Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

كان لافتاً إعلان السلطة قبل أشهر، عن اجتماعها بقادة الأجهزة الأمنية بعد أن كانت تتم هذه الاجتماعات ضمن سرّية تامة. الإعلان كان يتضمن أجندة أمنية جديدة، تحددها تغييرات بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية “قيادات وأعمال”، ووضع خطة لتطوير العمل الأمني وأدائه مع زيادة التنسيق ضمن منظومة أمنية واحدة، ودمج بعض الأفرع الأمنية ضمن ملاك واحد، يتبع لـ وزارة الداخلية أو الدفاع، وبلا ريب فإن هذه التغييرات على مستوى المنظومة الأمنية، تحمل دلالات كثيرة، والأهم أنها تتضمن رسائل تريد السلطة توجيهها إلى الداخل والخارج على السواء، فالسلطة لا سيما في ظل حالة التململ الشعبي جراء تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، إنما تسعى للترويج على قدرتها بضبط الداخل السوري، وأنها بذات التوقيت قادرة على إصلاح الهيكل الأمني المتهالك جراء الأزمة واختلاف الولاءات، بما يزيد من قوة وكفاءة تلك الأجهزة في مواجهة أي محاولة للتمرد سواء من قبل السوريين، أو من قبل الميليشيات ذات الولاءات المتعددة لـ روسيا وإيران.

في مناطق سيطرة السلطة فإن التغيرات الأمنية دائما ترافقها عبارة “مبروك ثقة القيادة”، فالتغييرات حتى وقت قريب كانت اعتيادية لا تحمل معها أي مضامين، بينما نشرت التغييرات الأخيرة لجهة الأفرع الأمنية والأسماء، لم تكن اعتيادية، نظراً لِما رافقها من قرارات وتحركات سبقت تلك التعديلات، فـ رأس السلطة التقى بقادة الأجهزة الأمنية في مشهد غير مألوف للسوريين، راسماً مشهداً أمنياً جديداً في عمق المنظومة الأمنية، ولعل أبرز تلك التغييرات، هي تحول مكتب الأمن الوطني بوصفه جهاز أمني تنسيقي بين الأجهزة الأمنية، ويتبع للقصر الجمهوري، إلى مؤسسة أمنية عُليا تتبع لها الإدارات الأمنية الرئيسية الأربعة “شعبة المخابرات العسكرية وإدارة المخابرات الجوية وتتبعان إدارياً لوزارة الدفاع، وشعبة الأمن السياسي التي تتبع إدارياً لوزارة الداخلية، وإدارة أمن الدولة وتتبع إدارياً لرئاسة مجلس الوزراء.

التغييرات الأمنية لا يمكن وضعها في الأطر الاعتيادية، بل هي بالتأكيد تغييرات في أطر أعم، تتضمن إعادة ضبط المشهد الأمني في سوريا، تزامناً مع ظهور بوادر حركات احتجاجية في مناطق سيطرة السلطة، وبالتوازي مع استمرار حراك السويداء، فضلاً عن المشهد الاقتصادي والمعيشي المتأزم، وبين هذا وذاك، فإن السلطة تستعد وفق تلك التغييرات، إلى إعادة تشكيل المشهد السوري في مرحلة ما بعد الحرب، وما يرتبط بها من تموضعات إقليمية ودولية جديدة.

شاهد/ي: تأثير وفاعلية.. دور المرأة في حراك السويداء

الأمر الهام في سياق ما سبق، أن السلطة وضمن استئثارها بالقرار السياسي وضمناً الحل السياسي، فإن مقاربتها للحل السياسي تتلاشى وفق المنظور الأممي، وبالتالي لابد من مقاربات أمنية للحل السياسي، ما يفرض على السلطة ترتيب وإعادة المنظومة الأمنية أولاً، وترتيب أولوياتها الأمنية والسياسية ثانياً، وإعادة رسم خارطة التحالفات بعيداً عن روسيا وإيران ثالثاً، والنقطة الأبرز هي توجيه رسائل إقليمية ودولية أن هناك تغييرات جوهرية تقوم بها السلطة لتحسين واقع السوريين في المستويات كافة لا سيما الأمنية منها، الأمر الذي تراهن من خلال تقديم خطوات إيجابية من قبل القوى الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري.

