Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

بدايةً لابد من تسليط الضوء على الدستور السوري الصادر عام 1973، بعد ثلاثة دساتير مؤقتة تم العمل بها منذ عام 1963، وهو تاريخ تنفيذ “حزب البعث” الانقلاب العسكري ضد الرئيس ناظم القدسي آنذاك، وقد تضمن الدستور الصادر بعد عامين من تولي حافظ الأسد لسدة الرئاسة في سوريا، مادة وصفت وحددت بشكل مباشر الدور الذي يلعبه الحزب في سوريا، وهي المادة الثامنة، والتي تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية، بحسب توصيف تلك المادة، والتي كانت ولا زالت إشكالية معقّدة أرّقت السوريين، وأدخلتهم عنوة في نفق سياسي صُمّم وبُني على مقاسات محددة تناسب السلطة الحاكمة.

مع بداية الأزمة السورية وانطلاق التظاهرات التي طالبت برحيل السلطة، وضعت الأخيرة دستوراً جديداً تضمن إلغاء المادة الثامنة بعد عقود على وجودها، إلا أن إلغاء هذه المادة اقتصر فقط على سحب مفرداتها اللفظية من أوراق الدستور، إلا أن العمل بموجبها وما تتضمنه من تفرعات وأبواب، لا يزال قائماً ومحدداً لممارسات السلطة السياسية والأمنية، وكل ما يتعلق بالمجتمع السوري، وهنا لابدّ من التنويه إلى أن وجود حزب البعث لا يقتصر على كونه حزباً سياسياً تحكمه محددات ومنطلقات، بل هذا الحزب تغلغل في جميع مفاصل الدولة كـ مجتمع ومؤسسات، معتمداً بشكل رئيس على مادة ذُكرت في الدستور السوري قبل تعديله في عام 2012، بوصفه قائداً للدولة والمجتمع، وبالتالي فإن هيمنة حزب البعث لا تزال حاضرة وبقوة في جميع شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا.

حزب إقصائي مترهل

في غمرة ما يشهده الشأن السوري من تعقيدات في سياق الحل السياسي، بات هناك قناعة راسخة لدى السوريين بأن أي إصلاح أو انتقال سياسي، لا يستقيم في ظل وجود حزب البعث، وأي تغييرات عميقة في ماهية الواقع السوري، لا تتسق وبقاء المادة الثامنة التي تم إلغاؤها شكلياً، لكنها لا تزال نافذة وفاعلة ومؤثرة، خاصة أن هذه المادة تحقق نوعاً من الاحتكار السياسي للسلطة لكل مفاصل الدولة كـ مجتمع ومؤسسات، وهذا الأمر يتنافى جملةً وتفصيلاً مع مفاهيم المساواة في العمل السياسي والعلاقة بالجماهير والمؤسسات وفهم الدولة، والنظر إليها كمفردة في السياق التاريخي لتطور المجتمعات ووعيها بالحرية وممارستها على أرض الواقع.

شاهد/ي: في جمعة المحبة … السويداء انتفاضة لا تنتهي

وربطاً بالقناعة السابقة التي ترسخت لدى السوريين، فإن هناك أيضاً تصور بأن حزب البعث وما يعانيه من الترهل السياسي والعمل الحزبي القائم على التحييد والاقصاء بموجب المادة الثامنة، فإن ما يُشاع عن تحركات من قبل السلطة لإجراء إصلاحات جذرية في حزب البعث، تبدو وكأنها ذر الرماد في عيون السوريين أولاً، ولإرضاء حلفاء السلطة ثانياً، والقول بأن السلطة تسعى للتغيير ثالثاً، إذ يرى السوريين ضمن ذلك، بأن أي إصلاح ومهما أرتفع سقف التوقعات المرتبطة به، إلا أن الإشكالية الأساسية لم تعد قضية إصلاح حزب إقصائي مترهل، بقدر ما هي أزمة سلطة تعتمد آليات سياسية داخلية وخارجية، وتقود مؤسسات الدولة انطلاقا  من مفاعيل وتأثيرات المادة الثامنة “حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع”.

