في الأحداث الكُبرى التي تُبنى في إطار سياسي، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أو تغيب الدور الفاعل والمؤثر الذي تقوم به المرأة، وبصرف النظر عن نمطية التحركات السياسية والثورية، وأنها تخص الرجال فقط، لكن في الحراك السوري والممتد منذ 2011، كان لدور المرأة السورية تأثيرٌ لم تقتصر عناوينه على المشاركات والنشاطات المحدودة، بل انخرطت المرأة عميقاً في الحراك، ونظّمتْ وشاركت وهتفت وغيّرت الكثير من المعطيات، خاصة تلك المعطيات التي سُوّقت عن قصد، والتي حاولت تشويه المرأة السورية وأن لا قرار لها ولا مشاركة لها في خضم الأحداث المصيرية، وبناءً على ذلك، فقد شاهدنا خلال الأشهر الماضية وحتى اليوم في حراك السويداء، دوراً واضحاً للمرأة، حيث لعبت النساء في السويداء دوراً يمكن وصفه بالمؤثر في تشكيل واستمرار الاحتجاجات السلمية التي طالبت بالحرية والتغيير في السويداء، وهذا ما يتم ملاحظته بشكل قوي من خلال المشاركات اليومية في التظاهرات والاعتصامات حيث نساء السويداء كانوا في مقدمة الصفوف، رافعين شعارات تطالب بـ الديمقراطية والتعددية والحرية ورحيل السلطة.
مشاركة المرأة في حراك السويداء حضوراً وتأثيراً، يُقدّم دليلاً لا لبس فيه على أن المرأة السورية هي جزءٌ لا يتجزأ من حِراك السويداء، وبهذا تُثبت المرأة في السويداء بأنها على استعدادٍ تام لتقديم كل ما يلزم لإنجاح واستمرار الحراك، فـ السويداء التي توصف بأنها محافظة لا تزال تحافظ على العادات والتقاليد ولها طابع ديني خاص، إلا أنها تعطي للمرأة دوراً في ممارسة حريتها الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية. دليل ذلك تترجمه النسبة العالية للنساء الأكاديميات والمثقفات في السويداء، الأمر الذي انعكس حالة من الانفتاح على كل مسارات المجتمع السوري، بما في ذلك المسار السياسي والحراك، وبالتالي فإن المرأة في السويداء شأنها شأن كل النساء السوريات، لهن تأثيرٌ وفاعلية واضحة في سياق الحدث السوري.
شاهد/ي: السويداء والحراك المستمر
وقُبيل انطلاق الحِراك في السويداء، فقد قدّمت المرأة السورية نموذجاً سياسياً واجتماعياً تنحني له الهامات، منذ العام 2011 وحتى اليوم، ولعل الشجاعة الاستثنائية التي تميزت بها المرأة السورية في مواجهة السلطة، تؤكد مدى قدرة المرأة في سوريا على تغيير الوقائع، كما أن وجود المرأة في التحركات الشعبية وممارسة دورها كأم وسيدة تطالب بالتغيير، وتنتقل من عملها المنزلي إلى النشاط الإعلامي والسياسي، الأمر الذي عرّض النساء السوريات للاعتقال والملاحقات الأمنية، وفي السويداء التي تشتهر بتنوّعها الديني والثقافي، استطاعت نساء السويداء أن تُمثلن نسيجاً حضارياً جامعاً، وأن يبرزن دورهن بشكل جيد ، وقد أسهمن بشكل فعّال في تشكيل الحراك وتحقيق نجاحاته.
المرأة في السويداء ومنذ بداية الحِراك، خرجن إلى جانب الرجال وساهمن بتنظيم الحِراك ومساره وشعاراته، والأهم دور المرأة في السويداء في تنظيم الحوارات السياسية والمجتمعية، فضلاً عن مشاركتهن في المفاوضات التي جرت في بناء فرع البعث الحاكم في السويداء.
تقول لمياء ع د( 37 عام) وهي ناشطة اجتماعية من السويداء وتعمل في الخياطة، أن الحِراك في السويداء تم تظهيره على أنه حِراك طائفي وله أهداف انفصالية، لكن نحن نساء السويداء كان لنا دورٌ في تبيان طبيعة الحراك وأهدافه وتطلعاته، واعتمدنا في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر نشر صور الحراك وشعاراته والنشاطات الاجتماعية والثقافية التي رافقت يوميات الحراك، وقدمنا صورة وطنية تتجلى في التأكيد على سلمية الحراك وأهدافه لجهة الحرية والديمقراطية والتغيير السلمي.