قادة الأجهزة الأمنية والولاءات المتعددة

وفق نظرة عميقة لطبيعة الأجهزة الأمنية في سوريا، وتحديداً في مرحلة الأزمة وما رافقها من تدخّلات خارجية، فإن السلطة تحاول من خلال إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية إلى وضع قادة الأجهزة في إطار اللا تأثير، بمعنى الحد من الصلاحيات الممنوحة، خاصة بعد تراجع دور السلطة أمنياً، لصالح حلفائها، فالتغييرات اليوم يمكن القول بأنها عزلت الحرس القديم، وقام رأس السلطة باستبدالهم بقيادات جديدة تُدين بالولاء المطلق له، لا سيما أن الأخير يحاول من خلال هذه الخطوة، تسويق نفسه لجهة قدرته على الانخراط في خطوط إصلاحية يرافقها تعديل السلوك ومستويات التواصل مع كافة الجهات الإقليمية والدولية، لكن رغم ذلك فإن تلك المسارات الجديدة ذات الطابع الأمني، لا تعدو عن كونها محاولة شكلية لاسترضاء كافة المعنيين بالملف السوري، لا سيما مع حالة التعثر في مسارات التطبيع، وسيطرة إيران وروسيا على المشاهد السياسية والاقتصادية.

إذاً تحاول السلطة من خلال تعديل سلوكها الامني، وإضفاء طابع التغييرات على شكل وطبيعة الأجهزة الأمنية، إلى تخفيض العقوبات الاقتصادية ضدها، خاصة أن موجة التطبيع مع السلطة لم تحقق أي شيء سياسي أو اقتصادي، وجُل المبادرات العربية اصطدمت بالفيتو الأمريكي الذي يمنع إعادة تعويم السلطة بشكلها الحالي، وبالتالي فإن مناورة السلطة أمنياً قد تُحقق جزءاً من الغايات والأهداف، لكن تبقى هناك إشكالية عميقة تتعلق بعناوين الحل السياسي المرتقب، وضمن ذلك فإن التغييرات الأمنية تأثيرها مرحلي، والسوريين عموماً لا يريدون حلاً بالتقسيط، فهم يدركون جيداً بأن السلطة غير قادرة على تحقيق أي تغيير سياسي أو اقتصادي في المشهد السوري، لتكون التغييرات الأمنية كـ ذر الرماد في عيون السوريين والقوى الإقليمية والدولية.

المناخ الإقليمي والتماهي مع تطوراته

تدرك السلطة بأن المشهد الإقليمي يتغير بوتيرة متسارعة، خاصة أن الحرب في غزة باتت عنواناً للتغييرات والتحالفات وحتى على مستوى الإصطفافات، وعليه فإن السلطة تتطلع لمرحلة ما بعد حرب غزة، حيث تقوم السلطة بمحاولة استعادة القرار الأمني من روسيا وإيران، خوفاً من تحييد الدور الروسي والايراني في المنطقة، وانعكاسات ذلك على الواقع السوري، وربطاً بذلك فإن السلطة سوف تُضطر بناءا على التغييرات الإقليمية، إلى سلوك مسار سياسي تحدده رغبات عربية وأممية وإقليمية ودولية، ومن المهم التذكير بأن كل المسارات السياسية الخاصة بالحل السياسي، تضمنت بنوداً لجهة تعديل السلوك الأمني للسلطة، مع إلغاء كافة القيود الأمنية المفروضة على معارضيها في الداخل والخارج، لكن ثمة تقاطعات كثيرة تؤكد بأن قرار السلطة حيال التغييرات الأمنية، لا تُنبئ بأي إصلاح حقيقي، وتلك التغييرات لا تعني إطلاقاً تغييراً في سلوك السلطة، فـ العقلية الأمنية لا تتغير بتغير سلوك السلطة وقادتها الأمنيين، خاصة أن أحد أهم مسببات الأزمة السورية تتمثل في تلك العقلية العصية على التغيير، إلا بحل سياسي شامل يُنهي جذور السلطة.

في المقابل، فإن السلطة ستقوم باتخاذ المزيد من الإجراءات المرتبطة بإعادة هيكلة المنظومة الأمنية، وذلك ليس “كُرمى لعيون السوريين”، بل هي اجراءات هدفها الالتفاف على الملاحقات الدولية بحق أسماء قادة الأجهزة الأمنية في سوريا جراء ارتكابهم انتهاكات جسيمة بحق السوريين، وضمن ذلك فإن هناك أيضاً محاولة من قبل السلطة للالتفاف على العقوبات الغربية، ليبقى التساؤل الأهم، ماذا يعني دمج فرع أمني بآخر؟، وماذا يعني حل فرع أمني أو إعادة تسميته؟، ذلك لا يهم السوريين إطلاقاً، طالما أن السلطة بقيت على سياساتها.

