قد يعتقد البعض بأن مناطق سيطرة السلطة، خاصة بعد مروحة الانتصارات الوهمية التي حققتها السلطة والتي تُروّج من قبل أبواقها، أنها تعيش في رخاء خدماتي، لكن الواقع يؤكد بأن مناطق سيطرة السلطة تعيش واقعاً كارثياً في المستويات كافة، فاليوم لم تعد أزمات الكهرباء والمياه التي يعاني منها غالبية السوريين في مناطق السلطة مثاراً للجدال، بل ثمّة ما هو أهم ويكاد يكون مُهدداً للحياة، فالخدمات تكاد تكون معدومة، والسلطة غائبة عن معاناة وأزمات السوريين في مناطق سيطرتها، والأمراض تنتشر، والنفايات تملئ الشوارع ولا تجد من يقوم بترحيلها إلى المكبّات، وإن وجد المكبّ، فهو يفتقر إلى أدنى درجات المعالجات الفنية للقمامة.
وبصرف النظر عن واقع الكهرباء والخدمات السيئة في مناطق سيطرة السلطة، إلا أن القطاع الصحي له أهمية استثنائية لدى غالبية السوريين، ولا يمكن الإستهانة بهذا القطاع، أو الحديث عن ترهّل القطاع الصحي جرّاء العقوبات والحصار الذي تتغنى به السلطة، خاصة أن القطاع الصحي وكل المستلزمات من أدوية ولقاحات وغيرها من المواد الطبية، لا تشملها العقوبات وسردية الحصار التي تسوقها السلطة، وهذا الأمر يدركه كل السوريين، إلا أن الفساد الذي طال كل قطاعات الدولة بما فيها القطاع الصحي، بات أمر واقع ولا يمكن معالجته إلا عبر حلول جذرية، تكاد تكون مفقودة في هذا التوقيت أولاً، ونتيجة سياسات السلطة ثانياً.
ربطاً بما سبق، فقد بات الحديث عن القطاع الصحي إشكالية معقدة في ظل ما يعانيه السوريون، والأمر المهم أن جميع السوريين يعانون من ارتفاع تكاليف العلاج، سواء في المستشفيات والعيادات الخاصة، أما اللجوء والدخول إلى المشافي الحكومية، كالدخول إلى المسالخ بحسب وصف البعض. وبنظرة معمقة فإن أهالي محافظة حماه مدينةً وريفاً، يعانون من تردي الواقع الصحي، ويضطرون إلى تفادي المستشفيات الحكومية والخاصة والعيادات الحكومية التي تتفشى فيها المحسوبيات، فضلاً عن التهاون في حياة المرضى.
شاهد/ي: حمص بين “انتصار السلطة” وواقع المدينة المزري
جراء تردي القطاع الصحي في مناطق سيطرة السلطة، إضافة لـ وصول الفساد إلى هذا القطاع، فضلاً عن تردي الخدمات بشكلها العام في كل مناطق السلطة، فإن هذا الأمر أفرز الكثير من الأمراض والأوبئة، فغالبية مناطق المحافظة تعاني اليوم من تراكم القمامة، وقلة المياه وندرتها في بعض مناطق المحافظة وتحديداً في الأرياف. كل ذلك كان مدعاةً للقلق من قبل أهالي قرى وبلدات المحافظة، وتحديداً في مدينة السقيلبية.
ريف حماه وتحديداً مدينة السقيلبية، والتي تُكنى بمدينة الشهداء. الواقع الذي تعيشه المدنية لا يمكن وصفه، وبحسب الأهالي فإن أزماتهم المتعلقة بالكهرباء والمياه نُسيت، أمام الأزمة الجديدة التي يعانون منها، والتي تتمثل بعدم ترحيل القمامة وتراكمها، الأمر الذي كان سبباً في انتشار اللشمانيا، جراء عدم وجود مكب قمامة صحي تنقل إليه القمامة، فضلاً عن أن أكوام القمامة تُترك دون طمر أو معالجة فنية.
أحد أهالي مدينة السقيلبية رفض الكشف عن اسمه أكد لنا أن الأهالي ضاقوا ذرعاً جراء عدم استجابة بلدية السقيلبية أو حتى محافظة حماه لمطالب الأهالي بإيجاد حلٍّ لأكوام القمامة، والقيام بترحيلها كل يومين حتى لا تتكدس، ويتابع، قمنا ووفد من الأهالي بزيارة رئيس البلدية وطالبنا بإيجاد حلول جذرية لمسألة القمامة، فالوضع بات خارج السيطرة، وأعداد الإصابات باللشمانيا تزداد يوما بعد يوم، لكن قال لنا رئيس البلدية أنه خاطب محافظة حماه من أجل زيادة مخصصات الوقود لعمل آليات ترحيل القمامة، لكن لا إستجابة، وبحسب قوله “ما باليد حيلة”.
