رغم ما يُشاع عن حالة التهدئة والاستقرار، وعودة السلطة بأشكالها الإدارية والخدمية والأمنية، والتي تشهدها محافظة درعا مدينةً وريفاً، إلا أن الواقع يدحض روايات السلطة تُجاه واقع المحافظة. درعا التي تعيش وضعاً غاية في التعقيد منذ إجراء التسويات عام 2018، وما تلا ذلك من تسويات مُلحقة، حدّدتها جُملةٌ من الشروط، تبدأ بتخفيف القبضة الأمنية في المحافظة والإفراج عن المعتقلينَ، وصولاً لمنع الملاحقات الأمنية والزّج التعسفي في سجون السلطة، لتكون خاتمة التسويات واقعاً ينعكس إيجاباً على أهالي المحافظة الذين استبشروا خيراً إبّان إجراء تلك التسويات، والتي كانت وفق ضمانة روسية، لكن وكعادتها، فإن السلطة دائماً ما تتنصل من تعهداتها، لتبقى العقلية الأمنية للسلطة هي المسيطرة على مشهد درعا مدينةً وريفاً، وضمن ذلك ثمّة بركانٌ تحت رماد التسويات.
ورغم بنود التسويات الواضحة، إلا أن السلطة لا تزال تطوّق مناطق التسويات، الأمر الذي يُعدّ انتهاكاً صارخاً لبنودها، حتى أن سكان المناطق المشمولة بتلك التسويات التزموا ببنودها، مثل دخول مؤسسات الدولة إلى درعا البلد وطفس، ورفع علم السطلة على مباني الدولة، لكن حتى الآن لم تعمل السلطة على تفعيل هذا البند المتعلق بمؤسساتها،كما إن مناطق التسويات تشهد حالة من اللا استقرار نتيجةً لعدم التزام السلطة بتلك البنود، لا سيما أن الأهالي يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة نتيجة الحصار الذي تفرضه السلطة، ومنع المشمولينَ بالتسويات من المغادرة، واستمرار ملاحقتهم وتصفية البعض منهم، وحتى حاملي هوية التسويات لا زالوا تحت نير السلطة وملاحقاتها الأمنية.
شاهد/ي: بالأرقام.. جرائم الاحتلال التركي وفصائله في عفرين السورية
إغتيالات ممنهجة لعناصر التسويات
واقع المحافظة يؤكد بأن التسويات لم تؤدِّ الغرض المطلوب منها جوهرياً، إذ لا تزال هناك حالة من الخوف لدى الأهالي في مناطق التسويات. هو خوفٌ حددته ممارسات السلطة وأجهزتها الأمنية، ومحاولة تعزيز الأخيرة قبضتها الأمنية، من خلال الملاحقات الأمنية والاغتيالات وحتى فرض الأتاوات على السكان، فضلاً عن سرقة المحاصيل والأغنام؛ هذا الأمر أجبر الكثيرينَ من شباب مناطق التسويات على نقض ما نصّت عليه الاتفاقيات التي تعهدت بموجبها روسيا على عودة الحياة إلى سياقها الطبيعي، وهذا الأمر دفع العديد من سكان مناطق التسويات إلى العودة مجدداً للسلاح، لحماية مناطقهم وممتلاكتهم من عمليات السطو التي تنتهجها مجموعات تتبع للسلطة بحسب تأكيد الأهالي.
التسويات في بُعدها الآخر
الناشط الإعلامي، باسم المحاميد (39 عام) من مدينة نوى يقول، “إن سياسة التهديد والقصف أجبرت الأهالي على توقيع اتفاق المصالحة في درعا، الأمر الذي أدّى وبشكل مؤقت إلى هدوء نسبي انعكس على عودة عدد من الأهالي للمنطقة، ولكن السلطة لا زالت في ذات العقلية حيث اتّبعت أسلوب العقاب الجماعي عن طريق حرمان الأهالي من الخدمات الرئيسية، وهذا الأمر انعكس على وضع أهالي درعا وساهم بمزيد من الفقر و العوز”.
يُضيف المحاميد، “محاولات السلطة مستمرةٌ لاستغلال اتفاق المصالحة والتسويات بُغية التغلغل داخل مناطق التسويات وسوق أبنائها لزجهم في الصفوف الأمامية للقتال ضمن جيش السلطة، وبهذا تُحقق السلطة غايتها، بمعنى من لن تستطع قتله قبل التسويات ستتمكن من قتله فيما بعد”.
