أعلنت السلطة في دمشق يوم 15 تموز/يوليو، موعداً ما يسمى بانتخابات “مجلس الشعب”، وذلك منذ الأيام الأولى من شهر حزيران/يونيو لهذا العام. ومع هذا الإعلان، بدأت الدعاية الرسمية التي تصوّر السلطة كجهة ديمقراطية، أو على الأقل ككيان يتمتع بضوابط قانونية وسياسية قادرة على النهوض ومحاربة الفساد.
غير أن الواقع يشير إلى أن هذه السلطة تفتقد، استناداً لدستورها، العديد من مقومات الديمقراطية، أبرزها مبدأ فصل السلطات. فالسلطة التنفيذية تسيطر على المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي تتحكم في ترخيص الأحزاب وتقييد الترشّح وحرية العمل السياسي والدعاية الانتخابية.
على أرض الواقع، تقوم الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، بشكل غير دستوري، بكم الأفواه وملاحقة المعارضين والمتحفظين ونشر الشائعات. وتتكاتف جميع هيئات السلطة في دمشق لدعم دعايتها الخاصة.
مدى تفاعل السكان مع إعلان موعد الانتخابات
“عم يعذبوا حالن عالفاضي” هذا ما قاله السيد جمال خ. (45 عاماً) ومعظم من التقيناهم من السكان في مناطق سيطرة السلطة. ويقصدون بذلك أن هذه المسرحية لن تغير في قناعاتهم الثابتة حول هذه السلطة وطبيعتها الاستغلالية.
اقرأ/ي أيضاً: بنش.. من مظاهرات سلمية إلى مواجهة واستنفار عسكري
في إحدى جلسات العزاء، وبالرغم من مخاطر التحدث العلني بالشأن العام، قال السيد حاتم م. (65 عاماً): “اللي بيجرب المجرب عقلو مخرّب”، مشيراً إلى فشل محاولات السلطة المتكررة في إقناع الشعب بجدية الإصلاح. وختم حديثه بالقول: “الحال صعب عالجميع وما في أمل”.
الساحل السوري: صورة مغايرة أم واقع مماثل؟
على الرغم من الانطباع السائد بأن الساحل السوري قد يشهد وضعاً مختلفاً، إلا أن استطلاعاتنا في المناطق الساحلية كشفت عن صورة مشابهة لباقي المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة. ففي اللاذقية وطرطوس، عبّر العديد من السكان عن خيبة أملهم في العملية الانتخابية.
الآراء تشير إلى أن الساحل السوري، رغم ما يشاع عن كونه معقلاً للسلطة، لا يختلف كثيراً في نظرته للانتخابات عن باقي المناطق. فالشكوك حول جدوى العملية الانتخابية وقدرتها على إحداث تغيير حقيقي تبدو منتشرة هنا أيضاً، مما يؤكد على عمق أزمة الثقة بين المواطنين والسلطة حتى في المناطق التي تعتبر تقليدياً أكثر ولاءاً للسلطة.
آراء حول “ديمقراطية” السلطة
في لقاء مع المعارض والناشط السياسي المنذر أ. (55 عاماً)، أوضح أن السكان في سوريا عموماً لا يشكّون في الطبيعة الاستبدادية للسلطة في دمشق. لكن الخطير، بحسب تعبيره، هو الدعايات والمفاهيم التي حاولت السلطة تمريرها عبر عقود من سيطرتها.
هذه الدعايات تتمحور حول تشكيك السكان في مفهوم الديمقراطية ذاته. فمثقفون وسياسيون موالون للسلطة يقومون باستمرار بنسف مبدأ الديمقراطية والعمل المؤسساتي ومبدأ فصل السلطات. وبدلاً من التساؤل عن مدى ديمقراطية الدولة، يتم طرح تساؤل مضلل: “هل هناك ديمقراطية حقاً؟ وهل تصدقون أن شعوب الغرب تحكم نفسها بنفسها؟”
اقرأ/ي أيضاً: الفلتان الأمني يتصاعد في درعا.. صراعات داخلية تهدد حياة المدنيين
دور “مجلس الشعب”
في الدول الدستورية، يقوم “البرلمان أو مجلس الشعب” بدور قيادي مسؤول عن إضفاء الشرعية على الحكومات والسلطات التنفيذية. لكن في مناطق سيطرة السلطة السورية، يرى معظم المستطلعين أن “مجلس الشعب” هيئة صورية لا تستطيع التأثير في مسار الأحداث السياسية أو تحسين السياسات الاقتصادية أو الممارسات الأمنية.
الأجوبة كانت تأتي على شكل عبارات مثل “لا بيحل ولا بيربط” أو “مثل قلّته”، في تجلٍّ واضح لانعدام الثقة في المؤسسات السياسية. هذا الإهمال الواضح لمسرحية الانتخابات وعدم الاكتراث يؤكدان فشل السلطة في إقناع الشعب بجدية العملية الانتخابية.
إن العلاقة الغيرية التي تربط السكان بالسلطة في دمشق توضح مدى التفارق البنيوي بينهما. وهذا، بالإضافة لكونه مؤشراً على فشل دعاية النظام، يعتبر دليلاً واضحاً على أن الخوف والترهيب هما الضابط الوحيد للسكان وحبل النجاة الأخير للسلطة.
وإن أكثر ما يثير القلق هو اعتياد النخبة والمثقفين على قبول هذا الواقع، حيث ينظر السكان إلى السلطة كطرف له مصالحه الخاصة، ويعتبرون أنفسهم طرفاً ضعيفاً لا يملك سوى القبول بشروط الطرف الآخر. هذه النظرة تعمّق الهوّة بين الشعب والسلطة، وتقوض أي أمل في تغيير حقيقي من خلال العملية الانتخابية الحالية.
أليمار لاذقاني- اللاذقية