شهدت مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في محافظتي إدلب وحلب شمال غربي سوريا، موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني وحل جهاز الأمن العام، و تصاعدت وتيرة التظاهرات على الرغم من حملة القمع والاعتقالات التي تشنها قوات الأمن التابعة للهيئة.
نطاق الاحتجاجات وأبرز المطالب
انتشرت التظاهرات في عدد كبير من المدن والبلدات والمخيمات في ريفي إدلب وحلب الغربي، حيث رصدت 14 نقطة تظاهر رئيسية. توحدت مطالب المحتجين في ضرورة إسقاط الجولاني وحل جهاز الأمن العام ومجلس الشورى، والإفراج عن معتقلي الرأي في سجون هيئة تحرير الشام.
شهادات من داخل المناطق المحتجة
قال أحمد ق (41 عاماً)، أحد المتظاهرين من بلدة أبين بريف حلب الغربي: “ما يحصل من حملة اعتقالات من قبل الجولاني لا يرهبنا، ومع أن مطالب المتظاهرين سلمية، لكنها أصبحت تُقمع. مطالبنا واضحة وهي إسقاط الجولاني وجهاز الأمن العام وتبييض السجون.”
شاهد/ي: مشهدية الحراك في السويداء.. هل تسعى السلطة إلى حسم انتفاضة السويداء؟
من جانبه، قال عبد الباسط ن (37 عاماً)، أحد نشطاء الحراك الشعبي: “اليوم كان اسم الجمعة الحرية لمعتقلي الرأي الأحرار، ونحن نتظاهر في هذه الجمعة للتعبير عن تضامننا مع النشطاء والمتظاهرين الذين اعتقلهم جهاز الأمن العام التابع للجولاني. التظاهر السلمي حق مطلوب، لا سيما أنه شاركنا في هذه التظاهرة بأيد مكبلة للتعبير على أن أفواه الناس مغلقة وأيديهم مقيدة للتأكيد على أننا سلميون وسوف نستمر في سلميتنا حتى تحقيق مطالب الثوار.”
قمع الاحتجاجات وحملات الاعتقال
في محاولة لإجهاض الحراك الشعبي، نشرت هيئة تحرير الشام حواجز عسكرية على الطرق العامة والفرعية وقطعت أوصال المناطق قبيل انطلاق التظاهرات. كما نشرت العديد من المصفحات والآليات العسكرية على الطرق الرئيسية في مدن إدلب وجسر الشغور وبلدات الفوعة وبنش.
وفي خطوة أخرى للتضييق على المتظاهرين، أصدر جهاز الأمن العام في هيئة تحرير الشام قائمة سرية بأسماء 780 متظاهراً يدعون للتظاهر ضد الجولاني، لاعتقالهم والاعتداء عليهم.
كما اعتقل جهاز الأمن العام عدداً من النشطاء والمتظاهرين على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات، بينهم الشيخ أبو حسان الحموي في مدينة إدلب، والناشطين أحمد فارس أغجة وحسين أحمد أبرش.
تهديدات الهيئة للمتظاهرين
في محاولة لردع المتظاهرين، هددت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام باستخدام الشدة في التعامل مع الاحتجاجات، واصفة المحتجين بـ”العابثين والمحرضين على الفتن ونشر الفوضى”. كما أصدرت وزارة الداخلية في الحكومة بياناً تصعيدياً اعتبرته “فرصة أخيرة” أمام المحتجين لوقف مظاهراتهم.
من جهته، هدد وزير الداخلية محمد عبد الرحمن بضرب المتظاهرين “بيد من حديد”، فيما دعا الجولاني الوجهاء إلى إلزام مناطقهم بعدم التظاهر، زاعماً أن طلبات المحتجين لُبيت من قبل.
رفض أميركي لقمع الاحتجاجات
في خطوة لاحقة، انتقدت الولايات المتحدة حملة القمع التي تشنها هيئة تحرير الشام ضد المتظاهرين، وجاء البيان الصادر عن السفارة الأميركية في دمشق “بعد أشهر من الاحتجاجات المناهضة للهيئة في محافظة إدلب الواقعة شمال غربي سوريا ونظم الاحتجاجات أشخاص معارضون لحكم الجماعة التي كانت تعرف في وقت ما باسم “جبهة النصرة” أو فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، قبل أن تغير الجماعة اسمها في وقت لاحق مرات عديدة، من دون أن يغير نأيها بنفسها عن تنظيم “القاعدة” شكلياً عن ارتباطها سلوكياً وأيديولوجياً به. . ورداً على ذلك، قالت الجماعة الجهادية إنه ينبغي لواشنطن بدلاً من ذلك أن تحترم المتظاهرين في الجامعات الأميركية الذين يحتجون على الحرب في غزة”.
مبادرة للحل بين المتظاهرين وتحرير الشام
في تطور لاحق، أعلن “تجمع الحراك الثوري” قبوله المبدئي بمبادرة “الإصلاح والتغيير” التي تقدمت بها شخصيات فاعلة من إدلب، بهدف الوصول إلى حل بين المتظاهرين وهيئة تحرير الشام.
ودعا التجمع في بيان إلى خلق الأجواء المناسبة لنجاح المبادرة عبر إطلاق سراح المعتقلين الذين تم توقيفهم على خلفية المظاهرات الأخيرة ضد تحرير الشام كبادرة حسن نية، ووقف الاعتقالات، مؤكداً أن “التظاهر حق مشروع لا يقبل التفاوض”.
شاهد/ي: ابتزاز وسرقات.. الفرقة الرابعة تهدد معيشة السوريين في حماه
وتتضمن المبادرة 7 نقاط من أبرزها تشكيل مجلس شورى حقيقي، ومجلس قيادة للمنطقة الغربية في إدلب، كما تدعو إلى تسليم كل المعتقلين لدى الفصائل لوزارة الداخلية، وتبييض السجون لا سيما معتقلي الرأي، فضلاً عن إصلاح القضاء وتفعيله. وتتضمن جدولاً زمنياً ينتهي بانتخاب مجلس الشورى وتشكيل القيادة الجديدة.
اتهامات متبادلة بين تحرير الشام وتنظيم داعش
في سياق متصل، زعمت هيئة تحرير الشام أنها تمكنت من قتل واعتقال أفراد خلية تابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي، ادعت مصادرها أنها اغتالت “أبو مارية القحطاني”، أحد مؤسسي جبهة النصرة سابقاً.
من جانبها، ادعت وسائل إعلام تابعة للهيئة أن الخلية التي اعتقلتها هي من نفذت عملية اغتيال “القحطاني” من خلال تفجير انتحاري داخل مضافته شمالي إدلب في إبريل/نيسان الماضي.
خلاصة واستمرار الاحتجاجات
في خضم هذه الأحداث المتسارعة، لا تزال الاحتجاجات الشعبية مستمرة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) شمال غربي سوريا، على الرغم من حملات القمع والاعتقالات التي تشنها الهيئة بحق المتظاهرين السلميين. ويبقى مصير الحراك الشعبي والمطالب برحيل الجولاني وإصلاح الأوضاع معلقاً في ظل تصاعد حدة الصدام بين الطرفين.
بلال الأحمد – إدلب