عودٌ على بدءٍ؛ لا تزال محافظة درعا جنوب سوريا تشهد حالة من اللااستقرار، جرّاء اشتباكات دامية مستمرة، أبطالها عناصر تابعون لأجهزة السلطة الأمنية. وفي آخر فصول الاشتباكات، والتي لا تزال مستمرة حتى لحظة إعداد هذا التقرير، شهدت بلدة جاسم في ريف درعا الجنوبي اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين مجموعتين، إحداهما مرتبطة بالأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الحاكمة في دمشق.
تعود جذور الأزمة الحالية في درعا إلى عام 2018، عندما استعادت السلطة في دمشق السيطرة على المحافظة بعد سنوات من سيطرة فصائل المعارضة المسلحة. آنذاك، تم التوصل إلى اتفاقيات تسوية برعاية روسية، سمحت للعديد من المقاتلين السابقين بالبقاء في المنطقة مع الاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة، مقابل عودة مؤسسات الدولة. ومع ذلك، فإن هذه التسويات لم تنجح في تحقيق الاستقرار المنشود. بدلاً من ذلك، أدت إلى نشوء وضع أمني معقد، حيث تتنافس مجموعات مسلحة متعددة – بعضها موالٍ للسلطة وبعضها الآخر من المعارضين السابقين – على النفوذ والسيطرة. هذا الوضع المتوتر، مقرونًا بالتدخلات المستمرة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، خلق بيئة خصبة للاضطرابات والعنف المتكرر، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة المدنيين وأمنهم في المحافظة.
في التفاصيل، جرت اشتباكات ليل الجمعة الفائت في بلدة جاسم بين مجموعتين: الأولى تتبع لآل الجرادات وتساندها مجموعة وائل خليل الجلم الملقب بـ”الغبيني” والتي تتبع مباشرة للمخابرات العسكرية التابعة للسلطة، والثانية يقودها عبد الله الحلقي المعروف محليًا بـ”أبو عاصم”. استُخدمت خلال الاشتباكات أسلحة خفيفة ومتوسطة. بدأت الاشتباكات بعد احتجاز مجموعة الحلقي ثلاثة أشخاص من عائلة الجرادات بهدف التحقيق معهم، على خلفية اختطاف مسلحين من هذه العائلة يافعًا من منزله في قرية العالية الثلاثاء الماضي، والاعتداء عليه بالضرب قبل إطلاق سراحه، بتهمة نقل الأخبار لصالح مجموعة أبو عاصم.
اقرأ/ي أيضاً: خلف ستار الانتخابات.. حقيقة المشهد السياسي في مناطق سيطرة السلطة
دخلت فصائل عديدة على خط المواجهة بغية إيقاف الاشتباكات وحالة التردي الأمني، لكنها لم تستطع إنهاء الاشتباكات نتيجة رفض مجموعة الغبيني إيقافها، وذلك بحسب مصدر في أحد الفصائل.
أكد المصدر السابق أن مجموعة الغبيني تقوم بترهيب المدنيين. وفي التطورات الأخيرة، تقوم تلك المجموعة بالرمي المباشر باتجاه منازل المدنيين بشكل عشوائي في الحي الغربي، وقصفها بقذائف هاون وأخرى صاروخية، الأمر الذي أسفر عن إصابة طفلة بشظايا إحدى القذائف. وأشار إلى أن فوضى عارمة تسود المنطقة في ظل الفلتان الأمني ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام بدرعا.
في السياق ذاته، أكدت مصادر محلية أن مجموعة الغبيني المرتبطة بجهاز المخابرات العسكرية التابع للسلطة تسلمت من السلطة أسلحة متنوعة والعديد من الذخائر. وأوضحت أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تدعم مجموعات محلية بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بهدف إحداث شرخ وفتنة بين عشائر ومكونات الجنوب السوري، الأمر الذي بات نهجًا واضحًا لتلك الأجهزة في ضرب النسيج الاجتماعي في المنطقة.
اقرأ/ي أيضاً: جرائم وانتهاكات بالجملة في عفرين… لا أعين ترى ولا آذان تسمع
تُعد مجموعة الغبيني من أبرز المجموعات المرتبطة بالسلطة، والتي تقوم بعمليات خطف للمدنيين وسرقة سيارات وعمليات تشليح وفرض إتاوات في بلدة جاسم وريف القنيطرة المتاخم لها. وقد شهدت بلدة الصنمين في ريف درعا الشمالي قبل أيام أحداثًا دامية بين مجموعات محلية تابعة للأجهزة الأمنية أدت إلى مقتل العشرات، من بينهم أطفال ونساء قضوا حرقًا. كما شهدت بلدة اليادودة في ريف درعا الغربي أحداثًا مماثلة، الأمر الذي يزيد من حالة الفلتان الأمني الذي يضرب هذه المحافظة.
من المهم القول إنه منذ استعادة السلطة السيطرة على درعا منتصف عام 2018، والفوضى الأمنية عنوان المشهد في المحافظة. إذ تعاني تلك المحافظة حالة من الفلتان الأمني وعمليات اغتيال مستمرة ضد معارضي السلطة ورافضي التسوية. كل ذلك يُبقي المدنيين في محافظة درعا، مدينةً وريفًا، في حالة من الخوف، ويُبقي عموم المحافظة في حالة من اللااستقرار.
وليد السكري – درعا