حلول مؤقتة
أحد المصادر في المدينة قال لنا صراحة، بعد زيارة رئيس البلدية ومطالبنا التي لم تلقَ أي استجابة، قررنا أن نقوم بترحيل القمامة بأنفسنا، وبالعفل قمنا بتخصيص “تراكتور” لنقل القمامة في أحياء المدينة إلى أطرافها وقمنا بحرقها، لكن هذا الأمر مؤقت، ولابد من تدخل البلدية ومحافظة حماه، لإيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة، وتحديداً قبل بداية الصيف، فالحرارة المرتفعة واكوام القمامة، يتسببون برائحة كريهة تُزعج الأهالي، فضلاً عن تكاثر الذباب الناقل لمرض اللشمانيا، وبالتالي نحن أمام معضلة حقيقية، من جهة الأهالي لا يستطيعون دائما ترحيل القمامة، ومن جهة ثانية فإن البلدية والمحافظة لا يبالون بواقعنا، فما الحل؟.
مطالبات الأهالي مستمرة من أجل إيجاد مكب قمامة نظامي وصحي، وكل المكبات الحالية تعد مجالاً حيوياً لتكاثر ذبابة الرمل الناقلة لللشمانيا أو ما يسمى شعبياً “حبة حلب”، التي تترك آثارها المشوهة والبغيضة على المئات من أهالي، من هنا فإن الأهالي يطالبون بنقل القمامة كل يومين إلى موقع صحي ونظامي تتحقق فيه الشروط الفنية لمكبات القمامة النظامية، وإن تعذر ذلك فمعالجة وضع المكب الحالي لدرء خطر اللشمانيا عنهم.
اللشمانيا تغزو السقيلبية
أحد الموظفين “رفض الكشف عن اسمه “في المركز الصحي في مدينة السقيلبية أكد لنا أن أعداد الإصابات في تزايد مستمر وخاصة شريحة الأطفال، ويوضح المصدر، أن واقع الإصابات بات يُنذر بالخطر، وكمركز صحي خاطبنا مديرية صحة حماه، وحتى وزارة الصحة في دمشق، من أجل وضع خطط معالجة للإصابات الواردة إلى المركز، لكن قالوا لنا “عالجوا ضمن الإمكانيات المتاحة”، وبحسب المصدر فإن الإمكانيات المتاحة لا تتعدى المعقمات والمراهم العادية ذات التأثير المحدود، بينما المعالجات تعتمد على الصادات الحيوية التي تعالج الإصابة، وبعد ذلك تتم معالجة الإصابة بمرهم طبي خاص لإخفاء النُدب التي تخلفها الإصابة باللشمانيا.
شاهد/ي: “داعش”.. خطر و تهديدٌ مستمر في سوريا
المصدر ذاته أكد، أن عدد الاصابات الواردة إلى المركز وبشكل يومي ما بين 10 إلى 15 إصابة يومياً، وهذه أعداد خطيرة وتُنذر بالأسوأ، خاصة أن اللشمانيا تعد من الأمراض المعدية، ونحن نقوم بما علينا عمله، لكن للأسف الأمر يتطلب جهود حكومية لمعالجة هذا الداء، ونحن كمديرة صحة وحتى البلدية، لا نملك المقومات للمعالجة، والأمر صراحة ” على الله”.
لا حلول والسلطة غائبة.
الأهالي في مدينة السقيلبية يؤكدون بأن واقع مدينتهم بات صعباً للغاية، فأزمات المياه والكهرباء لم تعد تعنيهم، بقدر ما يعنيهم معالجة مشكلة القمامة وتفشّي اللشمانيا، وضمن ذلك فإن الأهالي يحاولون ما استطاعوا العمل في اتجاهين، الاول ترحيل القمامة بأنفسهم إلى خارج المدينة والقيام بحرقها، والثاني استخدام مبيدات خاصة للقضاء على ذبابة الرمل الناقلة للشمانيا، ورغم ذلك فإن قدرات الأهالي في هذا الإطار محدودة نتيجة الواقع الاقتصادي الذي يعانون منه كشأن باقي السوريين في مناطق سيطرة السلطة.
ما تعاني منه مدينة السقيلبية، يكاد يكون حالة مشابهة للكثير من قرى ومدن الريف الحموي، فالخدمات غائبة تماماً، ولا حلول جذرية للمشكلات التي يعاني منها الأهالي في عموم الريف الحموي، والأهم في ذلك، أن استمرار الأزمات وتراكمها يؤكد بأن السلطة لا يعنيها حلّ الازمات، بقدر ما يعنيها تعميق أزمات السوريين في مناطق سيطرتها.
ضياء العاصي- حماة