رغم مرور أكثر من ستة أعوام على بدء العدوان التركي على منطقة عفرين الواقعة أقصى شمال غربي سوريا والتي تتبع إداريا لمحافظة حلب، لا تزال المدينة وريفها يشهدان انتهاكاتٍ يومية بحقّ سكانها الأصليين والتي تصل إلى مستوى جرائم حرب.
انتهاكات وجرائم الفصائل المدعومة من تركيا بحقّ السكان الكُرد الاصليين في عفرين مستمرة في ظل صمت المجتمع الدولي وتقاعس المنظمات الحقوقية والإنسانية من القيام بواجباتها الأخلاقية.
بلغ النزوح مستويات كارثية، إذ يُقدّر عدد النازحين في عفرين بأكثر من \310\ آلاف نسمة من سكانها الكُرد الأصليين هجروا من ديارهم قسراً، خوفا من ارتكاب المجازر بحقّهم أثناء الهجوم على عفرين.
حيث كان عدد سكان المدينة يبلغ \258 ,523\ نسمة حسب إحصائيات الحكومة السورية عام 2012، ومع عمليات النزوح إليها جرّاء الأزمة السورية وصل عدد سكانها إلى أكثر من مليون شخص.\
شاهد/ي: كيف يستفيد “داعش” من استهداف قواعد التحالف في سوريا
انتهاكات ضد المدنيين
ومنذ اليوم الأول لاحتلالها لم تتوقف سلسلة الانتهاكات بحق أهالي عفرين حتى اليوم، وفي هذا السياق يوضّح محمد كولين (اسم مستعار) لأحد أبناء مدينة عفرين الذي اختار البقاء ورفض التهجير، علماً أنه تعرّض للظلم والاعتقال وما زال يعاني شتّى أنواع الانتهاكات.
يشير واصفاً حال أبناء المدينة الذين اختاروا البقاء بأنهم “يعيشون ستّ سنواتٍ من الظلم والقهر والتغيير الديمغرافي”.
ويضيف قائلاً: “إنّنا في عفرين نعيش ظلماً كبيراً وتُرتكب بحقّنا أبشع الجرائم، ونتعرض لممارسات لاإنسانية وتنتهك حقوقنا على أرضنا وفي مدينتنا”.
أرقام مفزعة
قائمة الجرائم بحقّ أهالي عفرين السورية تطول فمنذ الـ 20 من كانون الثاني / يناير عام 2018 وحتى يومنا هذا يعيش أبناء منطقة عفرين أوضاعاً مأساوية نتيجة الممارسات والانتهاكات.
وبحسب ما وثّقته منظمة حقوق الانسان عفرين – سوريا خلال السنوات الـ 6 الماضية، فقد قُتل (706) مدنياً، إلى جانب العشرات من حالات الانتحار بسبب القهر والظلم، علاوة على (397) عملية اعتداء على المدنيين لأسباب مختلفة.
كما أن النساء العفرينيات لم تسلم من هذه الانتهاكات، اذ باتت سجون الفصائل الموزّعة على المدينة وريفها تعجّ بالمئات منهن، فخلال تلك المدّة اختُطف أكثر من (9008) مدني بينهم (1100 امرأة) و (600 طفل) لا يزال مصير ثُلثهم مجهولاً.
وبموازاة ذلك تُضاف إلى سجل الفصائل الموالية لتركيا الحافل بالجرائم قطع أكثر من (391900) شجرة مثمرة وحراجية، بالإضافة إلى حرق 12 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
بالإضافة إلى (1189) عملية استيلاء على المنازل والمحال التجارية والأراضي الزراعية، و312 حالة بيع لمنازل مهجّرين، والاستيلاء على الممتلكات العامة والتي تُقدّر بـ 7 آلاف محل تجاري و10 آلاف منزل وذلك بحسب ما صرّحت به منظمة حقوق الانسان عفرين – سوريا.
استهداف التاريخ السوري
تطورت انتهاكات الاحتلال التركي لتصل إلى محو تاريخ المنطقة كاملاً، وذلك عبر عمليات التنقيب عن الآثار ونهبها، وعمليات جرف المواقع الآثرية باستخدام الآليات الثقيلة والجرافات بحثاً عن اللقى والمقتنيات الآثرية من جهة، وطمس معالم المنطقة من جهة أخرى خلال مراحل متعددة من أعمال الحفر.
والمواقع التراثية البارزة في عفرين كانت من أحد ضحايا هذا العدوان، ومن ضمن مئات العمليات المتشابهة التي جرت على مدار ستّ سنوات وثّق مديرية الآثار في عفرين (55) عملية تجريف وتخريب للتلال الأثرية وأكثر من (15) مزاراً دينياً لمختلف المذاهب والأديان، وتجريف العديد من المقابر وتحويل إحداها إلى سوقٍ للماشية.
هذه المواقع الأثرية التي يبلغ عمرها آلاف السنين جُلّها مدرجة على لوائح اليونيسكو للتراث العالمي، فمنطقة عفرين تُعتبر من المناطق الأثرية الفريدة من نوعها عالمياً، وأبرزها مزار النبي هوري الذي يُعتبر من أشهر مزارات شمال سوريا، والجسر الروماني أحد أقدم جسور المنطقة، والمدرّج الروماني إلى جانب قلعة سمعان المحتوية كنيسة مار سمعان المعتبرة أكبر الكنائس في العالم، ومدينة عين دارة الأثرية وهي آبدة تاريخية تعود إلى العصر الآرامي ما بين 1200-740 قبل الميلاد.
