Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

على الرغم من جُملة المسارات السياسية التي دأبت على إيجاد تسوية للأزمة السورية، إلا أن تلك الأزمة وبتأثير مصالح القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الجغرافية السورية، تحولت إلى مجموعة من الملفات المعقدة، وذلك جرّاء التداخل الكبير للمصالح الدولية والإقليمية في الصراع، والذي تسعى من خلاله تلك القوى لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية مستفيدة من الأزمة السورية، وبصرف النظر عن تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، الذي قال إنه “لدينا فرصة نادرة للحل في سوريا من خلال ضرورة التقاطع بين جميع المبادرات المطروحة من جميع الأطراف، فليس لدى أي طرف القدرة على حلّ الأزمة بمفرده، وهناك حاجة للدفع بالتسوية من خلال “خطوة مقابل خطوة”، لكن تصريحات بيدرسون لا تتسق والواقع السوري وما يحكمه من تعقيدات وتشابكات، لـ يغدو جراء ذلك الملف السوري، أداة ضغط بين الأطراف الإقليمية والدولية التي تستغل مفردات الأزمة، بغية تعزيز المواقف الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية للأطراف المتصارعة، مما يعقّد الفرصة لإيجاد حلٍّ دائم وشامل للأزمة السورية.

واقعاً، فإن ما يتناوله المجتمع الدولي أو المسارات السياسية المتعلقة بالأزمة السورية، ترتكز على قضايا المساعدات الإنسانية، أو تلك المتعلقة بمحاسبة رموز السلطة، أو أي طرف ارتكب جرائم حرب بحق السوريين، لكن تلك القضايا يتم التعامل معها بشكل إفرادي، ويتم استغلالها لـ تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للأطراف المشتركة في الصراع محلياً وإقليمياً ودولياً، حيث تحولت سوريا إلى ساحة للمنافسة بين القوى العالمية والإقليمية، وهنا بات واضحاً أن الآليات التي تُستخدم في التعاطي مع تلك القضايا، تنقصها الجدية السياسية من قبل كل الأطراف أولاً، وتالياً فإن للسوريين الحقّ في مناقشة تلك القضايا المتعلقة بمستقبل بلادهم، لكن مناقشة كل قضية على حدة كـ عودة اللاجئين أو الانتقال السياسي، تعكس تحول الملف السوري إلى ملفات فرعية تخص مناطق محددة في سوريا، والتي تسهم في تحقيق أهداف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، سواء كانت تهدف إلى ضمان الأمن الإقليمي أو حماية المصالح الوطنية للدول، لكن في العمق فإن ما يؤطر الملف السوري وما يعد مخرجاً لأزمة أرهقت السوريين، هو القرار الاممي 2254، والذي يُعد بوابة الحل لـ الأزمة السورية.

شاهد/ي: سياسات السلطة تقوض دور الحوالات في إغاثة السوريين

حقيقة الأمر أن آثار السياسات الإقليمية والدولية المتعلقة بعناوين الملف السوري، كـ المدن الأربعة “حمص ريف دمشق حماه وإدلب”، وكذلك ملف الغوطة، ومبادرات “أستانا”، واتفاقية الجنوب بين روسيا والولايات المتحدة، واتفاقيات الأمن المتعلقة بمدينة حلب من أجل الأمن القومي التركي بين روسيا وتركيا، والآلية الأمنية بين تركيا والولايات المتحدة؛ كل هذه الملفات تركت تأثيراتها الواضحة على الصراع السوري، فقد تسببت تلك الملفات بـ تجميد الملف السوري، وتقاذف عناوينه بين القوى الإقليمية والدولية، الأمر الذي تلقفته السلطة واستثمرته، بما يخدم بقاءها جاثمة على صدور السوريين، خاصة أن غالبية السوريين يرون بأن بقاء السلطة يُعد إشكالية تمنع الحل السياسي وتؤخّر خلاص السوريين.

تأكيداً لِما سبق، فإن كل المسارات السياسية وكل ما أُتفق عليه سواء لجهة مناطق خفض التصعيد، وغيرها من العناوين، إلا أن الأزمة السورية لم تُحل، ومع تزايد حالة الاستقطاب الدولي وتعقيد الملف السوري، فأن هذه السياسيات أو المسارات، تشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل وحدة سوريا في ضوء تقاسم مناطق جغرافية متباينة.

بعد سنوات الأزمة السورية، يبدو بشكل جليّ أن مصالح الدول المعنيّة والضالعة بالملف السوري تقتصر على جزئيات تتناسب وحجم مصالحها، دليل ذلك أن تركيا على سبيل المثال تريد تأمين حدودها، من خلال قضم مناطق الشمال السوري، وترسيخ فصائل تابعة لها في تلك الجغرافية، تستطيع ممارسة نفوذها عليها، بحيث تكون منطقة عودة للاجئين، وبذات الإطار حدّاً فاصلًا بينها وبين مناطق الإدارة الذاتية، والأمر الأخر تريد تركيا حقيقةً تصفية ملف اللاجئين السوريين داخل أراضيها، ولأجل هذه الرؤية تسعى تركيا لتطبيع علاقتها مع السلطة بشكل مباشر، مع التقاء مصالحها مع الأخيرة لجهة إنهاء نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، لكن ذلك يحدث وسط تناقض واضح في مواقف السلطة بشأن التقارب مع تركيا بين ترحيب ولا مبالاة.