لا حياة سياسية في سوريا في ظل حزب البعث

الواقع السياسي وكذلك الممارسة العملية للحياة السياسية في سوريا، تحكمها جُملة من الآليات المرتبطة بالمادة الثامنة، خاصة أن الأخيرة طُبقت ولا تزال من قبل السلطة، بغية تفريغ أي عمل سياسي وحزبي في سوريا من المفاهيم الأساسية التي ترتكز عليها الحياة السياسية، وبذلك فقد تم تفريغ مفهوم الانتخاب كـ مفهوم يتحدد من خلال الصندوق الانتخابي، إلى حالة أشبه بالتعيين المسبق للأشخاص في المراكز القيادية لمؤسسات السلطة والمنظمات التابعة لها، وممارسة أي نشاط سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، أضحى حقاً حصريا لحزب البعث العربي الاشتراكي ومنظومته الثقافية والفكرية والسياسية؛ ضمن هذا الواقع فقد طغى الحزب على الدولة ثقافةً وتنظيماً ومجتمعاً، بينما بات الحزب يعتقد أن كل ذلك هو حق تاريخي مكتسب أو حتى إلهي له.

حقيقة الأمر، لم تُفضي الممارسة العملية لبنود المادة الثامنة، والتي لا تزال فاعلة ومؤثرة في كل مفاصل الملف السوري، إلى تحييد اي عمل سياسي وحزبي أخر في سوريا فحسب، ولم تفضي فقط إلى إلغاء التعددية السياسية الحقيقية، وحق الاختلاف وغياب الرأي الآخر فقط، بل كانت هذه المادة ولا تزال سبباً في انتشار الفساد ضمن مؤسسات السلطة، فضلاً عن تكلس تلك المؤسسات، وبهذا فإن المجتمع السوري الذي يضم مختلف الاطياف، كلها أختفت وراء الحزب وسلطته، فلا قرار ولا عمل إلا بموجب قرار حزبي، الأمر الذي ألغى الدولة بمفهومها السياسي والدستوري، وبات حزب البعث ضمن ذلك أقوى من الدولة، من خلال تدخله في تحديد تركيبة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية التي من المفترض أن تنظم الحياة العامة من خلال القانون والمواطنة كـ انتماء للدولة وليس الحزب.

أزمة وإشكالية معقدة تفرضها بقاء السلطة حزبياً وممارسة سياسية

بات واضحاً أن المادة الثامنة لم تُلغى كـ نص دستوري، بل هي مادة لا تزال تؤثر وبقوة على سوريا والسوريين، الأمر الذي يؤكده وحيد خميس 49 عام عمل سابقاً في صفوف حزب البعث، إذ يؤكد أنه وبخلاف الحقائق السياسية التي تحددها أساسيات بناء الدولة وتنظيم عمل المؤسسات، فإن حزب البعث هو من يقوم بتحديد مسارات الدولة في المستويات كافة، وهذا يُهدم الدولة ويفقدها رمزيتها لدى السوريين؛ ويضيف أن في كل المحافظات السورية هناك أمين لفرع الحزب وهو من يجسد سياسات الدولة، وليست المؤسسات الأخرى التي تمثل الدولة، وهذا فرق كبير له تأثيرات على بينة الدولة من الناحية المجتمعية، فالسياسة السورية اليوم قائمة على الحزب الأوحد المنوط به إدارة حياة السوريين بل وتنظيمها، وهذا يناقض جوهر الدستور السوري.

يؤكد وحيد، الدولة كـ مؤسسات وقانون هي المسؤولة عن إدارة حياة السوريين وتحقيق التنمية ومشاركة المجتمع في مختلف النشاطات على أساس من التعايش السلمي، إلا أن استئثار السلطة وحزبها بالقرار أفضى إلى إقصاء أي مكون سياسي تحت مسميات وشعارات غُلفت بالاشتراكية والقومية، وهذا ما كان له سبباً مباشر في تقهقر المجتمع المدني وغيابه بل واختفاؤه من المشهد العام.

