Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

منذ سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، شهدت المنطقة توترات متزايدة بين السكان المحليين والهيئة. وقد بلغت هذه التوترات ذروتها في الأشهر الأخيرة مع اندلاع موجة احتجاجات غير مسبوقة ضد الهيئة وزعيمها أبو محمد الجولاني. بدأت هذه الاحتجاجات في 25 شباط/فبراير من هذا العام، وسرعان ما انتشرت لتشمل معظم أنحاء المنطقة الخاضعة لسيطرة الهيئة.

تصاعد الاحتجاجات وتوسع نطاقها

شهدت مدن وبلدات عديدة في إدلب وريف حلب الغربي تظاهرات حاشدة، بما في ذلك مركز مدينة إدلب وأرمناز وبنش وكفرتخاريم وأريحا وأورم الجوز. وقد عبّر المتظاهرون عن مطالب متنوعة، تتراوح بين الإصلاح السياسي والاقتصادي وصولاً إلى المطالبة بإسقاط الجولاني ومحاكمته.

يقول أحد سكان إدلب، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته خوفاً من الملاحقة الأمنية : “نحن نطالب بحقوقنا الأساسية وبحكم عادل. لقد سئمنا من القمع والظلم الذي نعيشه تحت سلطة هيئة تحرير الشام.”

شاهد/ي: رشاوى وأتاوات.. التكلفة الخفية للاستيراد في سوريا

رد فعل هيئة تحرير الشام والحملة الأمنية

في مواجهة هذه الاحتجاجات المتصاعدة، لجأت هيئة تحرير الشام إلى تشديد قبضتها الأمنية بشكل غير مسبوق. فقد شنّ جهاز الأمن العام التابع للهيئة حملة اعتقالات واسعة النطاق، طالت العشرات من الناشطين والمعارضين. وثق “تجمع الحراك الثوري” في بيان أصدره مؤخراً اعتقال 11 شخصاً بطريقة وصفها بـ”الوحشية والهمجية”، مشيراً إلى وقوع انتهاكات خطيرة أثناء عمليات الاعتقال، شملت محاولات دهس وإطلاق نار واعتداءات على نساء.

وفي تصعيد للموقف، أصدرت وزارة الداخلية في “حكومة الإنقاذ” التابعة للهيئة بياناً وصفته بأنه “فرصة أخيرة” للمحتجين لوقف مظاهراتهم، مهددة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في حال استمرار الاحتجاجات.

مطالب المحتجين وتنظيمهم

يقود الاحتجاجات “تجمع الحراك الثوري”، وهو ائتلاف يضم عدة منظمات محلية بما في ذلك رابطة أهل العلم في الشمال السوري، واتحاد التنسيقيات، وتجمع مبادرة الكرامة. يطالب التجمع بإصلاحات جذرية تشمل إسقاط الجولاني وحل جهاز الأمن العام وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين و تشكيل مجلس شورى يمثل جميع فئات المجتمع وتعزيز سيادة القانون واستقلال القضاء واصلاحات اقتصادية لتحسين الوضع المعيشي للسكان.

وقد أكد التجمع على التزامه بالوسائل السلمية لتحقيق هذه المطالب، رغم تصاعد القمع من قبل هيئة تحرير الشام.

تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية

مع استمرار الأزمة، تتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في المنطقة بشكل مقلق. فقد أفادت مصادر طبّية بزيادة ملحوظة في عدد الإصابات الناجمة عن قمع المظاهرات. وقال مصدر طبي في أحد المشافي الميدانية بإدلب: “نشهد زيادة في عدد الإصابات الناجمة عن قمع المظاهرات. معظمها كدمات وجروح ناتجة عن الضرب المبرح، وبعض حالات إصابات بالرصاص المطاطي.”

كما أشار ناشطون إلى تزايد حالات النزوح الداخلي، حيث تفيد التقديرات بأن المئات من العائلات قد غادرت مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام خوفاً من الاعتقال أو الملاحقة. وقال أحد العاملين في منظمة إغاثية محلية: “نواجه صعوبات متزايدة في تقديم المساعدات الإنسانية بسبب القيود المفروضة على حركتنا وعملنا من قبل هيئة تحرير الشام.”

على الصعيد الاقتصادي، شهدت المنطقة ارتفاعاً حاداً في الأسعار وركوداً في الحركة التجارية، مما فاقم من معاناة السكان. وأفاد تاجر محلي: “الأسعار في ارتفاع مستمر، والحركة التجارية شبه متوقفة. الناس يخشون الخروج للتسوق، وهذا أثر بشكل كبير على أعمالنا.”

مبادرات الوساطة والمواقف الدولية

في محاولة لاحتواء الأزمة، برزت مبادرات محلية للوساطة بين المحتجين وهيئة تحرير الشام، وقال أحد وجهاء المنطقة “نحاول جاهدين إيجاد حل وسط يضمن حقوق الأهالي ويحافظ على استقرار المنطقة، لكن الأمر يزداد صعوبة مع كل يوم يمر دون حل.”

على الصعيد الدولي، تزايدت المطالبات بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد، فقد دعت منظمات حقوقية دولية إلى وقف الانتهاكات وإطلاق سراح المعتقلين. كما أعربت عن قلقها من تداعيات الوضع على استقرار المنطقة ككل.

شاهد/ي: قصص مأساوية لمعتقلات سوريات.. تعذيب وترهيب ممنهج في زنازين الرعب

تداعيات الأزمة على المشهد السوري

تأتي هذه التطورات في وقت حساس بالنسبة للمشهد السوري ككل. فمع استمرار الجمود السياسي على المستوى الوطني، تكتسب الأحداث في إدلب أهمية متزايدة. ويرى بعض المحللين أن نتيجة هذه الأزمة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل البلاد وعلى مسار الحل السياسي فيها.

تحديات قادمة

مع استمرار الأزمة، يبقى مستقبل إدلب محاطاً بالغموض. فبينما يصر المحتجون على مواصلة حراكهم السلمي، تبدو هيئة تحرير الشام مصممة على إحكام قبضتها على المنطقة. ويبقى السؤال الملح: هل ستنجح الجهود المحلية والدولية في إيجاد مخرج لهذه الأزمة قبل أن تتفاقم أكثر؟

تواجه المنطقة تحديات عديدة في المستقبل القريب، منها؛ احتمال تصاعد العنف بين المحتجين وقوات الهيئة وتفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة معدلات النزوح وتدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

تبقى الأنظار مشدودة إلى إدلب، حيث سيكون لنتيجة هذه الأزمة تأثير حاسم ليس فقط على مصير ملايين السوريين في شمال غرب البلاد، بل ربما على مستقبل سوريا بأكملها. ويبقى الأمل معقوداً على إمكانية التوصّل إلى حلٍّ سلمي يلبي تطلعات السكان المحليين ويضمن الاستقرار في هذه المنطقة.

بلال الأحمد – إدلب

المشاركة