تغيير ديمغرافي
الاحتلال التركي عمد إلى تتريك هوية عفرين وتغيير أسماء القرى والبلدات والمناطق والمرافق العامة إلى أسماء تركية، وفرضت التدريس باللغة التركية.
ولم تتوقّف التجاوزات هناك بل بلغت حدّ بناء مدن سكنية وتوطين مهجّرينَ فيها على حساب السكان الأصليين، فقد تعرّض سكان مدينة عفرين لتهجير منظّم للأهالي واستقدام لعائلات المسلحينَ ولا سيما من ريفي دمشق وحمص إلى القرى العفرينية وبناء مستوطنات بدعم تركي.
وبنت تركيا على مدار الـ 6 سنوات السابقة 5 مخيمات وجلب نحو (648) ألف مستوطن وذلك في إطار مخطط تركيا لتغيير ديمغرافية الشمال، إلى جانب هدم ثلاثة جوامع وتغيير ملامحها، وبناء أكثر من 21 تجمّع استيطاني تتوزع على المدينة ونواحيها بُنيت جميعُها على أراضي المهجّرينَ التي تم الاستيلاء عليها من قِبل دولة الاحتلال والفصائل التابعة له، ومنها (مستوطنة أجنادين فلسطين والقرية القطرية وبسمة ومستوطنة طوبا فلسطين).
وبعض الجمعيات والمنظمات التي ساهمت في بناء هذه المستوطنات هي (جمعية شام الخيرية الكويتية، الإحسان الخيرية، الأيادي البيضاء الكويتية، جمعية العيش بكرامة الفلسطينية، منظمة سوريا للإغاثة والتنمية، رحماء القطرية، جمعية الإصلاح ولجنة الأعمال الخيرية البحرينية وجمعية النجاة الخيرية الكويتية، جمعية اجنادين فلسطين، جمعية شام الخيرية، مؤسسة الرسالة الاخوانية، فلسطين 48، جمعية سخاء، منظمة يد بيد، منظمة سوريا ياردم).
نازحون يترقّبون العودة
في مخيمات الشهباء المنسية، خيمٌ مهترئة فيها نازحون، فأكثر من ثلاثمئة ألف مهجّر يترقبون العودة إلى بيوتهم، ومنذ 2018 وحتى الآن وسكان عفرين يقيمون في مخيمات وقرى وبلدات الشهباء بريف حلب ومدن وبلدات في شمال وشرق سوريا وسط مطالبات الأهالي بإنهاء الاحتلال والعودة الآمنة لمنازلهم.
ورغم مرور ستّ سنوات على اجتياح منطقة عفرين لا يزال النازحون يصرّون على العودة إلى أراضيهم وديارهم، وطالبت المهجّرة العفرينية فوزية قدور (38عاماً) القاطنة في مخيم العصر في الشهباء، المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بالنظر بعين الاعتبار لأهالي منطقة عفرين التي تحتلها تركيا، والأوضاع المأساوية التي يعيشونها في المخيمات.
وناشدت المجتمعَ الدولي بعدم التزام الصمت حيال مأساتهم، وتقديم الدعم والضمان لهم ليتمكنوا من العودة إلى ديارهم بأمان وسلام.
وفي السياق ذاته أكد رئيس “الشبكة السورية لحقوق الانسان” الدكتور أحمد خازم، أن هذا الوجود هو تدهورٌ كبير لحال حقوق الانسان في المنطقة.
وأنّه يشكّل خطراً ينعكس على الوضع الأمني وحياة المدنيين بما يرافقه من أعمال قتل وخطف واغتصاب، وعلى أوضاعهم الصحية وعلى الوضع التعليمي والاقتصادي والمعيشي ناهيك عن قيامها بعملية التغيير الديمغرافي بشكل فعلي.
شاهد/ي: السويداء ومظاهراتها في البُعد السياسي
وطالب رئيس “الشبكة السورية” بالخروج الفوري للمحتل التركي وكافة الفصائل المسلحة الإرهابية، وتحريك دعوة أمام محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
وأعتبر الجرائم التي ارتُكبت بفعل المحتل التركي وبمساندة المجموعات الإرهابية له، هي جرائم من اختصاص محكمة الجنايات الدولية وفقا للمواد 5/7/8 من نظام روما الأساسي، والتي تُعتبر بمختلف مسمياتها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
عودة عفرين والشمال السوري ينتظرها مئات الآلاف من السوريينَ المقتلعينَ من أراضيهم وبيوتهم قرب الحدود السورية التركية، فإلى متى ستظل هذه الانتهاكات تُرتكب أمام مرأى العالم والمنظمات الدولية المعنية؟! وهل ستكون هناك مبادرات لوقف هذه الانتهاكات؟ أم ستبقى السلطة في دمشق والمجتمع الدولي تتعامى عن هذه المأساة التي يعانيها آلاف المدنيين؟
لينا العلي-حلب