منذ بداية الثورة في سوريا شاركت النساء فيها بكل قوة من أجل إعادة بناء المجتمع من جديد بعد أن حوّله النظام إلى مجتمع استهلاكي ومتنمّل ولا يعبر عن حقيقته المجتمعية الخلاقة.
الحرية التي سلبها النظام وجعلها مطية بيده على رقاب الجميع، حتى بات المجتمع يئنّ تحت وطأة اليد الأمنية واستفحال التشتت المجتمعي بكل أشكاله.
حيث كان لمشاركة المرأة في ميادين الثورة الدور الفعّال في زيادة زخمها وانتشارها في كل مكان وحتى وقتنا الراهن.
لكن سرقة الثورة من السوريين والمرأة على وجه الخصوص ورهنها بيد حفنة من المستبدين والمرتزقة، الذين ليسوا سوى الوجه الآخر لذهنية النظام المستبد. فقد حوّلوا الثورة إلى حالة من جمع الثروات على حساب مصالح الشعب السوري. وتم عسكرة الثورة بالعقلية الذكورية التي لا تعترف بالمرأة ولا بحريتها، وتم استغلالها كسلعة رخيصة يستثمر بها ويجعلها حبيسة عقليته الرجولية الفظّة وقتما يريد.
وبعد مضي أكثر من عقد على الثورة لا زالت المعارضة تصرّ على عقليتها في تهميش المرأة والنيل منها وكأنها لا شيء ولا يعترف بكينونتها وماهيتها ولا بإنسانيتها، جعلها حبيسة الخيام والاغتصاب والاعتقال والتهجير والموت في البحار، بات أمراً عادياً نسمعه كثيراً عبر وسائل الإعلام، وكأنه أمرٌ عادي لا يثير اهتمام أحد، حتى أصبحت المرأة السورية من أكثر المتضررين من الحرب الدائرة.
وفي الوقت الذي تزداد فيه الاحتجاجات المناهضة لكل الفصائل والمجموعات المحسوبة على المعارضة والمرتهنة لأجندات تركيا، في المناطق المحتلة والتي هي تحت سيطرة هذه الفصائل، نرى الفصائل والتنظيمات في المعارضة ومنهم “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً”، قد كشف مجدداً عن ذهنيته المعاديةٍ للمرأة وكينونتها. حيث تابعنا في منسقية نساء الأحزاب في مجلس سوريا الديمقراطية باهتمام وغضب شديدين حادثة دهس سيدة في مدينة بنش شرقي مركز محافظة إدلب. إذ إن حادثة دهس امرأة تشارك في مظاهرة مناهضة لأفعال هذه الفصائل وتطالب بإسقاط متزعم “الهيئة” ومنظومته الأمنية، وكذلك الإفراج عن كافة المعتقلين/ات والمختطفين/ات في أقبيته وسجونه.
وأشعلت هذه الحادثة مشاعر الغضب، ما دفع المئات للخروج ضد سلطة “الهيئة” في المدينة، وتحوَّلَت مطالب المحتجين إلى تحدٍّ مباشر لسلطة “الهيئة” ونددوا بالحادثة وطالبوا بمحاسبة المسؤولين.
إن مثل هذه الممارسات تعكس السلوك الإرهابي لدى “هيئة تحرير الشام”، وتكشف الوجه الحقيقي لهذا التنظيم وعدائه للمرأة وعدم تحمّله إيّاها وهي تخرج إلى الشوارع مطالبةً بحقوقها. كما يعيد هذا الفعل للأذهان ما كان يقوم به تنظيم “داعش” الإرهابي بحقّ النساء اللواتي يرفضن الخنوع له.
إن ما تتعرض له المرأة في إدلب، مشابه تماماً لما تتعرض المرأة في عفرين وسريه كانيه وتل أبيض المحتلة، فأينما كان هناك تواجد للاحتلال التركي في سوريا، نرى أن المرأة تتعرض للاختطاف والاغتصاب والتعذيب وصولاً إلى القتل.
إنّنا في منسقية نساء الاحزاب في مجلس سوريا الديمقراطية، وفي الوقت الذي نندّد فيه بأشد العبارات لما تتعرّض له المرأة على أيدي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وبقية المجموعات المرتزقة التابعة للاحتلال التركي، فإنّنا نعلن دعمنا للنساء في تلك المناطق.
كما نؤكد أن مثل هذه الأفعال تحتّم على النساء السوريات، الإسراع في توحيد الرؤى وتوحيد الصف والجهود لمواجهة الذهنية الذكورية وتحديد الأولويات ومواجهة التحديات والمخاطر، لتحقيق الانتقال والتحول الديمقراطي وإنهاء الاحتلالات وعدم السماح بإعادة إنتاج وشرعنة منظومة الاستبداد والفساد.
وأيضاً ندعوا المنظمات الحقوقية وعلى رأسها المنظمات المعنية بحقوق المرأة متابعة وضع النساء في المناطق المحتلة من قبل تركيا و”هيئة تحرير الشام”، والفصائل الأخرى لما تتعرضن له من انتهاكات، والتي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والعمل على تأمين الحماية للنساء وضمان حقوقهنّ وفق العهود والمواثيق الإنسانية الدولية.
منسقية نساء الأحزاب في مجلس سوريا الديمقراطية
18 تموز\يوليو 2024