الدولة كـ صيغة عقد اجتماعي

الواقع في سوريا يؤكد بأن الدولة كـ صيغة عقد اجتماعي لم تعد قائمة فعلياً، وهذا ما تُجمع عليه كافة القوى السياسية، ومن المؤسف القول بأن الدولة أضحت مؤطرة في الحزب وسلطته والمنظمات التابعة له بموجب المادة الثامنة ومفاعليها، وعليه فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى أزمة هذه المادة كمجرد مادة دستورية وجدت في ظرف أو مرحلة تاريخية ما، أو تحت مبررات سياسية محددة، بقدر ما يمكن النظر إليها كـ أزمة سلطة من منظار الأزمة الجارية حاليا، لأن المطلوب ليس إلغاء هذه المادة فحسب بل تداعياتها على الدولة كمؤسسة ومفهوم ووظيفية ودور.

شاهد/ي: مَن يخرق الدستور السلطة أم الشعب؟

أسامة عبد الرحيم 52 عام، وهو أمين فرقة حزبية غادر سوريا منذ 7 سنوات، يؤكد بأن المادة الثامنة لا تزال واقعاً على الأرض حتى لو نسخ هذه المادة من الدستور، والواقع يؤكد بأن المجتمع السوري بتنوعه وتعدده وروحيته وهويته العامة، بات كل ذلك محدوداً في ظل سلطة حزب البعث، والهيمنة على كل المجتمع السوري، وهذا ما يعطل حقيقةً عملية الانتقال الى واقع جديد وكتابة عقد اجتماعي جديد ينظم الحياة العامة في البلاد على أسس عصرية وديمقراطية.

يتابع أسامة، بأن المادة الثامنة جلبت الكوارث على سوريا والسوريين، خاصة أن هذه المادة لم تعطي حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع فحسب، بل كانت هذه المادة هي أُس الأزمات، وأكثر من ذلك، فإن هذه المادة كانت بمثابة خزان الأزمات الحالية التي أنتجت ولا تزال الأزمات تلو الأخرى، ومن المعيب القول والتشدق بان هناك حياة سياسية في سوريا، طالما أن حزب البعث وهذه المادة التي جلبت الويلات على رؤوس السوريين، ومن المعيب أيضاً أن تكون دولة بـ مؤسساتها وهيئاتها تلتحق بحزب البعث وليس العكس، فيما الدولة كمفهوم وسياق ونظام عام لا يستقيم مع وجود المادة ومفاعليها.

صفوة القول، لطالما كان حزب البعث يدّعي أن قواعده الشعبية حاضرة ومؤثرة، وأن هذه القاعدة الشعبية تضم ملايين المُريدين والمقتنعين بأفكاره ومنطلقاته النظرية، إلا أن الواقع يعكس خلاف هذه المقاربة، فالحزب الذي كان سبباً في أزمات السوريين وتدهور واقعهم في المستويات كافة، لم يكن يوماً يعمل في صالح “قواعده الشعبية”، بل على العكس، فالتجربة والسياق المنطقي للواقع السوري يُقرأ من خلال أزمات السوريين المستمرة، وفي المقابل فإن أي حزب حاكم تُحدد مساراته وتُنظم أولوياته لخدمة الصالح العام، وليس لخدمة فرد أو عائلة، لكن حزب البعث واستناداً إلى المادة الثامنة، حوّل سوريا بثرواتها ومؤسساتها الى رهينة بيد السلطة.

في جانب آخر، وضمن التساؤلات التي يتداولها السوريين، وعلى اعتبار أن القواعد الشعبية لـ حزب البعث تضم الملايين من السوريين، ليبرز التساؤل الأهم، أليس في هذه الملايين فرد واحد قادر على إدارة سوريا والانتقال بها إلى سوريا ديمقراطية تعددية تؤمن بالتغيير وتداول السلطة؟. ما سبق يُعد دليلاً على اغتصاب سوريا من قبل مجموعة أمتطت حزب البعث، وهذا ما جعل الحزب يفشل في إدارة الواقع السوري، رغم نجاحه في بعض الأماكن، وهذا أيضاً ما يؤكد على مدى هزالة الحزب، ورؤاه السياسية الضيقة.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة