجهاتها السياسية حيال الملف السوري، لكن ماذا يمكن القول عن معارضةٍ تصدح ليل نهار ضد التدخلات الخارجية في الملف السوري، بينما تبارك الإرهاب التركي في الجغرافية السورية؟

وعليه فإن البيان الختامي لمؤتمر “أستانا الـ 21″، لم يُحقق أيَّ جديد على صعيد الحل السياسي في سوريا، على الرغم من حالة الزخم السياسي الذي يشهده الشأن السوري، إذ يبدو واضحاً أنّ تطلعات وهواجس القوى الإقليمية والدولية، باتت مؤطرة في البحث عن سبل حماية مصالحها في الجغرافية السورية، في مرحلة ما بعد الحرب، خاصة أنّ الاهداف الجيوسياسية التي رافقت بدايات التدخل في سوريا، قد تغيّرت نتيجة التغيرات المُتسارعة لمسار التطورات.

والواضح في هذا الإطار أن الوقائع والمُعطيات المتشابكة لا تشي بنيّة قريبة للحلول، وإنهاءُ الحرب ما زال متعلقاً بالعديد من القضايا الشائكة، فكل شيء في الحدث السوري، خاضع للترتيبات الإجرائية القابلة للتعديل، بحيث يبدو الثابت الوحيد في سوريا هو تغيّر السياسات وتبدّل التحالفات، مع إمكانية اتساع بيكار التصادم العسكري.

شاهد/ي: المؤتمر الرابع لـ مجلس سوريا الديمقراطية.. آفاق واعدة

جملة ما سبق من معطيات تؤكد أن المشهد السياسي في سوريا لن يشهد أي انفراجات في العام 2024، لا سيما أن حالة التردي المعيشي والاقتصادي بلغت مستويات غير مسبوقة، ومع تشرذم الجغرافية السورية، وانقسام الآراء والرؤى في ما يتعلق بالحل السياسي، يبرز إلى الواجهة حِراكاً سياسياً يُمثل رافعة للبدء بالحل السياسي، فـ مجلس سوريا الديمقراطية وعلى اعتبار أنه منصّة جامعة لكل السوريين، فإن مبادرته وما نتح عن المؤتمر الرابع لجهة البيان الختامي المتضمن أسس الحل السياسي والديمقراطي، فإن ذلك مدعاة للنهوض مُجدداً بالواقع السوري والعمل على حلحلة التناقضات السياسية، فالبيان الختامي للمؤتمر يُمثل بارقة الأمل الوحيدة للسوريين، في ظل التعارض في مصالح القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري، وعدم إدراج الحل في سوريا كأولوية لديها في الوقت الحاضر.

ختاماً فإن سوريا في المدى المنظور، بعيدةٌ عن أي حلٍّ سياسي، وسيبقى الملف السوري مثار جدال بين كافة القوى الإقليمية والدولية، تحديداً تلك التي لها تأثير على الأرض، ولا يُمكن تغير هذا الواقع، إلا عَبَر إعادة تقييم كل السياسات والتوجهات الداخلية في سوريا، وعلى المستويات كافة، ووضع السلطة أمام مسؤولياتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية.

مازن سليمان-اللاذقية

المشاركة