بحسب المحاميد، فإن السلطة تقوم بتطبيق تلك السياسات وتُحيّد بنود الاتفاق وتضغط على الأهالي بغية إجبارهم على النزوح من مناطق التسويات وتحديداً الحدودية مع الأردن والقريبة من محافظة السويداء، من أجل الاستحواذ على تلك البقع الجغرافية وإبقائها في يد السلطة وحلفائها، لغايات صناعة المخدرات وتهريبها إلى الأردن ولاحقاً لدول الخليج.
تسويات غايتها المخدرات
حين طرحنا ما قاله المحاميد والمقاربة المتعلقة بما يجري وتفريغ المناطق لتحويلها إلى مناطق صناعة “الكبتاغون” وتهريبها تحت إشراف الفرقة الرابعة إلى دول الجوار، أكده نوار ع (33 عام)، وهو متطوّع سابق في صفوف ما يُسمى قوات الأصدقاء، إذ قال: “التسويات ليست إلا غطاء سياسي لقتل الذين حملوا السلاح في وجه النظام، وكانت تأتينا الأوامر من قبل قيادة الفرقة 15 أثناء إجراء التسويات من أجل إبقاء من يريد التسوية تحت حالة من الضغط النفسي، وأذكر ذات مرة، أنه في منطقة درعا البلد جاءت مجموعة إلى مبنى البلدية ترغب بتسليم سلاحها وإجراء تسوية، لكن تم اعتقالهم، الأمر الذي أثار حفيظة الأهالي وسخطهم.”
يتابع نوار قائلاً، “هناك صراع خفي بين روسيا والسلطة من جهة، وإيران والفرقة الرابعة من جهة أخرى”.
هذا الصراع هو على النفوذ والاقتصاد، وضمن ذلك الانتقام من المجموعات التي عملت مع روسيا وتلك التي عملت مع إيران، وهذا الأمر أدى إلى إشعال محافظة درعا بالكامل، وتحويلها إلى ساحة تصفيات يومية تعمها الفوضى، وهذا ما نشاهده عبر الإعلام الرسمي لجهة انفجار عبوة ناسفة بإحدى الدوريات التابعة للسلطة، أو استهداف مختار مدينة محددة أو ناشط على مستوى المصالحات، وتفجير هنا أو هناك، الأمر الذي أدى إلى عدم استقرار واضح المعالم سرعان ما طفى على السطح.
شاهد/ي: كيف يستفيد “داعش” من استهداف قواعد التحالف في سوريا
تسويات فاشلة
واقع المحافظة يؤكد أن نموذج المصالحة فشل بالمطلق، كما أن نموذج المصالحات في عموم الجنوب السوري والتي جاءت بضمانات روسية، لم تستطع تحقيق أدنى مستوى من الاستقرار أو تأمين الحد الأدنى من الخدمات العامة اللازمة للعيش. وبدلاً من ذلك، ثمة تصعيدٌ عسكري واضح يتميز بالتصفية والصراعات بشكل شبه يومي، وفي المقابل فإن نموذج المصالحة والتسويات، يؤكد بأن السلطة غير قادرة على استعادة هيبتها في مناطق التسويات، وغير قادرة على إعادة الأمن والاستقرار في ظل ما تنتهجه من سياسات إقصائية انتقامية، الأمر الذي بات واضحاً لجهة أن السلطة وحلفاءها غير قادرين على إيجاد حلٍّ سياسي مستدام في سوريا، خاصة أن غالبية السوريين فقدوا الثقة بالمطلق بتلك السلطة، وبالتالي لابدّ من وجودٍ دولي وإقليمي يساهم في الحل السياسي، ويضمن سلامة الناس وأمنهم في مناطق التسويات وغيرها.
تعميم الفوضى وحالة اللا استقرار
السلطة ومن خلال سياسة المصالحة، اعتمدت سياسة مُبطّنة لخلق الفوضى أولاً، وإجبار الأهالي على النزوح الصامت من مناطق التسويات، و قيام السلطة بتغيير ديمغرافي في مناطق التسويات والمصالحات، ولنا في تجربة درعا خير مثال على سياسة السلطة وغايتها من التسويات، إذ يُظهر نموذج المصالحة فشل ذريع كـ مقاربة لاستعادة قدر من الاستقرار في المناطق التي سيطرت عليها السلطة، ناهيك عن أن التسويات لا تُحقّق نموذجاً يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال مناسباً في سياق تحقيق الأمن والاستقرار، وعليه فإن سياسة السلطة في تظهيرها لنموذج المصالحات لا يمكن تطبيقه بنجاح في أي مكان في سوريا، خاصةً في الأماكن التي يتواجد بها عددٌ كبير من العائدين أو النازحين، مثل شمال سوريا.
وليد السكري- درعا