Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

بقلم: جيهان خضرو

أنتجت الأزمة السورية التي تعيشها سوريا منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، معاناة وأزمات متعددة الأبعاد، انعكست تأثيراتها المأساوية على الحياة الإنسانية والأداء التنموي، بسبب الأضرار البالغة التي أصابت كلاً من الرأسمال البشري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والبيئة الطبيعية، والمعالم الحضارية السورية.
تجلت تأثيرات هذه الأزمة في تدهور حالة السكان على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية، لكن بمستويات مختلفة، كما شهدت مدة الأزمة –التي طال أمدها– تغيرات في طبيعتها وعمقها وانتقالها وتأثيرها من منطقة إلى أخرى.

ورغم أن تأثيرات الأزمة طالت فئات المجتمع كافة، رجالاً ونساءاً وأطفالاً، فإنها كانت أشد قساوة على فئاته المهمشة، وكان التأثير أعمق في وضع المرأة، ذلك بحكم مسؤولياتها الطارئة، ووضعها في التراتبية الاجتماعية، مما جعلها تتحمل الأعباء الجسام في هذه الأحداث.

شاهد/ي: مجلس سوريا الديمقراطية والمهام المنتظرة

يعد طرح مثل هذا الموضوع في الوقت الحالي، محاولة لتقصي مآلات الأزمة من جهة تداعياتها على واقع المرأة السورية، وإبراز دورها طوال سنوات الأزمة، ومعرفة احتياجاتها في هذه الظروف الصعبة، وذلك بغية العمل على التخفيف من الـتأثيرات المترتبة على وضعها، واقتراح ما يمكن عمله آنياً أو مستقبلاً من أجل النهوض بواقعها، وتداركاً لما يحصل غالباً من استبعاد للمرأة أو إهمال لواقعها في معرض تناول انعكاسات الأزمة، ووضع الاستراتيجيات المستقبلية لما يجب فعله في المراحل اللاحقة.

تأتي أهمية تناول هذا الموضوع، ليس بسبب أهمية دور المرأة طوال مدّة الأزمة الحالية فحسب، بل واستشرافاً لأهمية دورها في النهوض بالمجتمع من أزمته الحالية، وإبراز دورها في بناء السلام، والإسهام المتوقّع منها في إعادة إعماره اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً.

وإن الأزمة أفرزت واقعاً مريراً على النساء بشكل كبير ونعلم أنه عندما تندلع الحروب في المجتمعات الذكورية يكون من الصعب بناء السلام بعدها، وهذا عائد لطبيعة السلوك الذكوري، حيث تعارض هذه المجتمعات إعطاء الفرصة لطاقات النساء للمساهمة في صنع القرار والقيادة في بناء السلام. على الرغم من عدم وجود أسباب حقيقة تمنع مساواة المرأة والرجل، ما تزال الصورة النمطية والتمييز على أساس الجندر أو النوع الاجتماعي، تحكم علاقة المجتمع بالمرأة.

بعد هذه السنوات من الأزمة، عانت النساء السوريات بشكل هائل خلال النزاع، مع ذلك لم يستسلمن، وأصبحن بدلاً من ذلك بطلات شجاعات كل يوم. فهن ناشطات سياسيات، ويقمن بالإبلاغ عن الانتهاكات التي ترتكبها من هم في السلطة. والعديد من هؤلاء النساء يعتبرن العائل الوحيد لأسرهن، ويخاطرن بحياتهن لتجرؤهن على رفع أصواتهن.

فمشاركة النساء في العملية السياسية أمر أساسي لتحقيق المساواة بين الجنسين، وحقوق الإنسان بالنسبة للجميع. ويجب على المجتمع الدولي وضع حد للعنف الجنسي، وغيره من أشكال العنف، والتمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي. وضمان تمثيلهن بفعالية في محادثات السلام، والمفاوضات، وصياغة الدستور، وعمليات بناء السلام الأخرى “.

وان دور المرأة في بناء السلام وصناعته ليس شكلياً، ونجاح المرأة في بناء السلام دبلوماسياً، وفي الميدان، وتحديداً مع حفظ السلام، وبناء المجتمع لا يمكن تجاهله، وهو مدعاة للفخر، لأن المساواة الجندرية هي رسالة قوية للمجتمعات لتحث على ضرورة التمسك بالمساواة التي ينبغي أن تتمتع بها مكونات الشعوب كافة، كونها إحدى الوسائل التي يمكن أن توقف العنف في المجتمعات وتفرض السلام بين البشر. المساواة والعنف يتناسبان عكساً، فكلما ساد تطبيق المساواة انخفض العنف بكافة أشكاله، المنزلي، والمجتمعي، والممارس في الحروب. لذلك فإن تحقيق المساواة يعد أحد أهداف التنمية المستدامة لمستقبل أفضل للبشرية.

وكانت للمرأة السورية في الحراك المدني الدور البارز، على الرغم من الإقصاء الذكوري الذي طالما حاول ويحاول إيقافها، والذي في نفس الوقت زادها تحدٍ في نضالها سياسياً ومدنياً. بعد تطور الوضع السوري وتحوله لنزاع زادت معاناة المرأة وتحدياتها وأصبحت بين فكي المجتمع والحرب، فإننا نرى عديد من البنود تهدف ان تكون آلية للمعالجة والحد من تداعيات الأزمة السورية على المرأة عبر اعتماد وصياغة استراتيجيات وتكتيكات من شأنها أن تعزز من مقاومة المرأة حيال سياسات الاستبداد والاستعباد الممارس بحقها وتحقيق المزيد من المكتسبات وإحلال الأمن والسلام في المنطقة وهي كالتالي:

إن تفعيل المواثيق التي اعتمدتها منظمات المجتمع الدولي في مواجهة الانتهاكات التي تمارس بحق المرأة من شأنها أن تضع حداً للانتهاكات التي تمارس بحق المرأة السورية وخاصة من قبل الجماعات الإسلامية الأصولية والمدعومة تركياً.

إن وضع حدٍ لتدخلات الدول الإقليمية وخاصة الدولة التركية في الشؤون الداخلية السورية من شأنه أن يوقف الجرائم المرتكبة بحق النساء في سوريا عامة وشمال غرب سوريا خاصة في المناطق المحتلة (عفرين، إدلب، رأس العين، تل أبيض، إعزاز، الباب، جرابلس).

إن الانتهاكات المرتكبة بحق النساء في سياق الأزمة التي تشهدها البلاد ترقى إلى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وهذا ما يفرض إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمقاضاة جميع الأطراف المنخرطة في هذه الانتهاكات وتأمين الحماية للمرأة وضمان حقوقها وفق العهود والمواثيق الإنسانية الدولية.

إن عمليات التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي على امتداد الجغرافيا السورية وخاصة في المناطق المحتلة من قبل الدولة التركية ومرتزقتها لها تأثير عميق على المرأة وسبب إضافي لمعاناتها وتدهور صحتها النفسية والبدنية ويعزز في نفس الوقت من ثقافة الكراهية بين المكونات السورية هذا الأمر يحتم على المنظمات والقوى والمؤسسات والنخب الفكرية، الحقوقية والسياسية والإغاثية، المحلية والإقليمية والدولية، تكثيف جهودها للحد من هذه العمليات وتشهيرها لإجبار الأمم المتحدة ومؤسساتها للقيام بمسؤولياتها تجاه المرأة السورية وهذا من شأنه أن يعزز الأمن والسلم الدوليين.

نظراً لما تعانيه النساء من اضطرابات نفسية ولإعادة تأهيلهن ودمجهن بالمجتمع هناك حاجة لإنشاء مشاريع ومراكز مختصة للتنمية البشرية وإعادة التأهيل ويقع على عاتق المنظمات الدولية والقوى المحلية والإقليمية والدولية دعم هذه المراكز والمشاريع.

نظراً لدمار البنى التحتية وعمليات الهجرة والتهجير والنزوح وفرض الحصار، يعيش معظم النساء تحت خط الفقر ويجدن صعوبة في تأمين لقمة العيش، هناك حاجة لإقامة مشاريع اقتصادية تؤمن فرص العمل لهن وتحفظ كرامتهن، ودعمها يقع على عاتق القوى والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية.

نظراً لأنّ الضحايا من النساء في مختلف المناطق التي شهدت معارك وصراعات و تعرضن لنفس الجرائم والانتهاكات تقريباً وحتى تتمكن المرأة من حماية حريتها وحقوقها هناك حاجة لمنظومة سياسية وحقوقية واجتماعية جديدة تشكل مظلة جامعة لجميع المنظمات والمؤسسات والمراكز المعنية بحقوق المرأة السورية.

إن مشاركة المرأة بفاعلية في صياغة أي دستور وطني جديد للبلاد وفسح المجال لها في المشاريع المكرسة مستقبلاً لإعادة الإعمار من شأنه أن يضمن حقوق المرأة والتخفيف من معاناتها.

شاهد/ي: المشهد السوري وأداء المعارضة

لا شك أن الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمان قد خلّفت تداعيات مدمرة على حياة السوريين عموماً والنساء على وجه الخصوص. فقد عانت النساء السوريات معاناة مضاعفة، حيث تحملن أعباء إضافية في ظل النزوح والتشرد والفقر المدقع والانتهاكات الجسيمة لحقوقهن الإنسانية.

لكن رغم ذلك، أظهرت النساء السوريات شجاعة وقوة لا مثيل لها في مواجهة هذه الظروف القاسية. فقد لعبن دوراً محورياً في الحراك المدني والنضال من أجل السلام والحرية، متحديات كل العقبات والتهميش الذي واجهنه.

إن مستقبل سوريا لن يكون مستقراً وآمناً دون ضمان حقوق المرأة وتمكينها في جميع المجالات. لذا يجب على المجتمع الدولي والقوى المحلية والإقليمية الاستجابة الفورية لمعاناة النساء السوريات، وتبني استراتيجيات شاملة لحمايتهن وإشراكهن بفاعلية في عمليات بناء السلام وإعادة الإعمار.

إن حقوق المرأة السورية وكرامتها لم تعد قضية محلية فحسب، بل هي قضية إنسانية عالمية يجب التصدي لها بكل الوسائل الممكنة. فالمساواة بين الجنسين ليست مجرد شعار، بل هي أساس لبناء مجتمعات أكثر عدالة وسلاماً واستقراراً. ولن تتحقق هذه الغاية إلا بتضافر الجهود المحلية والدولية لإنصاف المرأة السورية وتمكينها من المساهمة الكاملة في مستقبل بلادها.

جيهان خضرو
رئيسة مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطية

المشاركة