تتعرض مدينة عفرين وعموم نواحيها وقراها، لسياسة عدوانية ممنهجة على يد تركيا وفصائلها السورية، بهدف القضاء على هويتها الكردية، حيث تنتشر الجرائم من قتلٍ واغتصاب واستيلاء على الممتلكات، فضلاً عن التهجير القسري والتدمير الممنهج للطبيعة، وتشكل هذه الممارسات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
إن ما جرى ويجري في مدينة عفرين السورية التي احتلتها تركيا وفصائلها فيما يسمى بـ “الجيش الوطني” في آذار/مارس 2018، والتي ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تشكل أنموذجاً للسياسة التي دأبت تركيا على اتباعها في المناطق ذات الغالبية الكردية من الشمال السوري بهدف القضاء على هويتها وخصوصيتها.
قتل واختطاف وتهجير قسري
على مدار أكثر من ستّ سنوات من الاحتلال، شنّت تركيا وفصائلها هجمات شعواء على أهالي منطقة عفرين الأصليين، وبحسب توثيقات المنظمات الحقوقية، فإنه منذ الهجمات التركية على عفرين في العشرين من كانون الثاني/نوفمبر عام 2018، وحتى الآن، قُتل نحو 843 شخصاً منهم 200 شخص قُتلوا تحت التعذيب أو تم إعدامهم دون محاكمات.
وخلال الفترة ذاتها، تعرّض أكثر من 9828 شخصاً للاختطاف بينهم 1121 امرأة وأكثر من 600 طفل، أفرج عن الغالبية بعد دفع فدى مالية وصلت إلى آلاف الدولارات فيما لا يزال مصير نحو 200 منهم مجهولاً.
وهذه الأرقام هي التي وثقتها المنظمات الحقوقية، في حين أن العدد الحقيقي للمختطفين أكبر من ذلك بكثير، نظراً لتكتم العديد من العوائل عن أفرادها المختطفين خشية على حياتهم.
كما تشير أرقام المنظمات الحقوقية إلى تهجير أكثر من 300 ألف نسمة من سكانها الأصليين بقوة السلاح، ولجأ نحو 8 بالمئة من سكانها الأصليين إلى مناطق الشهباء وبلدة تل رفعت في ريف حلب إلى جانب مناطق سورية أخرى، وتم توطين نحو400 ألف مستوطن في مدينة عفرين وعموم قراها ونواحيها السبعة، وينحدر هؤلاء المستوطنون من مختلف المناطق السورية وبشكل خاص ممن أجرت تركيا وروسيا اتفاقيات حولها مثل الغوطة الشرقية ودرعا وأرياف إدلب الجنوبية وحلب الغربية.
واستمراراً لعمليات التغيير الديمغرافي وترسيخ الاحتلال، تواصل تركيا وبدعم من جمعيات “إخوانية” قطرية وكويتية ومصرية وفلسطينية، وتحت مسميات إنسانية، بناء المستوطنات في قرى ونواحي مدينة عفرين المحتلة، وتعمل على توطين أفراد عائلات فصائلها فيها، بالتزامن مع عمليات التضييق المستمرة على السكان الأصليين لتهجير من تبقى منهم.
ويبلغ عدد المستوطنات في عفرين بحسب منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا أكثر من 25 مستوطنة تتوزع في المدينة ونواحيها، جميعها مبنية على أراضي المهجّرين التي تم الاستيلاء عليها من قبل الاحتلال التركي والفصائل التابعة له.
تدمير ممنهج لآثار وتاريخ المنطقة
وبموازاة ذلك، عملت تركيا على مدار السنوات الستة السابقة على نهب وتخريب الممتلكات العامة وتدمير الآثار المدرجة جُلها على لوائح اليونيسكو للتراث العالمي.
وفي هذا الإطار أعربت مديرية الآثار في عفرين عن قلقها جراء هذه الممارسات خلال تصريح خاص للمكتب الاعلامي في مجلس سوريا الديمقراطية، مؤكدة أن تركيا تحاول محو تاريخ المنطقة عبر تدمير الإرث الثقافي الإنساني المتراكم عبر الزمن والتي تعتبر نتاج الحضارات والعهود السابقة العائدة لمئات آلاف السنين.
منوّهة إلى السرقات التي تقوم بها دولة الاحتلال للقطع الأثرية المستخرجة من الأراضي السورية والتي يتم نقلها إلى تركيا ومن ثم بيعها في الأسواق السوداء بمبالغ ضخمة.
ووثقت مدير الآثار تعرض ما يقارب 69 تل وموقع أثري و31 مزار ديني تتبع لأطياف وأديان مختلفة لأبشع أعمال التخريب والتدمير بواسطة الآليات الثقيلة وإزالة كافة الطبقات الأثرية بما تحويها من لقى أثرية، فضلاً عن تجريف العديد من المقابر.
حياة النساء في خطر دوماً
جرائم الاحتلال التركي وفصائله لا تعد ولا تحصى، وللمرأة النصيب الأكبر من تلك الجرائم، فعلى مدار السنوات السابقة لم تتوقف الانتهاكات بحق النساء والقاصرات وشملت الخطف والاعتداء الجنسي والقتل والتعذيب النفسي والجسدي ما جعل حياة النساء بشكل عام في خطر دوماً.
وشهدت مدينة عفرين قبل أيام جريمة بحق فتاة قاصر بناحية شيراوا، حيث أقدم المدعو يوسف، أحد عناصر “فيلق الشام” التابع للاحتلال التركي على اختطاف الفتاة (ك.م) 17 عاماً، والاعتداء عليها واغتصابها أكثر من مرة، قبل أن يعيدها إلى منزل والدها.
ومنذ احتلال عفرين، ارتكبت المئات من الجرائم المشابهة والتي كانت ضحيتها الفتيات الكرديات.
ناديا الوادي: المرأة في شمال سوريا لا تزال ضحية على أكثر من صعيد
وتعليقاً على هذه الجريمة قالت ناديا الوادي رئيسة مكتب المرأة والطفل وعضوة قيادة فرع دمشق لحزب التطوير والتحديث، إن “المرأة في شمال سوريا لا تزال ضحية على أكثر من صعيد، ففي حين أن عشرات النساء تعرضن للضرب وللعنف أودت بهن للانتحار، كان هناك أخريات تعرضن للقتل نتيجة للقصف المتعمد والمتكرر على البنى التحتية والمنشآت المدنية، فيما عدا العشرات من اللواتي اعتقلن وعذبن في المناطق التي يُدّعى أنها آمنة”.
وأكدت الوادي أن “هذه الجرائم المروعة التي تُرتكب بحق النساء والفتيات، إضافة إلى الاعتداءات العائلية تشكل تهديداً خطيراً على النساء”.
المرأة السورية هي أكثر المتضررين في الحرب الدائرة نتيجة المعاملة الوحشية التي تعرّضت لها على يد الفصائل المرتزقة والجهادية، إذ تصنف المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا وفصائلها على أنها أكثر البقاع اضطهاداً للمرأة بحسب المتابعات لشأن المرأة في سوريا.
أين هي المنظمات الحقوقية والدولية مما يُرتكب في عفرين؟
هذا الواقع الذي يدفع سكان المنطقة نحو الهاوية، ويفتح الأبواب للأسئلة عن دور المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية، فأي دور تلعبه في ظل حالة فوضى السلاح والفلتان الأمني والانتهاكات الجمّة بحق السكان الاصليين، فهل هي تغض النظر عن هذه الانتهاكات، أم أنها حقاً غير قادرة على إنهاء معاناة المدنيين؟
وبهذا الصدد قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، خلال تصريح خاص للمكتب الإعلامي لـ مسد، بأن مدينة عفرين تشهد بشكل شبه يومي العديد من حوادث الانفلات الأمني، وذلك منذ سيطرة تركيا وفصائلها عليها.
مشيراً أن المرصد السوري يسلّط الضوء بشكل مستمر على هذه الانتهاكات، متسائلاً رغم هذه التوثيقات: هل يتحرك المجتمع الدولي ومن يهتم بهذه الانتهاكات، وهل يجري العمل على إيقافها ضمن هذه المدينة التي هُجّر معظم سكانها الأصليين؟
رامي عبد الرحمن: دور المنظمات يقتصر على توثيق الانتهاكات وتقديمها للجهات الدولية
وأكد مدير المرصد بأن “هذه الانتهاكات الجسيمة تجري بحقّ المدنيين على يد الفصائل المدعومة من تركيا وتحت أنظار المجتمع الدولي والدول التي تتشدق بالحديث عن اهتمامها بحقوق الإنسان وتحقيق العدالة لكن مع هذا كله، الانتهاكات لا تزال مستمرة”.
وحول دور المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في كشف هذه الانتهاكات والجرائم ومحاسبة مرتكبيها قال رامي عبد الرحمن: “يقتصر دور بعض المنظمات على توثيق هذه الانتهاكات وإصدار التقارير وتقديمها للجهات الدولية”.
مشدداً على أهمية أن تتحرك هذه الجهات للضغط على تركيا من أجل وضع حدٍّ لما يجري في عفرين من انتهاكات وجرائم تحدث بشكل شبه يومي.
ووسط ظروف الأزمة السورية ومعاناة الشعب السوري منذ 13 عاماً، حمّل رئيس المرصد السوري لحقوق الانسان تركيا أوزار الانفلات الأمني والإجرام والاقتتال بين الفصائل في مناطق نفوذها في الشمال السوري.
الجرائم التي ترتكبها تركيا وفصائلها في عموم مناطق الشمال السوري وعفرين على وجه الخصوص، تستوجب التدخل العاجل والفوري لوقفها، وهذا المطلب طالما نادى به سكان المنطقة، فهل من مجيب؟!
حلب – لينا العلي