Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية ضد السلطة في دمشق، والتي كانت أحد أهم مفرزات الرّد العنيف من السلطة عليها واندلاع حرب مسلحة وظهور تنظيمات متشددة، تعمّقت ظاهرة الفساد في الساحل السوري وأدت لتحوّل السلطة بسياساتها القمعية واللامبالية بمصير الشعب السوري لمنظومة تدمّر ماتبقى من هيئات خدميّة للسكان وأهمها القطّاع الصحي، فقد شهد قطاع الصحة في الساحل السوري تحوّلات كبيرة في العقد الأخير، بعد أن كان حجر زاوية في دعاية السلطة في دمشق التي تدّعي سياسة العدالة الاجتماعيّة أو ما يسمى اقتصاد السوق الاجتماعي، حيث بدأت الخدمات الصحيّة في مشافي القطّاع العام بالتدهور تدريجيّاً، نتيجة ضعف إنفاق السلطة في دمشق كعامل رئيسي، بينما لعب الفساد والسرقات ونهب المال العام على تدمير ماتبقى من خدمات تقدّمها هذه المشافي، وعلى المقلب الآخر شهد قطاع الدواء عدّة أزمات أغلقت بوادر حلول قد يسعى إليها سكّان الساحل السوري لتدارك الكارثة، حيث شهدت أسعار الدواء ارتفاعات متتالية وكبيرة، ليصبح الدواء مكلفاً جداً وثقيلاً على كاهل السكان، كما فُقدت العديد من الأدوية في السوق المحليّة دون بدائل واضحة من وزارة الصحة تاركةً الأمر للمهرّبين لسد فجوات الدواء والإمعان في إذلال السكّان وإضافة نفقات خياليّة على تأمين بعض الأدوية، حيث حاصرت السلطة في دمشق الكثير من معامل الدواء وأرغمتهم على دفع جزيات وضرائب وأرغمت بعضهم على الدخول في شراكات مع متنفّذين من السلطة لتزيد في أزمة الدواء وتعمّق الكارثة، نحاول في هذا التقرير الكشف عن حالة القطاع الصحي في الساحل السوري والوقوف على الأسباب الرئيسيّة التي أدت لهذه الكارثة، بعد أن قمنا بعدّة لقاءات مع أطباء وعاملين في القطّاع الصحي ونشطاء وضّحوا لنا صورة مايحدث.

شاهد/ي: مدينة حمص وهواجس العودة إلى المربع الأول

مشافي القطاع العام أزماتها

يتوزع حوالي خمسة عشر من المشافي العامّة على مدن الساحل السوري ويعتبر مشفى تشرين الجامعي من أضخم المشافي في الشرق الاوسط من حيث عدد الأسرّة، لكنّ خدماته ناقصة ومكلفة أكثر من القطّاع الخاص في كثير من الحالات، حاله كحال باقي مشافي الساحل السوري، إذ إن الطبيب لا يقوم بإجراء أي عمليّة جراحيّة دون أن يتقاضى أجره في عيادته الخاصة أو في المشفى، كذلك طاقم العمليّات يريد أجراً مماثلاً من المرضى، كما أنّ خدمات مثل تصوير الرنين المغناطيسي والطبقي المحوري معطّلة في جميع مشافي الساحل، وبشكلٍ مقصود في صفقات واضحة للعيان بين مراكز التصوير الخاصة والإدارات التي تشغّل هذه المشافي، إذ إن الراتب الحكومي لايعتبره الأطباء أجراً بل مبلغاً ضئيلاً تجاه أجورهم التي يتقاضونها جرّاء القيام بأي عمل جراحي، حيث يتقاضى الطبيب مليون ليرة لأبسط العمليات الجراحيّة، هذا ماوضّحه لنا الكثير من الأطباء والعاملين في المشافي العامّة، وفي لقاء خاص مع طبيب عامل لثلاثين عاماً وكان رئيساً لأحد الأقسام الجراحيّة، فضّل عدم الكشف عن اسمه أو مكان عمله، فصّل لنا آلية عمل المشافي، إذ إن إدارة المشفى والأقسام الحساسة تعيّن بالواسطة ومن قبل ضبّاط متنفذين في السلطة، وهؤلاء يقدمون المنصب كمورد مال كبير بالتأكيد يريدون حصتهم منه، إذ إن هذه المناصب المهمّة وموارد المال الفاسد الغنيّة لايمكن أن تمرّ إلا عبر (عمق السلطة في دمشق، حيث يسيطر أشخاص قليلون على كل مفاصل الدولة) حسب تعبيره، موضحاً أن منظومة الفساد مشكّلة بعناية، ولها أعرافها وقوانينها التي تضمن سير الأموال باتجاه واحد، كما تضمن تدمير ماتبقى من مؤسسات الدولة.

