شهدت مناطق إدلب والأريـاف المحيطة بها شمال غربي سوريا، منذ 25 فبراير/شباط الماضي، موجة احتجاجات شعبية واسعة ضد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وزعيمها أبو محمد الجولاني، على خلفية الانتهاكات الأمنية والاعتقالات التعسفية التي نفذتها الهيئة خلال الفترة الماضية.
نزل مئات المحتجين إلى الساحات الرئيسية في مدن إدلب وحلب وريفهما، بالإضافة إلى مدن تفتناز وسرمين واحسم وحزانو وجسر الشغور وأرمناز وبنش وكفرلوسين ومعرة مصرين ومشهد روحين وأطمة ودير حسان ودارة عزة، مطالبين برحيل الجولاني وإطلاق سراح المعتقلين وجميع معتقلي الرأي، وحل جهاز الأمن العام، ومحاسبة المنظومة الأمنية على الانتهاكات، بالإضافة إلى مطالب معيشية كتخفيف الرسوم والضرائب المفروضة على الأهالي.
وقال محمد (32 عاماً)، موظف في إحدى المنظمات الإغاثية بإدلب: “المظاهرات استمرت لفترة طويلة لأن الناس لم تعُد تحتمل ممارسات تحرير الشام التعسفية، فالاعتقالات والتعذيب وفرض الضرائب بشكل جائر أمور لا يمكن السكوت عنها”.
شاهد/ي: الريف الحموي يغرق في القمامة وتفشي اللشمانيا.. والسلطة غائبة
وامتدت المظاهرات في 10 مايو/أيار الجاري، لتشمل عشرات المدن والبلدات، حيث حمل المتظاهرون لافتات تطالب بمحاكمة الجولاني ورحيله. ووصفها المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنها “الأكبر من نوعها” منذ سيطرة الهيئة على المنطقة، كما ندد المتظاهرون بمحاولات الهيئة الالتفاف على مطالبهم من خلال تشكيل لجان وعقد جلسات دون تحقيق نتائج على أرض الواقع.
وقال أبو أحمد ( 45 عاماً)، أحد سكان إدلب المشاركين في المظاهرات: “لن نتوقف حتى تحقيق مطالبنا كاملة، فقد سئمنا من ممارسات تحرير الشام القمعية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، نريد إسقاط الجولاني ومحاكمته على جرائمه”.
وبدأت شرارة الاحتجاجات بعد مقتل شاب تحت التعذيب في سجون الهيئة، قبل أن تتسع دائرة المطالب لتشمل إسقاط الجولاني وإنهاء المحاصصة في العمل التجاري وإلغاء الرسوم والضرائب على البضائع والأهالي، في ظل استياء شعبي متصاعد من الأوضاع المعيشية والممارسات الأمنية للهيئة.
قالت أم محمد، ربة منزل من مدينة إدلب شاركت في المظاهرات مع عائلتها:
“الناس تعبت من هذه الهيئة وجرائمها، نريد أن نعيش بحرية وكرامة”.
وشملت الاحتجاجات مختلف فئات المجتمع في إدلب، إذ نفذ عمال النظافة والمعلمون وطلاب الجامعات وقفات احتجاجية ومظاهرات، مطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية وتلبية مطالبهم المهنية والاقتصادية، في حين رفضت إدارة حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة الاستجابة لمطالب المحتجين.
وقال معلم من بلدة كفرلوسين: “طالبنا بزيادة الرواتب وتحسين أوضاعنا لكن حكومة الإنقاذ تجاهلتنا وهددتنا بالطرد من العمل إن لم نعد لمدارسنا”.
شاهد/ي: حمص بين “انتصار السلطة” وواقع المدينة المزري
واتخذت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) إجراءات غير كافية، تمثلت في إصدار عفو عام محدود عن بعض المعتقلين، وتشكيل لجان للاستماع للمطالب، في محاولة لاحتواء الاحتجاجات والالتفاف على المطالب الرئيسية دون استخدام القوة المفرطة بشكل واضح.
لكن الاحتجاجات استمرت لأكثر من 75 يوماً في محافظة إدلب، في تحد غير مسبوق لسلطة هيئة تحرير الشام وسيطرتها على المنطقة، ما يشكل نقطة مهمة بخصوص شرعيتها كسلطة أمر واقع في ظل الاستياء والسخط الشعبي المتزايد من ممارساتها الإدارية والأمنية والاقتصادية.
تقول نعيمة (28 عاماً)، ناشطة إعلامية من مدينة إدلب “الهيئة كانت تتصرف كأنها دولة، لكن احتجاجاتنا أظهرت أنها لا تمثلنا وعليها الرحيل”.
واعتبر ناشطون أن الحراك الشعبي انطلق نتيجة تراكمات وضغوط بسبب سياسات الهيئة، التي أدت لانفجار الشارع ضدها بعد سنوات من احتكار السلطة والقرارات التعسفية والتضييق على السكان، في حين يرى مراقبون أن محاولات تحرير الشام احتواء الاحتجاجات قد تكون مؤقتة في ظل استمرار التظاهرات وتجدد مطالبها.
بلال الأحمد- ادلب