يبدو واضحاً أن السلطة التي وصلت إلى ذروة استهتارها حيال أزمات ومعاناة السوريين، تريد في ذات الإطار تسويق وترويج فكرة أن السوريين في مناطق سيطرتها باتوا عاجزين عن التفكير خارج صندوقها، وأن السوريين غير قادرين على رؤية ما تراه السلطة من مؤامرات خارجية تُحاك ضدهم وضد سلطتهم التي حققت جُملة من “الانتصارات”. هي انتصارات حاولت السلطة وأبواقها تكريسها في عقول السوريين، ولابد من المقاومة والتصدي للحصار الاقتصادي؛ لكن في العمق فإن هذا الحصار تفرضه السلطة على السوريين عبر سياساتها وقوانينها، فما يطال الشعب السوري من أزمات ومعاناة، لا تطال السلطة القابعة في بوتقة وهم الانتصار، وربطاً بذلك فإن السلطة ظنت ضمن كل ما سبق، أن الاحتجاجات ماتت، وأن المدن القابعة تحت سيطرتها لم تعد قادرة على الصراخ خاصة عند التلويح باستخدام القوة العسكرية، لكن وكـ عادة السلطة التي تعيش أوهاماً، فإن أي مدينة سورية هي مكان قابل للانفجار في أي لحظة، فـ السوريون ضاقوا ذرعاً جرّاء سلطة الأمر الواقع القابعة في دمشق.
فقد تحولت سوريا في ظل هذه السلطة، إلى ساحة تحكمها أهواء السلطة ومصالح حلفائها، دون اكتراث للسوريين ورغباتهم وتطلعاتهم، فقد تحرك أهالي السويداء سلمياً منذ ما يقارب الـ 9 أشهر، مطالبين برحيل السلطة وتحقيق الانتقال السياسي، وبناء سورية ديمقراطية تعددية تؤمن بالتغيير وتداول السلطة. هو حراك مستمر، وباستمرار هذا الحراك فقد بات واضحاً أن السلطة تخشى من أصوات الاعتراض الخارجة من السويداء، لعلمه أنها تهدده لا سيما أنها لا تقتصر على السويداء وحدها، وهذا عكس ما تحاول السلطة الترويج لها، بادعاء أن الناس حانقة على المسؤولين بسبب سياساتهم التي أوصلت البلاد لهذا الحال.
شاهد/ي: الاحتجاجات الشعبية تهز سلطة هيئة تحرير الشام في إدلب
واقع الحال يؤكد أن حراك السويداء ليس رد فعل على ممارسات السلطة ورأسها حيال السوريين فحسب، بل هو حراك نَجَم عن وعي سياسي عام، ينطبق على الجزء الأكبر من السوريين، والسلطة تخشى امتداد هذا الغضب إلى بقية المدن السورية، لكن في السويداء هناك خشية مضاعفة، إذ إن تماسك المدينة وأبناءها يشكل قوة بحد ذاتها، وإذا ما اشتعلت نيران المواجهة العسكرية، وحاولت السلطة بأدواتها القمعية والعسكرية والأمنية إخماد الحراك، خوفاً من تمدده، فإن ذلك يعني وقوع المحظور محلياً وإقليمياً ودولياً.
هل يقع المحظور؟
مع استمرار الحراك في السويداء، فإن المشهد في المحافظة الجنوبية يزداد وضوحاً لجهة استمرارية الحراك وتنظيمه ووضوح مطالبه، فـ السلطة التي راهنت على عدم استمرارية الحراك، خاب رهانها أمام صمود أهالي السويداء، ورغم محاولة السلطة وأبواقها شيطنة الحراك والمتظاهرين، إلا أن الأهالي أثبتوا من خلال سلمية الحراك والشعارات التي يطالبون بها، أنهم سوريون وطنيون وما يقومون به ما هو إلا نتيجة لسياسات السلطة، وليس كما تروج هذه السلطة بأن التحرّك والشعارات هي أجندة خارجية، وهذا ما يؤكد بأن السلطة وأبواقها فشلوا في تشويه سلمية الحراك وشيطنة الشعارات.
يرى مدير إعلام الانتفاضة الشعبية في السويداء مرهف الشاعر، أن السويداء شهدت تطوراً لافتاً في مشهد الحراك والانتفاضة الشعبية مع قدوم تعزيزات وحشود عسكرية أرسلتها السلطة والتي يراها كثيرين بأنها تحمل نوايا مبطنة تُجاه الحراك السلمي بالدرجة الأولى والمستمر بشكل يومي منذ قرابة التسعة أشهر، خاصة وأن هناك بعض المجموعات المرتبطة أمنياً أصدرت بياناً تعلن عزمها ضبط الوضع الأمني في السويداء من خطف وسلب.
ويضيف الشاعر، أن المشهد الضبابي الحالي والحذر من تكرار التجارب الدموية بحق المدينة لإخماد صوت الانتفاضة، قد تقوم بها السلطة أو من خلال فتنة داخلية هو الشغل الشاغل، حيث شهدت المدينة لقاءً لأغلب قياداتها ووجهائها بغض النظر عن اصطفافهم السياسي، حيث أكدوا على ضرورة وحدة الصف والوقوف بوجه اي محاولة للتصعيد أو الضغط العسكري.
ومع استمرار الحراك، وعلى خلفية محاولة السلطة استفزاز المتظاهرين، يبدو أن السويداء على موعد مع مشهد جديد. هو مشهد تحاول السلطة فرض هيمنتها المفقودة من خلاله، والأهم أن السلطة التي فقدت ماء وجهها في المستويات كافة، تحاول إعادة ترميم صورتها عبر إرسال الأرتال العسكرية إلى محيط مدينة السويداء، وتعزيز نقاطها سواء في داخل المحافظة أو على أطرافها، في مشهد يُذكر السوريين باستخدام السلطة للقوة العسكرية ضد المدن التي انتفضت ضدها.
شاهد/ي: الريف الحموي يغرق في القمامة وتفشي اللشمانيا.. والسلطة غائبة
في هذا الإطار، وفي قراءة المشهد على المستوى الإقليمي، يؤكد مدير إعلام الإنتفاضة الشعبية في السويداء مرهف الشاعر قائلاً: يبدو أن هذه المؤشرات والحشود رسالة من السلطة بتخليها عن الحليف الإيراني في الجنوب السوري بعد الضربات المتكررة التي تلقتها في مواقع عسكرية، وقد تكون هذه المناورة لإعادة تموضع بحجة حماية الحدود، وأيضاً تكرار سيناريو داعش المصطنع في المدينة.
جملة ما سبق، فإن مسار التطورات في السويداء قد لا يخلو من محاولة السلطة التشويش على سياق الحراك، فالحراك وعلى مدى تسعة أشهر، قدّم نموذجاً سلمياً حضارياً، وقطع الطريق على السلطة وأبواقها حيال محاولتهم شيطنة المتظاهرين، والتصويب على أن الحراك جاء بدعم خارجي غايته الانفصال، إلا أن الحراك وما يرفعه من شعارات لا تنازل عنها، فإن مطالب رحيل السلطة وبناء سوريا ديمقراطية حرة، هي مطالب عموم السوريين، ولم تُجلب هذه الشعارات من الخارج، بل هي نتاج وعي السوريين الذين ضاقوا ذرعاً بممارسات السلطة، وبات التغيير ضرورياً.
عمر الصحناوي- السويداء