احتجاجات السويداء واستمرارها وتصاعدها واتساع نطاقها، هي عوامل وجّهت ضربة موجعة للسلطة في دمشق، لا سيما أن السويداء وخصوصيتها في النسيج الاجتماعي والديمغرافي في سوريا، كانت دائماً نقطة توازن في سياق السياسة التي تتّبعها السلطة، فالمحافظة ذات الأغلبية الدرزية، مثّلت في بداية الحِراك السوري تحوّلاً هاماً في المستقبل السياسي لـ سوريا، ولعل مراهنة السلطة لجهة امتلاكها قرار محافظة السويداء عَبر شيوخ العقل، وعطفاً على سردية السلطة بأنها حامية الأقليات، الأمر الذي سوّقته السلطة وضمنت من خلاله بقاءها ممسِكة برقاب السوريينَ، حتى عادت السويداء إلى واجهة الحدث السوري، عَبر مظاهراتٍ مثّلت في العقلية السورية استمراراً لنهج السوريينَ الواضح، حيال سلطةٍ استأثرت بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي ضماناً لبقائها، إلا أن الحِراك في السويداء وضع السلطة أمام واقعٍ جديد بعناوين سياسية جديدة، وبصرف النظر عن توصيفات عدم اهتمام السلطة بالحِراك وتأثيراته، لكنها تراقب بحذر تطورات الأحداث في السويداء، وتبني مقاربتها تُجاه ما يحدث، لكن الحدث بحدّ ذاته أحرج السلطة، لتبدو في أفق ذلك تطوراتٍ جديدةٍ ستؤطّر حِراك السويداء.
صحيحٌ أن السويداء لم تنخرط بشكل مباشر في الحِراك ضد السلطة منذ 2011، لكن السويداء باتت ضمن منظور السلطة المؤطّر بـ “إن لم تكن معنا فأنت ضدنا”، ورغم محاولات السلطة التأسيس لواقع جديد في جنوب سوريا، قوامه تجييش درعا والقنيطرة ضد السويداء، لاضعافها وتحييد تأثيراتها المستقبلية، والأهم أن السلطة حاولت إحداث بلبلة طائفية في الجنوب السوري، إلا أن وعي أبناء الجنوب السوري أجهض محاولات السلطة في إثارة الفتنة، وإغراق الجنوب في فوضى الفساد والميليشيات وشبكات التهريب والمخدرات.
شاهد/ي: تهديدات “داعش” حاضرة وتثير المخاوف حول “عودة”
موقف السلطة العِدائي
لا تزال السلطة الحاكمة في دمشق، تكنّ العداء لـ محافظة السويداء، وهذا النهج تعتمده السلطة تجاه أيّ فئةٍ تنتقد أو تعارض سياستها، ونتيجة لذلك فقد بادرت جهاتٌ تتبع للسلطة، إلى الإدلاء باتهامات ضد المحتجينَ في السويداء، حيث اتّهموهم بالسعي نحو الانفصال، والمساهمة في تفتيت الوطن والركون إلى مشروعات خارجية. هذه الاتهامات التي يتكرر استخدامها من قِبل السلطة وأنصارها لوصف المعارضينَ، تُمثّل السردية التي استخدمتها السلطة لتبرير الهجمات العسكرية على المدن وأهلها.
ورغم استخدام السلطة لقواتها العسكرية واستهداف مناطق الاحتجاجات بشتّى أنواع الأسلحة، إلا أن وحيد العربي( 46 عام) وهو ناشط سياسي، استبعد أن تقوم السلطة بذلك لمواجهة الحِراك في السويداء، ويعتقد وحيد، بأن استخدام القوة من قِبل السلطة قد لا يكون هو السبيل الأمثل للتعامل مع الاحتجاجات في السويداء وفق منظور السلطة، وحسب وحيد، فإنه يتعيّن على الحِراك في السويداء التعامل بدقة مع التعقيدات المحلية والإقليمية، وينبغي للحِراك مراقبة خطوات السلطة وردّات فعلها، وأكد وحيد، أهمية إبقاء مطالب الحِراك واضحة بُغية المحافظة على تحقيق التوازن بين الرغبة في الحرية والكرامة والانتقال السياسي، حتى لا تُمنح السلطة الفرصة لتشويه صورة الحِراك.
ويتابع وحيد قائلاً، “صحيح أن طريقة السلطة في تعاطيها مع حِراك السويداء، تُنبئ بمحدودية الخيارات لدى السلطة، والخيار العسكري لا يبدو خياراً وارداً في ظل الأوضاع الحالية للسلطة والمنطقة، وحتى المجتمع الدولي لن يسمح للسلطة الإقدام على هذا الخيار، لكن رغم ذلك، فإن غياب الخيار العسكري، لا يعني إطلاقاً بأن السلطة استسلمت للحِراك في السويداء، بل على الارجح فأنه لدى السلطة خيارات بديلة، إذ قد تلجأ لعمليات أمنية صغيرة هدفها تشتيت الحِراك، وأخذه إلى أماكن أُخرى، ولعل ارتقاء أول شهيد في الحِراك منذ بدايته، يؤكد ما ذكرت”.
أطر تنظيمية بديلة
في ظل غياب الحالة السياسية المُثلى في سوريا، جرّاء تعنت السلطة وسياساتها القمعية، الأمر الذي لم يفرز أحزاباً سياسية قادرة على فرض رؤاها، أو مواجهة حزب السلطة، أو تبنّيها الحِراك الشعبي في السويداء لبناء واقع سياسي واقتصادي واجتماعي جديد، من هنا تبرز أهمية وجود أُطر تنظيمية بديلة، مثل الروابط العشائرية والعائلية إضافةً إلى مرجعيات دينية مثل “مشيخة العقل” بالنسبة للدروز وذلك بحسب محامٍ من السويداء رفض الكشف عن إسمه لاقامته في دمشق.
المحامي أكد أن للزعامات البديلة قدرة على توجيه وتنظيم الحِراك المجتمعي، كما تُصبح مُلزمة بتبني موقف سياسي والتدخل في توجيه الخطاب العام وضمان شرعيته، لكن مع ضرورة وجود ضوابط تحكم تلك التدخّلات، وأن يكون تدخّلها مؤقتاً ريثما يتم تغيير الواقع السياسي في سوريا وإبعاد السلطة.
ورغم الحذر في الطرح السابق، إلا أن المحامي يؤكد بأن السلطة تحاول ربط الحِراك بالتدخّلات الخارجية، لذلك فإن الحالة العشائرية أو الطائفية هي من أبرز الأسباب التي جعلت السويداء تلعب دوراً بارزاً فيما يخص الحراك الشعبي في المحافظة.
مازن (اسم مستعار) وهو صحافي سوري ، أفاد بأن خطاب السلطة لا يشي بأي تغيير سياسي أو اقتصادي، الأمر الذي أسهم كثيراً في تأجيج المظاهرات في السويداء، وتبنّيها لمطلب رحيل السلطة، لأن قادة الحِراك الشعبي في السويداء أدركوا أنه في ظل هذه السلطة لا يوجد أي أمل في أي تغيير، وأشار أن السويداء ليست لديها ما تخسره، إذ إنها على مدار السنوات الماضية عانت من سوء الوضع الاقتصادي والفوضى الأمنية المقصودة من طرف السلطة، وأبرز مظاهرها ترويج المخدرات في المجتمع بقصد تشتيته.
شاهد/ي: احتجاجات السويداء.. منحىً جديد بزخم متزايد
مستقبل الاحتجاجات
حول مستقبل الحراك في السويداء، ألمح الناشط عُدي مراد، إلى أن السلطة قد تتّجه إلى افتعال مشكلات أمنية في المحافظة، معتمدةً على بعض المجموعات المسلحة المرتبطة بها ودفعها إلى تنفيذ تفجيرات أو تسهيل عمليات تنظيم “داعش” الإرهابي، بهدف التأثير على زخم الحِراك وخفض عدد المشاركين فيه، وأكد عُدي أن ما حدث قبل أيام لجهة إطلاق النار على المتظاهرين قد يكون لجس نبض الأهالي وتفاعلهم، وربما إجبارهم على الانجرار لمخطط السلطة، لكن وعي القيادات والاهالي أحبط ما تُحيكه السلطة وأبواقها.
في ذات الإطار فإن ناشطينَ وصحافيينَ من السويداء قالوا، إن أبواق السلطة ومؤيديها ألمحوا قبل أيام ومن خلال صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هناك احتمالية لدخول انتحاريينَ وإرهابيينَ إلى محافظة السويداء، مما زاد المخاوف من افتعال أحداث أمنية في المحافظة، الأمر الذي دفع بإدارة الحِراك إلى وضع خطط لحماية حدود المحافظة، وتسيير دوريات على مدار الساعة ضمن المدن والقرى، لمنع أي حالة تسلّل لانتحاريينَ، والتصدي لأي محاولة لزعزعة الحِراك في السويداء.
مع استمرار الاحتجاجات في السويداء ودخولها الشهر السابع، وزيادة أعداد المشاركينَ وتميزها بمشاركة نسائية كبيرة وحضور بارز لمشيخة العقل وشمولها شخصيات من جميع طبقات المجتمع؛ أصبح المتظاهرون أكثر جرأة في مطالبهم، وربطوا بين الحياة الكريمة والخروج من الأزمة الاقتصادية، وبين ضرورة تغيير جذري في السياق السياسي السوري، ورغم محدوديتها الجغرافية، إلا أن الحِراك في السويداء يمكن وصفه بأنه موجة جديدة من الحِراك المعارض لسلطة أصرّت على احتكار قيادة الدولة ومواردها لعقود، مع عدم قدرتها على رفع الأجور أكثر من 2 بالمئة، وهو ما يعادل نحو 200 ألف ليرة سورية، في حين تصل كلفة المعيشة إلى 10 ملايين ليرة. وبالتالي، لم تقتصر شعارات الحِراك على الاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية فقط، بل تطورت لتشمل المطالبة بتحولات سياسية جذرية، ومنها رحيل السلطة وتطبيق القرار 2254.
عمر الصحناوي- السويداء