مع دخول الاحتجاجات في السويداء شهرها السابع، ثمّة مناحٍ جديدة أفرزها الحِراك السلمي والذي يكسب يوماً بعد يوم زخماً متزايداً، إذ لم تقتصر الاحتجاجات في السويداء على سياق واحد بمطالب واضحة لجهة رفع الشعارات التي تطالب بالانتقال السياسي، بل ثمّة معاييرُ جديدة اعتمدها الحِراك عَبر تنويع فعالياته وإشراك المجتمع المدني في الحِراك عبر تشكيل لجانٍ شعبية تعمل على مراقبة مؤسسات السلطة، الأمر الذي يفرض مقارباتٍ مغايرة لطبيعة وماهية الاحتجاجات، وحتى على مستوى مآلات هذا الحِراك السلمي، بما يؤسّس لمشهدٍ جديد في محافظة السويداء مدينةً وريفاً.
في المقابل فقد بات واضحاً أن السلطة فقدت قدرتها على احتواء الحِراك وتأطير تداعياته، رغم محاولاتها الكثيرة لإفراغ الاحتجاجات من مضمونها، عَبر التصويب على الحِراك ووصفه بالانفصالي الذي يُدار من الخارج ومجموعة من المرتبطينَ بالأجندات الإقليمية والدولية، إلا أن ذلك يُجافي الحقيقة جملةً وتفصيلاً، بدليل استمرار الاحتجاجات بطابعها السّلمي، وانضمام كلّ المكوّنات في السويداء لهذا الحِراك، مع اتخاذ خطوات مدروسة تصبّ في سياق تحقيق مطالب الحِراك، عَبر الإصرار على الانتقال السّلمي وفقاً للقرار الأممي 2254.
شاهد/ي: تهديدات “داعش” حاضرة وتثير المخاوف حول “عودة”
السلطة كانت تراهن على أن تفقد الاحتجاجات في السويداء زخمها مع مرور الوقت، لكن ما حصل فاجأ السلطة وأبواقها على السواء، خاصة أن الحِراك السّلمي انتقل إلى مستويات جديدة لا سيما مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات وتوسّعها، لتتحول إلى انتفاضة شعبية منظّمة، إذ لا تزال ساحة الكرامة في مركز مدينة السويداء، مسرحاً للتظاهرات من الصباح حتى المساء، فالأمر لم يقتصر على مطالباتٍ بتعديل الواقع الاقتصادي والمعيشي فحسب، بل ثمّة شعارات سياسية تطالب بالتغيير والانتقال السّلمي، وإسقاط منظومة الفساد التي تديرها السلطة، وإطلاق سراح المعتقلينَ، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
الأمر الجديد والبارز في مسار حِراك السويداء، أن جُلّ الشعارات التي أُطلقت لم تكن مؤطّرة بفئات اجتماعية محددة، والأهم أن هذه الشعارات لم تكن مستوردة من الخارج، بل جاءت من صميم آلام السوريين ومعاناتهم، بحسب ما أشار إليه المحامي ربيع سلام الدين ( 51 عام) من سكان مدينة السويداء.
المحامي ربيع، يؤكد أن الحِراك في السويداء أطلق شعاراتٍ تنسجم مع الهوية السورية، وما يدعم الحِراك أكثر وأكثر هي المرجعيات الدينية وعلى رأسها الشيخ حكمت الهجري، وما قاله الشيخ الهجري يعكس مطالب عموم السوريين وليس أهالي السويداء فحسب، فكلّ السوريينَ يريدون دولة علمانية مدنية ديمقراطية، من دون تمييز حزبي أو طائفي، وبالتالي فإن هذه المطالب تعكس تغيّراً جذرياً في وعي الشعب السوري، الذي يرى أن حقوقه ومصالحه لا يمكن أن تُحفظ بالولاء لنظام فاسد، بل بالمشاركة في بناء دولةٍ جديدة تضمن له الحرية والعدالة والكرامة.
في ذات السياق، فإن الحِراك في السويداء انتقل إلى مستويات جديدة. هي مستويات أفرزت ما يمكن تسميته رقابة شعبية على عمل مؤسسات السلطة في السويداء مدينةً وريفاً، ولعل اقتحام المتظاهرين بطريقة سلمية لمؤسسات السلطة كـ الكهرباء والمياه، يعكس مؤشرات واضحة لجهة الانتقال من مرحلة الشعارات إلى مرحلة الإدارة الشعبية لمجمل مناحي الحياة في السويداء. ترجمة هذا الأمر جاء عَبر بيان موجّه من إدارة الحِراك إلى مؤسسات السلطة في السويداء، بضرورة فرض رقابة شعبية ومن قبل مختصينَ على عمل تلك المؤسسات، وملاحقة الفاسدين وفضح أعمالهم، والأهم أن الحراك أفرز لجنة متابعة مع المدراء القائمين على مؤسسات السلطة، ومراقبة أعمال كل المؤسسات بما يمنع السرقة والفساد، وبما يمنع السلطة أيضاً من تنفيذ مصالحها.
الناشط المدني وحيد س( 47 عاما) من أهالي السويداء ويقيم في دمشق، أكد أنه بعد دخول الحِراك السلمي في السويداء شهره السابع، ثمة وقائع جديدة لا يمكن التغاضي عنها في سياق الحراك، فـ لغة الحوار والتشاور بين مُنظّمي الحراك والمحتجين هي السائدة، حتى أن نقابات المجتمع المدني من أطباء ومحامين ومهندسين انضمت وأيّدت الحراك، الأمر الذي تكونت بموجبه مجموعةٌ من التيارات السياسية والثقافية، وهنا ما يهمّ السوريين عموماً، فالحراك أفرز واقعاً جديداً في المحافظة، وجرى الانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها مراقبة مؤسسات الدولة، وفضح فسادها وكشف تقصيرها الفادح في خدمة المواطنين.
يؤكد الناشط المدني وحيد، بأن الحِراك في السويداء مستمرٌّ، وثمة قضايا جديدة يتم الاتفاق عليها بين قيادات الحِراك ومنظّميه مع الأهالي، بغية المحافظة على زخم التظاهرات واستمرارها. وعقِب سؤال وحيد عن إمكانية حدوث انقسامات في طبيعة الحراك، أكّد صراحة أن هذا الأمر وارد، لكنها لن تكون انقسامات على جوهر ومضمون الحراك، ولا يمكن لأحد أن ينكُر بأن داخل الحراك هناك شخصيات سياسية واقتصادية وثقافية لديها رؤى وأفكار مختلفة، وأيضاً لا زال هناك بعض الأشخاص يؤيدون السلطة، وإن كانت أعدادهم قليلة، لكنّنا نحترم جميع الآراء، وهذا ما أردتُ توضيحه لجهة القضايا التي يتم الاتفاق عليها بين قيادات الحِراك ومنظميه مع الأهالي، بغية المحافظة على زخم التظاهرات واستمرارها.
وختم وحيد قائلاً، “نحن في الحِراك نؤمن بالاختلاف السياسي، وأي اختلاف يُحل عبر المناقشة والحوار الموضوعي، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فإن الاختلاف لا يعبّر عن انقسامات حادة داخل الحراك، إطلاقاً، بل هو أمرٌ صحي لتقويم أي خلل لا نراه ويراه غيرنا، وبالمجمل هناك رفضٌ للأوضاع التي كانت سائدة قبل انطلاق الحِراك، والدليل على ذلك أن السلطة لم تستطع تنظيم مسيرة موالية واحدة لها خلال أشهر الحراك، وهذا يُعد أمراً مهماً، فالمحافظة التي لا يتجاوز عدد سكانها 500 ألف نسمة، أصبحوا جميعاً حاضنة اجتماعية شعبية قوية للحِراك”.
أهالي السويداء وبقية السوريين يدركون أن السلطة في حالة ضعف وتفكك، الأمر الذي سيمنعها من استخدام القوة كـ حلٍّ أمني لفض الحراك في السويداء، وبالتالي قد تراهن السلطة على إفشال الحِراك من الداخل، عَبر حالة الملل التي قد تصيب المتظاهرين جرٍاء عدم قدرتهم على تغير الواقع السياسي في سوريا، لكن وبحسب سلام ع( 39 عاما) وهو صيدلاني وناشط مدني، “إن ما تراهن عليه السلطة هو رهان خاطئ، فأهالي السويداء خرجوا من بوتقة التردّد والخوف، ولن يعودوا إليها مطلقاً، وأهالي السويداء مستمرّين نحو الحرية وتحقيق مطالبهم بدولة مدنية ديمقراطية”.
وعند سؤاله عن إمكانية حدوث توافق مع محافظات الجنوب “درعا والقنيطرة”، وإمكانية تعميم الحراك وصولاً إلى هيئة لإدارة المحافظات الثلاث، أكد أن هذا الأمر مرفوض، ونحن على تواصل مع الأهالي في محافظتي القنيطرة ودرعا، وهم مؤيدون لنا في الحِراك والمطالب، لكن واقعهم يختلف ببعض المعطيات عن واقعنا في محافظة السويداء، وللتأكيد فإن الجميع في تلك المحافظات لا يريدون التشظي، فهذا جوهر ما تريده السلطة حيال سوريا مقسّمة ومتشظية، وهذا ما ناقشناه صراحةً في الحراك مع وجهاء محافظتي القنيطرة ودرعا، فنحن نريد سوريا واحدة تنعم بالحرية والديمقراطية والعدالة بعيداً عن السلطة.
شاهد/ي: حراك السويداء ومستقبلها بعيون معارضي الساحل
يُضيف الصيدلاني سلام، “استمرارية التظاهرات والحراك في السويداء عنوانها طي صفحة السلطة، وهذا أيضاً ما نتشاركه مع المحافظات الجنوبية، فالسلطة أوصلت سوريا والسوريين إلى درجات مأساوية من الانقسام والجوع والفقر وانعدام مقومات العيش، ورغم ذلك فنحن نُصرّ على الحراك السلمي المدروس للوصول إلى أهدافنا وأهداف كل السوريين، فالحراك مستمرٌّ وكل الاحتمالات مفتوحة أمام مستقبل الحراك”.
التظاهرات في السويداء تتسع، وثمة أعدادٌ قياسية تشارك في التظاهرات، والأمر اللافت أن سكان غالبية المناطق يتوافدون إلى ساحة الكرامة، وفي المقابل فإن أهالي السويداء يقومون بزيارات إلى عموم المناطق في المحافظة للإبقاء على زخم الحراك، والتأكيد على المطالب الشعبية للحراك السلمي، وربطاً بذلك، فإنه ومنذ بدء الحراك في السويداء، عمدت السلطة إلى مواجهة الحراك والتظاهرات، وذلك عبر الضغط على بعض وجهاء المحافظة، وفي بعض الحالات فقد تم استخدام العنف لكن دون بصمات السلطة، كما سعت السلطة في بعض الأحيان إلى خلق طابور خامس، بغية العمل على إنشاء حالة من التخبط في صفوف الحِراك، وإخراجه عن مضمونه وأهدافه، إلا أن أهالي محافظة السويداء مدينةً وريفاً لا زالوا ضمن سياق واحد، والتركيز على مضامين محدّدة لجهة تطبيق الانتقال السياسي ورحيل السلطة وفق قرار مجلس الأمن 2254، ولا توقّف حتى الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية حرة.
عمر الصحناوي- السويداء