غلاء القطاع الخاص وأزماته

تنتشر المشافي الخاصة في جميع مدن الساحل السوري، وهي غالباً مشافٍ صغيرة بعدد أسرة لايتجاوز الخمسين سريراً ولكن تتواجد بأعداد ضخمة حيث رصدنا وجود أكثر من خمسين مشفىً خاصّاً في الساحل السوري، وتعتمد أسعار هذا القطّاع بشكل كبير على سعر صرف الدولار وعلى التضخم، لذا فإن تكلفة الاستشفاء فيها باهظة الثمن وتبتعد كثيراً عن قدرات السكان المحليين على مواكبتها، حيث يقول الطبيب عمران. ك( 56 عاماً) “ظاهرة المشافي الخاصة في طور الاختفاء” فمعظم المشافي الخاصة في الساحل السوري خالية تقريباً، ويشكو معظمها من نقص في الكادر الطبي لعدم قدرتها على تشغيل كافة أقسامها، حيث بالكاد تعمل أقسام الإسعاف في بعضها، وتحوّل بعضها لتجمّع عيادات للأطباء، ذلك لأن فجوةً كبيرة حدثت في الفرق بين الأسعار والتكاليف وقدرات السكان، حيث أصبحت هذه المراكز لخدمة قلّة قليلة من الناس.

فقد فتحت أوربا بابها للأطباء السوريين للهجرة لهناك، حيث بلغ عدد الاطباء السوريين المهاجرين لألمانيا البلد الأكثر استضافة للاطباء السوريين أكثر من 6000 طبيب، حوالي ثلثهم من الساحل السوري حيث لايسعنا الوصول لأرقام دقيقة حول عدد الأطباء في الساحل السوري وعدد المهاجرين منهم بالضبط، وباتت القلّة القليلة من الأطباء المقيمين في سوريا يقارنون دخلهم بأولئك المقيمين في أوروبا، ما أسهم في ارتفاع أجورهم، ومع هروب السلطة في دمشق من اتخاذ أي إجراء للحفاظ على الكادر الطبي وتعويضه، لا بل تركت روسيا تستثمر بآلام السوريين، وأيضاً شريكة السلطة الأخرى إيران حيث بات الأمر متروكاً للفقراء لدفع الثمن.

شاهد/ي: حماه من جديد تكسر حاجز الخوف

أثر التدهور والغلاء على حالة السكان وميولهم السياسية

أدّى تدهور القطاع الطبي في بروز أزمة صحيّة عامة على معظم السكان في الساحل السوري، حيث بات الوقوع في المرض يشكّل بالإضافة لعبء المرض نفسه مشكلة كبيرة للمريض وذويه، يقول أبو علي( 63 عاماً) من سكان الريف الساحلي “على كل رب عائلة أن يترك قطعة أرض ليبيعها فيما لو مرض أحد أفراد عائلته” في إشارة ِ واضحة لمدى تضخّم أسعار الاستطباب، حيث تبدأ تكلفة العمليّات البسيطة من مليوني ليرة لتصل لما يقارب المئة وخمسين مليون لعمليات تركيب المفاصل والقلب المفتوح وغيرها من العمليّات الكبيرة، حيث تنأى مشافي القطاع العام عن تامين أيّاً من هذه المصاريف، ويركّز مدراؤها على تحصيل الأموال من الصفقات الفاسدة، كما أنّ أسعار الدواء باتت غير واقعيّة، تقول أمل ع( 43 عاماً) “إذا أصيب ابني بالزكام فهذا يعني أنني سأدفع مئة ألف تكلفة للدواء وخمسين ألفاً أجرة الطبيب، في وضع لا أجد فيه طعاماً لأطعمهم في الأيام العاديّة”، حيث يرفع الأطباء أجور عياداتهم بشكل مستمر، ويرتفع سعر الدواء أيضاً بشكل مضطرد، ما أدّى لتكريس حالة الغضب والغليان الشعبي من السلطة في دمشق، حيث يشعر معظم سكّان الساحل أنهم متروكون للفقر والمرض، ينهش عظامهم في ظل سلطة لا تهتم إلّا بإسكاتهم ذلك حسب تعبير الناشط السياسي عبد القادر ط( 59 عاماً) في وصفه لردة فعل السكان تجاه السلطة وأضاف “سقطت أقاويل السلطة بأنها تؤمن التداوي للجميع، وسقط معها عقيدة السلطة التي تحمي أبنائها” موضحاً بأنّ هذا الانهيار الكبير في القطاع الصحي، ساهم في تدمير إيديلوجيّة السلطة “الاشتراكيّة” وعراها أمام أهالي الساحل كسلطة تكم الأفواه وتنهب المال العام، غير آبهة بأبناء البلد وأوجاعهم حسب تعبيره.

أسهم تدهور القطاع الصحي في عزوف الكثير من الأهالي من التداوي والتشخيص في الكثير من مشاكلهم الصحيّة، إذ إنهم يفضّلون تحمّل الآلام والأعراض عن تجويع أبنائهم أو حرمانهم من متطلبات الحياة البسيطة، ما أدى لانتشار ظواهر مرضية دون علاج بشكل كبير، كما اعتاد الكثير من الأهالي على قصد الصيدليّات بشكل مباشر لشراء نوعٍ واحد من الأدوية والمسكّنات دون إشراف طبي، الأمر الذي يساهم بشكل كبير في ارتفاع معدل الوفيات، ليضاف هذا المشهد الطبي الكئيب لمجمل قضايا البلاد التي تعجّ بالمآسي، وتفتقد لأي بارقة أمل في حلٍّ قريب.

أليمار لاذقاني- اللاذقية

المشاركة