تؤكد الحقائق التاريخية أن الثورات لا تموت، ولن تُهزم ما دامت الأسباب التي دعت إليها حاضرة بقوة. في هذا السياق، يستمر الحراك السلمي في السويداء ويتواصل، وباستمراره يتضح المسار أكثر فأكثر، ويرتفع سقف الشعارات. لم تعد هذه الشعارات تنحصر في ضرورة تطبيق القرار الأممي 2254، ورحيل السلطة، والانتقال إلى سوريا ديمقراطية تعددية، بل ظهرت شعارات ذات مضامين عميقة، تؤكد أن الفعل الثوري له امتداداته وتأثيراته. فقد برهن الحِراك في جمعته الأخيرة أن الجغرافية السورية تحكمها هواجس واحدة، وأن السوريين يجمعهم همٌّ واحد، ألا وهو تحقيق التحول الديمقراطي.
من الجنوب إلى الشمال، ظهر في حراك السويداء نمط جديد في تبني الشعارات ورفعها، ووضعها في مسار يؤكد أن مصير السوريين واحد. فرغم محاولات السلطة إجهاض الحِراك، وشيطنة شعاراته ووضعه في قالب انفصالي، إلا أن واقع الحِراك وسلميته أحبط محاولات السلطة في تحييد شعارات الحِراك، والتي يبدو أنها أزعجتها. اليوم، ثمة مشهد سياسي جديد في سوريا لا تحكمه الشعارات فحسب – على أهميتها – بل هناك ما يوحي بأن الجغرافية السورية على موعد مع انتفاضات جديدة، تُنهي عبث السلطة بمصير السوريين.
لا تحدد سياسات السلطة ورغباتها في إعادة العلاقات مع تركيا أو غيرها من الدول مصير السوريين اليوم. بل إن مصيرهم يتحدد باستمرارية حِراكهم، وبقاء مطالبهم بسورية ديمقراطية تعددية. لذلك، فإن محاولات السلطة لتسويق أوهام انتهاء الأزمة، والانتقال إلى واقع سياسي واقتصادي ومعيشي جديد، لا تعكس الواقع الحقيقي الذي يعيشه السوريون. وعليه، فإن استمرار الحراك في السويداء وغيرها من مناطق سيطرة السلطة هو ما يحدد مصير السوريين ومستقبل بلادهم.
يستمر مشهد الحراك في السويداء على مدى أيام الأسبوع. وقد شهدت الجمعة الأخيرة ظهور شعارات جديدة، فضلاً عن اتساع رقعة الحراك، وتعدد ساحاته. ففي وسط مدينة السويداء، وتحديداً من ساحة الكرامة، تجمع الأهالي في مظاهرة مركزية للتأكيد على استمرار الانتفاضة الشعبية في وجه السلطة، وعلى المطالب المحقّة المتمثلة بالانتقال السياسي والإفراج عن المعتقلين وتطبيق القرار 2254.
ومع استمرار الحراك السلمي في السويداء منذ أكثر من 10 أشهر، رفع المتظاهرون عبارات جديدة تؤكد أن السوريين في عموم الجغرافية السورية تحكمهم وحدة المصير. فقد ندّد المتظاهرون بالهجمات العنصرية التي طالت اللاجئين السوريين في تركيا، وأكدوا تضامنهم مع المظاهرات في الشمال السوري. ومن أبرز ما كُتب: “متضامنون مع اعتصام أهلنا في الشمال السوري لاستعادة القرار الوطني” و”من ساحة الكرامة في الجنوب نحيي ساحات الكرامة في الشمال السوري”.
من حراك السويداء إلى الشمال السوري، ومن الجنوب إلى الشمال، يواجه السوريون اليوم سلطةً أرهقتهم وعمّقت أزماتهم. إنهم يواجهون سلطة لا تنظر إليهم سوى كأرقام، وتحاول تحييدهم عن تقرير مصير سوريتهم. لكن السوريين اليوم يدركون أن هذه السلطة وكل سياساتها ترغب في إبقائهم ضمن خيمتها. إلا أنها سلطة تنهار، بينما يستمر السوريون في حِراكهم، من الجنوب إلى الشمال وعبر كل الجغرافية السورية.
عمر الصحناوي- السويداء