بقلم: د. محمود المسلط
في كل عام، يحتفل العالم بيوم السلام العالمي الذي أقرَّتْهُ الأمم المتحدة، إيماناً منها بأنَّ السلام هو مفتاح الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة. وفي صميم هذا السلام تكمن ثقافة الحوار، وهي ثقافة تبرز أهميتها اليوم للسوريين أكثر من أي وقت مضى.
إن الحوار الحقيقي يتجاوز حدود المناظرة أو المناقشة العادية. فهو لا يسعى لإقناع الآخرين بتغيير معتقداتهم، بل يهدف إلى تخطِّي عقبات سوء الفهم وتبديد الصور النمطية. من خلال هذا النهج، يمكننا إيجاد بيئة آمنة تعزز التفاهم المتبادل وتسلط الضوء على القواسم المشتركة بين السوريين، حتى في ظل اختلاف وجهات النظر.
في الوقت الراهن، تشهد منطقتنا تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، أدَّت إلى تغييرات جذرية في المشهد الدولي والإقليمي. ونحن الآن نقف على أعتاب لحظات فاصلة تتطلب إعادة ترتيب خارطة النفوذ الدولي ووضع استراتيجيات جديدة للمنطقة. وفي ضوء هذه التطورات، يصبح من الضروري أن نكون على أُهْبَةِ الاستعداد للمتغيرات السياسية التي تؤثر على الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً.
اقرأ/ي أيضاً: أوهام القضاء على الإدارة الذاتية الديمقراطية
وهنا يبرز دور الحوار البنَّاء كأداة أساسية لرسم استراتيجية جديدة لبلدنا وبناء تحالفات تخدم أهداف الحوار الوطني السوري. لذا، علينا أن نبتعد عن القضايا الجدلية غير المثمرة ونركز جهودنا على خلق مساحات آمنة وبيئة ملائمة للحوار السوري-السوري، بعيداً عن أي إملاءات خارجية. فالحقيقة الواضحة هي أنه ليس أمامنا خيار سوى الجلوس على طاولة الحوار.
وفي هذا السياق، أوجه ندائي لجميع السوريين: إن الحوار يمثل فرصة حقيقية لرسم مستقبل سوريا كوطن جامع وموحِّد لكافة أطياف الشعب السوري وانتماءاتهم. من خلال العمل الجاد، يمكننا إيجاد أرضية مشتركة وحلول تُشَكِّل ملامح مستقبل بلادنا. وعلينا أن ندرك أن التنازلات المتبادلة من أجل الوطن هي في حقيقتها مكسب وليست هزيمة.
إن المشهد الإقليمي الحالي، بما في ذلك التقارب التركي مع حكومة دمشق والمساعي الروسية لصياغة معادلة جديدة في سوريا، لن يكون كافياً وحده لتحقيق السلام المستدام والاستقرار في منطقتنا. فهذه التحركات هي جزء من صراعات إقليمية ودولية أوسع، يتحمل السوريون تَبِعَاتِها. لذا، فإن العمل من أجل المصلحة الوطنية يتطلب منا أن نكون متحدين في اختياراتنا وقراراتنا الوطنية.
ولا يمكننا تجاهل أن التطورات الأخيرة على الساحة السورية، وخاصة التقارب بين دمشق وأنقرة، قد أدَّت إلى زيادة الضغط على اللاجئين السوريين. ومع ذلك، فإننا نؤكد أننا لن ندير ظهورنا لإخوتنا في الشمال الغربي، لأن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا. فأبواب الوطن تظل مفتوحة، وأيدينا ممدودة للجميع، لأن سوريا تتسع لكل أبنائها.
اقرأ/ي أيضاً: حوار وطني مُلحّ أم مصالحة تركية تقود إلى “لبننة” سوريا؟
في ضوء هذه التحديات، يصبح من الضروري أن تبادر الحكومة السورية والمعارضة بكافة أطيافها إلى إجراء حوار داخلي سوري-سوري شامل. هذا الحوار يجب أن يُعرَض على الشعب السوري، باعتباره مصدر الشرعية الحقيقية، قبل الشروع في أي اتفاقات مع دول الجوار.
إننا جميعاً – عرباً وكرداً، مسلمين ومسيحيين، بكافة مكوناتنا – جزء لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن الغالي. ونحن نطمح لبناء وطن للجميع، يحكمه دستور يضمن حقوق كل مواطن، تحت راية سورية موحدة وقوية.
وختاماً، أذكركم بقول الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن: “البيت المنقسم على ذاته لا يستطيع النهوض.” لنعمل معاً يداً بيد من أجل بناء سوريا موحدة، قوية، وعادلة للجميع.
د. محمود دحام عبد العزيز المسلط
الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية