Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

بعد أن خبت أصوات المعارك، وانقشع غبار الحرب بعد سنوات، وما سوّقته السلطة على أنه انتصار، تبدو مدينة حمص غارقة في البؤس، وهي بامتياز مدينة التناقضات الصارخة، إذ تكفي جولة بسيطة في أحياء المدينة، لندرك حجم التناقضات بين أحياء مدمرة بالكامل يُمنع إعادة إعمارها من قبل سكانها الأصليين، وبين أحياء تقطنها غالبية موالية وتسودها حياة شبه طبيعية، الأمر الذي أدى إلى شرخ كبير بين الشرائح المجتمعية، وكأن السلطة تقول لمعارضيها هذا ثمن مَن يتحدى السلطة!، فلا عودة للأحياء المدمرة، ولا إعادة إعمار، لتبقى أثار الانتصار العسكري على المدنيين تتجسد بركام المباني ودموية السلطة.

حي بابا عمرو وحي الزهراء، هما حيّان متقابلان، لكن في حي بابا عمرو الذي كان رمز الثورة في مرحلة سابقة، لم تعد ترى إلّا أنقاضاً وركاماً وبات الحيُّ غير صالح للحياة، في مقابل حي الزهراء الذي تسكنه غالبية موالية للسلطة، لا يزال يشهد مظاهر الحياة الطبيعية، وفي جانب أخر حيث حي الوعر القريب من حي الزهراء، أيضاً حوّلته السلطة إلى ركام، وعلى الرغم من مرور سنوات على “انتصار السلطة”، وعودة حيّي بابا عمرو والوعر إلى السلطة، إلا أن المنطقتين لم تشهدا ما يمكن تسميته نهضة معمارية وعودة للحياة الطبيعية، فهذين الحيّين تنعدم بهما مظاهر الحياة، ليبيقا شاهدَين على الدمار الذي ألحقته السلطة بتلك المدينة، ومن المؤسف القول أن الأحداث في مدينة حمص اتخذت منحىً طائفي عنيف، بين الموالين للسلطة ومعارضيها الذين فرّوا بأعداد كبيرة من أحيائهم، الأمر الذي غيّر مشهد المدينة بالمطلق.

شاهد/ي: “داعش”..  خطر و تهديدٌ مستمر في سوريا

في جانب أخر، فإن ما يلفت الانتباه عند الدخول إلى مدينة حمص من الجهة الجنوبية، حاجزان أحدهما يتبع للمخابرات العسكرية، والثاني للمخابرات الجوية، حيث يقوم عناصر الحاجزين بتدقيق كبير على السيارات التي تدخل المدينة، مع تدقيق مضاعف على البطاقات الشخصية، ولكل حيٍّ من أحياء المدينة صبغة محددة، فـ إذا كانت البطاقة الشخصية تتبع لحي بابا عمرو كمثال، فإن صاحبها يتعرض للكثير من الاستفسارات عن أسباب الزيارة والجهة التي يودّ زيارتها، وعند القول إن له منزلاً أو عقاراً في الحي المذكور، يكون الجواب سريعاً بأن ما يملكه لم يعُد له.

أحياءٌ فقدت ساكنيها

حمص هي ثالث أكبر المدن في سوريا، حيث يقطنها أكثر من 800 ألف نسمة “إحصائية عام 2010″، لكن مع بداية الحراك السلمي في سوريا، اكتسبت مدينة حمص أهمية استثنائية، ووصفت حينها بـ عاصمة الثورة، ومع تطور الأحداث في سوريا عامة وحمص على وجه الخصوص، فقد بات الصراع في المدينة صراعاً مسلحاً لا سيما مع قيام السلطة بتسليح الأحياء التي تقطنها غالبية موالية لها، لتتحول تلك الأحياء إلى ثكنات عسكرية، وضمن هذا الواقع فقد دارت معارك عنيفة بين المعارضين للسلطة من جهة، وبين الموالين للسلطة الذين زُوّدوا حينها بشتّى صنوف الأسلحة الثقيلة، ليقوموا بـ قصف الأحياء الثائرة وتدميرها، قبل أن يُفرض عليها حصاراً خانقاً، انتهى بتهجير قسري للمعارضين وعائلتهم في أيار/مايو 2015، إلى ريف المحافظة الشمالي وإدلب، في حين توجّه آخرون إلى حي الوعر، الذي تم تهجير المعارضين وعوائلهم منه في أيار/مايو 2017.

الأحياء التي هُجّر منها قاطينوها الأصليون، باتت مدمرة بالكامل، وعند الدخول الى تلك الاحياء، يدرك الزائر حقيقة ما أسمته السلطة “انتصاراً عسكرياً”، فالعين لا ترى سوى أكوام الركام والأنقاض، لا سيما في أحياء حمص القديمة، كـ القصور وجورة الشياح وباب هود وباب دريب وبستان الديوان والصفصافة وباب السباع، وهي أقدم أحياء المدينة التي انطلقت منها أولى المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية، وذلك بسبب شدة القصف والتدمير الممنهج.

صورة الانتصار الوهمية

يبدو واضحاً خلال زيارة الأحياء المدمرة داخل مدينة حمص، بأن صورة الانتصار وهمية بامتياز، فالدمار في مدينة حمص وحتى لحظة إعداد هذا التقرير يُقدر بأكثر من 85 بالمئة، دون أن تُحرّك السلطة ساكناً حيال إعادة إعمار الأحياء المدمرة؛ يقول أحد القاطنين في حي بابا عمرو رفض الكشف عن أسمه، إن الحي حولته السلطة إلى ستالينغراد سوريا، ويضيف، بعد بداية القصف على الحي، نزحتُ أنا وعائلتي إلى دمشق، وبعد انتهاء العمليات العسكرية عدت لأتفقّد منزلي فوجدته ركاماً، ورغم ذلك ذهبت إلى المحافظة وقدمت حسب الأصول طلباً لإعادة إعمار منزلي، شأني شأن الكثيرين من النازحين الذين فرّوا جرّاء العمليات العسكرية، لكن قوبل طلبنا بالرفض، رغم أننا سنقوم بإعادة الأعمار على حسابنا الشخصي، وعند إصرارنا على هذا الأمر، تم تهديدنا بالقتل، وقيل لنا بالحرف “أنتوا معارضين ولا نثق بكم لأنكم أنتم من دمّر المدينة!”.

تمييز مناطقي والخوف لا يزال حاضراً

من المؤسف أن يتحول واقع مدينة حمص التي كانت تجمع كل السوريين وتُسمى بـ أم الفقير، إلى مدينة عنوانها الرئيس أحياء معارضة وأخرى موالية. هو فرزٌ اجتهدت السلطة في تكريسه واقعاً، فبهذا الأسلوب تُبقي سيطرتها على كامل المدينة وعلى عقول السوريين، وربطاً بذلك فإن الناشط المدني وفيق الحمصي “أسم مستعار”، يسرد لنا واقع المدينة المؤلم حيث يقول، إن “الأحياء التي ثارت في وجه النظام عاشت بجحيم حقيقي خلال سنوات الحرب، وجراء انتفاضة تلك الأحياء فإن المنحدرين منها لا زالوا يعيشون الخوف جراء قيام السلطة باعتقالهم أو قتلهم فقط لأنهم من تلك الأحياء، وأضاف ما يزيد في معاناتهم أن مداخل المدينة ومخارجها تقع إلى جانب أو ضمن مناطق ذات أغلبية موالية كطريق دمشق أو طريق طرطوس، بينما الطريق لحماة يمرّ عبر قرى موالية أيضاً، أما شرقاً باتجاه الصحراء فهو غير مهم لأحد وكل هذا يعزز شعور الخوف لدى البعض داخل المدينة”.

بدوره، رجل في العقد السادس من عمره يؤكد أن المهجّرين أو من بقي من الأحياء التي ثارت والذين اضطروا للسكن في الأحياء الموالية فهم في خوفٍ وحرص على أنفسهم في ظل اليد الطولى للموالين، فالمدنية وريفها الرازح تحت سيطرة السلطة محكوم منهم، وهؤلاء مدعمون من الأجهزة الأمنية المتنافسة ومن إيران وحزب الله اللبناني، وأضاف، “يشعر الأهالي باستمرار بنظرات الشك والريبة من قبل العناصر الأمنية أو الحكومية حول انتمائهم وموقفهم من النظام السلطة”.

شاهد/ي: درعا.. صراع شركاء السلطة والمشهد الجديد

واقع الحال يؤكد، بأن أكثر ما يلفت الانتباه في الأحياء الموالية هو غياب القانون والسلوكيات غير الأخلاقية التي يمارسها منتسبو الأجهزة التابعة للسلطة، إذ يقول أحدهم أن “الشبيحة” قاموا بطرد عائلات معارضة تقطن منذ عشرات السنين في أحياء حمص القديمة التي ثارت في وجه السلطة، مشيراً إلى أن كثيراً من الأهالي، وتحت وطأة القصف الذي تعرضت له أحياؤهم نزحوا إلى حي الوعر وأحياء أخرى بعيدةً نوعاً ما عن سطوة الميليشيات الموالية، في هذا الإطار، فإن أحد سائقي سيارات الأجرة، المنحدر من حي الحميدية، ونزح إلى إحدى بلدات ريف دمشق ويتردد إلى مدينة حمص باستمرار لتفقد منزله في الحي، قال إنه “لا يجرؤ على الذهاب إلى أي من الأحياء الموالية بمفرده، وإن اضطر إلى الذهاب لإجراء معاملة رسمية سوف يذهب بصحبة من يعرف المنطقة ويمون على أهلها!”.

رغم ما سبق من وقائع مؤلمة تشهدها مدينة حمص، ورغم الدمار الذي تشهده معظم أحياء المدينة، وعلى الرغم من الدعوات الأممية للبدء بإعادة الإعمار تمهيداً لعودة المهجرين والنازحين، إلا أن السلطة لا تزال تتبع نفس السياسات في مصادرة أحلام السوريين، فالسلطة التي تروّج على الدوام أن هناك مشاريع لإعادة الإعمار ولا تمانع بعودة النازحين والمهجرين، لكن ثمة ما يُكذب رواية السلطة. هي رواية كاذبة تعكسها مشاهد الأحياء التي لا تزال مدمّرة، وثمة من يقول بأن إيران قد وضعت يدها على الأحياء التي هُجّر منها قاطنوها.

الفكاهة التي أشتهر بها أهالي حمص، باتت من الماضي، ويوم الأربعاء السعيد الذي يرمز لفكاهة الأهالي في حمص لم يعد كذلك بعد الدمار الممنهج الذي شهدته المدينة، فـ مشاهد الدمار والأحياء التي كانت تعج بالحياة والدفء باتت ركاماً، وتلك المشاهد التي أمعنت السلطة في تكريسها، نسفت الإرث الفكاهي للمدنية، فـ إبتسامة السوريين لن تعود حتى رحيل هذه السلطة التي أدمت قلوب السوريين جميعاً.

سحر الحمصي-حمص

المشاركة