الولايات المتحدة لا يزال الملف السوري وفق منظورها فرصة لمنع إيران وروسيا من تعزيز نفوذهما في الجغرافية السورية، نتيجة لذلك تقوم الولايات المتحدة باتخاذ الملف السوري كـ ورقة ضغط تعطيها الأفضلية على كل من طهران وموسكو، لذلك فقد ركزت واشنطن استراتيجيتها في الملف السوري منذ عام 2014، على العناية الإستراتيجية بالشمال السوري، لتحجيم الخطر الإيراني، خاصة أن الوجود الإيراني في سوريا وحجم نفوذه، يُشكل محدداً مهمًّا بالنسبة للسياسات الأمريكية، مع اعتبار حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في المنطقة “إسرائيل ودول الخليج العربي والأردن” إيران تهديداً أمنياً وخطراً يجب التعامل معه.

أما روسيا فقد تغير ترتيب أهمية الملف السوري في قائمة أولوياتها، وذلك منذ عمليتها العسكرية في أوكرانيا، نتيجة لذلك فقد تحول الملف السوري وفق المنظور الروسي إلى ورقة تفاوض وضغط أكثر منه غاية ومنطقة تسعى لاستدامة وجودها فيها، وإن كانت تفضل بلا شك الحفاظ على قواعدها العسكرية واستثماراتها إذا أتيح لها ذلك.

إيران التي تنظر إلى الملف السوري وفق منظور سياسي إيديولوجي، وهذا ما يجعل تواجدها في سوريا غايةً وهدفاً، وربطاً بذلك فقد اعتمدت طهران في مقاربتها لحفظ مصالحها في سوريا، على إنشاء قواعد اجتماعية مرتبطة بمشروعها الإيديولوجي، ضمن استراتيجية التغيير الديمغرافي في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية في سوريا، حيث تمكنت إيران وبتواطؤ من قبل السلطة، على تهجير أهالي الكثير من المناطق كـ أحياء جنوب دمشق، حيث يتهم السوريين إيران بتحويل تلك المناطق إلى معقلاً لـ قيادي الحرس الثوري وعائلاتهم، فضلًا عن مدن الميادين ودير الزور والبوكمال، التي تُشكل مراكز حماية لطريقها عبر العراق إلى سوريا، مع جيوب شبيهة في حلب وحمص وعدد من المناطق الساحلية.

شاهد/ي: الحراك الشعبي في إدلب يتصاعد رغم قمع هيئة تحرير الشام

وجرّاء الحرب الروسية في أوكرانيا، وتغيير الأولويات الروسية في سوريا، فقد عملت طهران على زيادة نفوذها في سوريا عبر توجهات إيدلوجية من خلال نشر التشيع في المناطق والمدن التي استحوذت عليها بحكم الأمر الواقع، وضمن ذلك فإن إيران تخشى من فك ارتباط السلطة معها، جراء حالة الانفتاح العربي والخليجي على السلطة، خاصة أن غالبية تلك الدول تمتلك علاقات واسعة مع إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا، الأمر الذي تضعه طهران في إطار العمل على طردها من سوريا، تحت مظلة مشروع سياسي يُنهي الأزمة السورية.

واقع الحال يؤكد بأن تعريف الحل السياسي في سوريا تختلف مفاهيمه بين طرف وآخر، لكن ثمة توافق اقليمي ودولي، باستثناء إيران، أن الحل في سوريا هو حل سياسي توافقي، يتضمن حكومة انتقالية تجتمع فيها كافة الأطراف السورية، بما يكون ترجمة حقيقية للقرار 2254، بينما إيران تُصر على حل تفرض فيه وجودها في سوريا وتحكمها في كل مفاصلها، على غرار ما يحدث في العراق، وهو ما يغير شكل الاصطفافات حول الملف السوري، إذ تبرز إيران أكثر فـ أكثر بكونها العقبة الرئيسية أمام أي حل مستقبلي، وضمناً فإن السلطة الحاكمة في دمشق تشاطرها بذلك.

ما سبق يؤكد بأن الأزمة السورية وما تتضمنه من مسارات سياسية، فإنها تُتنج حلولاً لكنها لم تنضج بعد، خاصة أن إيران وتركيا وضمناً روسيا، يتخذوا من الملف السوري ورقة استثمار تُشهر في وجه السوريين، فـ الكل متفق على أن الحل السياسي في سوريا يبدأ عبر تطبيق القرار الاممي 2254، وينتهي برحيل سلطة أرهقت السوريين وعززت أزماتهم، واستجلبت قوى إقليمية ودولية وجدت من الجغرافية السورية ملعباً جيو استراتيجياً لـ مصالحها، وعليه لابد أن ترحل تلك السلطة، والانتقال إلى سوريا ديمقراطية تعددية.

عمار المعتوق- دمشق

المشاركة