تُضيف لمياء، “أعمل في الخياطة منذ سنوات، لكن عملي في هذا المجال ودوري كأم وربّة منزل، لم يمنعاني من ممارسة نشاطاتي الاجتماعية والسياسية والثقافية في الحراك، وأنا ومجموعة من النسوة العاملات والطبيبات وكافة الشرائح، أخذنا على عاتقنا مهمة شرح الكثير من القضايا، وهذا الأمر كان له تأثيرٌ في رفع وعي النساء الأخريات، بقضايا مثل حقوق الإنسان والحرية والمواطنة وأشياء أخرى منسية من الحقوق والواجبات لكل السوريين”.
المرأة في السويداء والدعم الاجتماعي والنفسي
بطبيعة الحال فإن أي حراك سياسي يغلب عليه الطابع الشعبي، وتحديداً في ظل سلطة قمعية ترفض التعبير عن الرأي وتعتبره جريمة تُحرك من أجلها أفرع المخابرات والامن، فإن ذلك لابد وأن تؤطره حالات مجتمعية كالخوف والتراجع والقلق النفسي. في هذا الإطار تؤكد الناشطة وداد ج( 48 عام)، أن دور النساء في السويداء لم يقتصر على المشاركة في الحراك، بل أمتد النشاط إلى بناء شبكات دعم نفسي واجتماعي، لا سيما أننا رصدنا بعض الحالات جراء الاعتقالات التي قامت بها السلطة لناشطات لهن أعمال في دمشق وغيرها من المحافظات، كما أن نساء السجناء السياسيين قدمنا لهم دعماً نفسياً واقتصادياً.
تؤكد وداد، “وفي ظل ما تشهده السويداء مدينة وريفاً، فقد آثرت السلطة إلغاء الدعم الطبي للمحافظة، الأمر الذي عالجناه على وجه السرعة، عبر إنشاء فريق طبي من طبيبات وممرضات، لتقديم الخدمات الصحية”، وفي هذا الإطار ثمة الكثير من المساهمات التي قُدمت من قبل النساء لكن لا يمكن حصرها والحديث عنها ضمن هذه المادة.
شاهد/ي: تدهور القطاع الصحي في الساحل السوري وأثره على السكّان
من المهم أن نذكر، بأن النساء في السويداء تعرضن للكثير من التهديدات والتحديات من قبل السلطة جرّاء مشاركتهن في الحراك، لكن نساء السويداء أثبتن أنهن بصلابة الرجال، فقد استطعن تذليل هذه التحديات، واستمرين في التواصل مع المجتمع المحلي والمنظمات الدولية لنشر رسالتهن ومطالبهن ومطالب السوريين والتوعية بالقضايا التي يناضلن من أجلها.
عموماً فإن المرأة السورية كانت ولا تزال صاحبة تأثير غير محدود في عناوين المجتمع السوري، وهذا الأمر أيضاً يُعمم على نساء السويداء اللاتي أثبتن أنهن جزءٌ مهم من الحِراك في السويداء، ولهن وجود محوري ودور في التغيير القادم، حيث تُثبت الوقائع شجاعة النساء في السويداء، وأهميتهن في تشكيل مستقبل سوريا السياسي والثقافي والاجتماعي، وبذلك فإن الحديث عن دور المرأة في السويداء خلال الحراك، لا يقتصر على تكريم جهودهن فحسب، بل أيضاً هو اعتراف بقوة وقدرة المرأة السورية عموماً على تغيير الوقائع والمعطيات في المشهد السوري، والأمر الأخر فإن فقد تمكنت النساء في السويداء من مجابهة التحديات والصمود في وجه سلطة لطالما حاولت تهميش دور المرأة في المجتمع السوري، فهن الأمهات اللواتي استطعن تربية جيل جُبل على الكرامة والحرية، وهن الناشطات اللواتي شاركن في الاحتجاجات السلمية المطالبة بالتغيير ورحيل السلطة، ونساء السويداء اللواتي رفعن شعارات الحرية والديمقراطية والانتقال السلمي، قادرات على الضلوع في دور محوري في سوريا المستقبل، ولا انتصار أو تقدم في أي حِراك، إن لم يكن للمرأة دور محوري وجوهري به.
عمر الصحناوي – السويداء