تغييرات أمنية ولكن!

من البديهي توقّع أن تعمل السلطة في سياق إصدار بعض المراسيم الرئاسية التي تنظم عمل الجهات الأمنية في الفترة القادمة، مع رسم خارطة جديدة للأفرع الأمنية، يترافق مع ضخ إعلامي حيال هذه المراسيم، والتأكيد على أن السلطة تعمل في اتجاه البحث عن حلول وتخفيف الأزمات، لكن غالبية السوريين يدركون بأن ما تقوم به السلطة حتى الآن لا يعدو عن كونه محاولة لتكريس واقع أمني جديد، بما يخدم السلطة والمقربين منها فقط، فإنشاء جهاز أمني مركزي تتبع له أفرع أمنية، لا يعني بأن السلطة قد انصاعت لرغبات السوريين، بل ثمة غايات تسعى السلطة لتحقيقها من خلال دمج أو حل أو تنظيم عمل الجهات الأمنية، هذه الغايات هي إعلامية موجهة للداخل والخارج، وما يعزز هذه المقاربة هي المؤشرات التي تؤكد بعدم وجود تغييرات جوهرية في بنية وطبيعة الأجهزة الأمنية، فالملاحقات الأمنية مستمرة، والاعتقالات تتسارع، والمعتقلين لا زالوا في سجون السلطة، وكل ذلك لا يحقق غايات السوريين لجهة العودة الآمنة التي تطالب بها الجهات الدولية، ولا يخفف هواجس المجتمع الدولي حيال المخاوف الأمنية المستمرة حيال السوريين في الداخل والخارج، حيث لابد من نسف المنظومة الأمنية الحالية، التي أرهقت السوريين.

شاهد/ي: السويداء والحراك المستمر

واقع الحال يؤكد بأن عقلية المنظومة الأمنية السورية لم ولن تتغير، خاصة أن هذه المنظومة لا تزال تعمل على تدجين السوريين خدمة للسلطة، وأي خروج عن السياق المحدد ثمة أجهزة أمنية بمسميات متعددة تقف بالمرصاد، وبدل ذلك يفترض أن تعمل الأجهزة الأمنية على حماية الوطن لا السلطة، وحماية السوريين جميعاً لا حماية السلطة فحسب، وضمان أمن المجتمع السوري لا ترهيبه، وبالتالي فإن المعالجات الأمنية التي تحددها تغييرات يقال عنها جوهرية في بنية المنظومة الأمنية، ما هي إلا استفزازاً جديداً للسوريين، دون تغييرات في واقعهم.

ختاماً… معالجات شكلية ورفض الحل السياسي

التغييرات التي تطال المنظومة الأمنية لا سيما بعد الاجتماع العلني لرأس السلطة معها، هي تغييرات شكلية، فالجوهر في التغيير هو معالجة جذور الأزمة، لكن السلطة بتلك التغييرات تُبقي على الأصل دون معالجات حقيقية، فالجسد الأمني المرتقب ولادته، سيُنتج المزيد من الانتهاكات ضد السوريين، والأهم أن بنية السلطة الحالية لا تسمح بتغييرات عميقة في المنظومة الأمنية، فالتغيير يجب أن يبدأ بالوظائف والأسماء وطبيعة العمل، وعلى المستوى الإقليمي والدولي فإن التغييرات في الأجهزة الأمنية لا تزال شكلية، الأمر الذي يعني بأن السلطة لا تزال تراوغ وتعمل على ابتزاز القوى الفاعلة في الملف السوري، مع استمرار تمييع السلطة للحل السياسي الذي يجب أن يُبنى على تطلعات السوريين.

وعليه فقد بات واضحاً أن السلطة تقوم بتنفيذ خطة دعائية لإعادة تشكيل المنظومة الأمنية، واستثمار ذلك لجهة إرضاء الدول العربية والغربية، خاصة مع تعثر مسار التطبيع معها، والأمر الهام بأن السلطة لا يعنيها شأن السوريين ولا تعنيها المعالجات السياسية، دليل ذلك استمرار العقلية الأمنية للسلطة عبر تغير المشهد السوري أمنياً لا سياسياً.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة