في المادة 42 من الدستور السوري، التي تؤكد بأن حرية الاعتقاد مصونة وفقاً للقانون، ولكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أوالكتابة أو بوسائل التعبير كافة، لكن تلك المادة من الدستور السوري تُخرق وتُعدّل وتُحييد وفقاً لأهواء السلطة وما تُريده كـ منطلق لإحكام قبضتها على السوريين، ومنعهم من إبداء رأيهم في أي شأن يمسّ واقعهم المعيشي أو الاقتصادي وحتى السياسي، ليكون الدستور السوري نتيجةً لذلك سيفاً مُسلّطاً على رقاب السوريين، ولا يعدو عن كونه حبراً على ورق ونصوص فكاهية يتداولها السوريون للترفيه حيناً، وللأسف على واقعهم أحياناً أُخرى.
لن نتعرض للمواد التي يحتويها الدستور السوري، فـ جُلّ هذه المواد مدعاة للسخرية، وفي الأصل لا تُطبّق، فالنصوص شيء وتطبيقها واقعاً شي مُختلف بالكليّة، وبنظر السوريين، فإن الدستور ومواده يأتي على مقاس السلطة، وأيُّ تعدٍّ على تلك النصوص والمواد الواهية، تُعرض مرتكبيها لـ تُهم بقوالب محددة، على رأسها “النيل من هيبة الدولة”.
شاهد/ي: الحوار السوري – السوري وضرورات تفعيله
جديد مسرحيات السلطة، أن التضامن أو إبداء الرأي في أي حدث سوري، يخالف أهواء السلطة وتوجّهاتها، سيؤدي حُكماً للاعتقال والملاحقات الأمنية والقضائية، فـ السلطة بناءً على ذلك هي جسد واهي، تؤثر به الكلمة، والسلطة في هذا الإطار تخشى الكلمة والرأي الحر، ” النظام الذي يخشى من كلمة وترتعد أركانه من رأي مُخالف هو نظام هشّ” هذا ما قاله أحد النشطاء السياسيين حين زُجّ في السجن لمدّة ثمانية أشهر جرّاء التعبير عن رأيه في طوابير الغاز والمازوت والخبز، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا تُعد ولا تُحصى.
وعليه فإنه لا مجال لذكر الحالات العديدة التي تؤكد بأن السلطة هي مَن تخرق الدستور، لكن مؤخراً لا بد من الإشارة إلى ما تعرّض له الصحفي محمود ابراهيم في طرطوس، جرّاء التعبير عن رأيه في حِراك السويداء السلمي، الأمر الذي تعرّض بموجبه للملاحقات الأمنية والقضائية، والأسباب “خرق الدستور”.
الصحافي محمود ابراهيم من طرطوس، كان يعمل كـ صحفي في مكتب جريدة الثورة، وقد أعلن في منشور على صفحته الشخصية أنه سيقوم بتسليم نفسه إلى القضاء بعد ملاحقته لأشهر وما سبق ذلك من إجراءات تعسفية كان إحداها فصله من عمله.
محمود أعلن بكل أخلاقه وقيمه وشجاعته، أنه ليس نادماً لدعمه حِراك السويداء، الذي لم يشاهد به سلاحاً أو أي تضاد لقانون التظاهر في الدستور السوري الحالي الذي يُتهم بخرقه الآن، وأنه سيبقى على موقفه هذا، أمّا فيما يتعلق بـ اتهامه بالنيل من هيبة الدولة ” فعلا .. اللي استحوا ماتوا”، فهذه تُهمة مُضحكة في مزرعة لا دولة يتم قصف هيبتها ودكّ كرامتها يومياً.
ورغم الواقع الأليم الذي يؤطّر المشهد السوري بكل عناوينه الاقتصادية والمعيشية، إلا أن السلطة لا تزال تسعى إلى تعزيز سيطرتها على الشعب السوري، وتعاقب “وفقاً للقانون” كلّ مَن ينشر أخبار “تنال من هيبة الدولة”، وما شُرع أخيراً من قِبل السلطة حيال القانون الجديد رقم 15، والذي يُضاف إلى التشريعات التي تحدّ من حرية التعبير في سوريا، ما هو إلا مزيداً من التضيق على السوريين، واجبارهم على ابتلاع آلامهم.
شاهد/ي: “أستانا” ضمن أهواء السلطة وفي عمق مصالح حلفائها
وفي الوقت الذي تزداد به الحياة ضيقاً على السوريين مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، وفي الوقت الذي بات أكثر من 96 بالمئة من السوريين يعيش تحت خط الفقر، تستمر السلطة في سياساتها الرامية إلى إحكام قبضتها الأمنية، من خلال كبت أي صوت يجرؤ على الانتقاد أو حتى “النيل من هيبة الدولة”، حسب التعبير المذكور في قانون العقوبات.
“هيبة الدولة، المساس بمكانتها، تحسين صورة دولة معادية، بث اليأس أو الضعف”، وغيرها الكثير من المصطلحات الفضفاضة، والتي تُشكّل جزءاً من نصوص هذه العقوبات، والتي تجعل السوريين معرّضين لخطر الاعتقال بناءً على تفسير خاص لمنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، فـ المساس بمكانة الدولة قد يكون عبر الكلام مثلاً عن غلاء أسعار المواد الغذائية، أو المحروقات، أو انقطاع الكهرباء وغيرها من أدنى الخدمات الأساسية التي يفتقر إليها المواطن السوري، فما بالكم بتأييد حراك شعبي مناهض للسلطة!، فـ ذلك من عظائم الأمور.
عمار المعتوق-دمشق