تشهد مناطق سيطرة السلطة في دمشق ظواهر غير مسبوقة في ظل واقع اقتصادي ومعيشي كارثي. ولا يزال السوريون يقبعون في أتون أزمات لم يُكتب لها أن تنتهي، وسط تجاهل السلطة لمعاناة المدنيين. اليوم، وارتباطًا بالأزمات المعيشية، تبرز ظاهرة سرقة كابلات الكهرباء، الأمر الذي يُغرق السوريين في الظلام أكثر فأكثر.
في مدينة حماة، يستيقظ الأهالي على أزمة جديدة، مدركين أن سرقة الكابلات الكهربائية تعني غياب الكهرباء لأشهر طويلة. فقد ارتفعت وتيرة هذه السرقات منذ الشتاء الماضي، وأخذت تزداد مع عجز أجهزة السلطة عن إلقاء القبض على الفاعلين، مما ساهم بشكل كبير في تفاقم الظاهرة وتوسّع نطاق عمل السارقين ليشمل أحياء عدة في المدينة.
عند التعمّق في ظاهرة سرقة كابلات الكهرباء، نجد أن الحقيقة قد تكون أكثر تعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى. فبينما لا يمكن تبرئة أصحاب السوابق في مجال السرقات، إلا أن المعلومات التي حصلنا عليها تكاد تكون صادمة، لتنطبق هنا المقولة الشهيرة “حاميها حراميها”.
يروي عدنان ش. ز. (44 عامًا) من أهالي حي الصابونية وسط حماة قصة مثيرة للقلق. يقول: “انقطاع الكهرباء في الحي قارَبَ اليوم التاسع، وذلك بسبب سرقة الكابل الكهربائي الواصل بين الخزان الرئيسي في منطقة الصابونية والخزان الفرعي في الحي. تُقدَّر المسافة التي سُرِقَت كابلاتها بحوالي مئة وعشرة أمتار.”
اقرأ/ي أيضاً: عشر سنوات وضحايا فرمان شنكال ينتظرون الإنصاف
ويضيف عدنان معلومة مثيرة للجدل: “أخبرني أحد سكان الحي أن سيارة من نوع بيك آب هيونداي قامت بالعملية. نصب شخص من السيارة سلّماً طويلاً وقام بقطع الكابل من الخزان الرئيسي وصولاً إلى الخزان الفرعي. والجميع في حماة يعلم أن هذا النوع من السيارات يعود ملكيته لعناصر الفرقة الرابعة.”
في سياق متصل، يشير عبد السميع الطباع، من سكان حي الحاضر، إلى حادثة مماثلة وقعت بالقرب من قسم الشرطة. يقول: “بيتي لا يبعد عن قسم شرطة الحي سوى بضعة أمتار، ومع ذلك تم سرقة الكابل الكهربائي الواصل من الخزان الرئيسي إلى المحوّلة الكهربائية التي تغذّي خط قسم الشرطة و7 بنايات قريبة. هذا يؤكد أن مَن يقوم بسرقة تلك الكابلات لا يكترث للقوى الأمنية، بل إن الأخيرة تهابهم.”
معاناة الأهالي تتفاقم مع كل يوم يمرّ دون حلّ. لجأ السكان إلى مديرية الكهرباء في محافظة حماة طلباً للمساعدة، لكن الحل المقترح كان صادماً. فقد طلبت المديرية من الأهالي المتضررين شراء كابلات نحاسية وأدوات كهربائية خاصة بإعادة ربط الكابلات، محمِّلة إيّاهم تكاليف باهظة تصل إلى ملايين الليرات السورية.
تبريرات مديرية الكهرباء جاءت في إطار عدم امتلاكها للكابلات اللازمة وعجزها عن تأمين أسلاك كهربائية جديدة، مع عرضها تقديم فنيين للتركيب فقط.
اقرأ/ي أيضاً: إرهاب “داعش” المتزايد في سوريا.. ماذا يوفّر له الاحتلال التركي في الشمال؟
للوقوف على حجم المشكلة، تحدثنا إلى أحد العاملين في مديرية كهرباء حماة، الذي فضَّل عدم الكشف عن هويته. أوضح أن سعر متر الكابل الكهربائي من الألمنيوم يبلغ حوالي 75 ألف ليرة سورية، وقد يصل سعر تركيب المتر الواحد، مع الأسلاك واللوازم الكهربائية، إلى حوالي 160 ألف ليرة سورية. أما كابلات النحاس الكهربائية، فيصل سعر المتر إلى حوالي 350 ألف ليرة سورية.
يختتم المصدر حديثه بنبرة يأس: “هذه الظاهرة يجب أن يوضع لها حدّ من قِبَل الدولة وأجهزتها الأمنية، لكن لا حياة لمن تنادي. ولا يُعقل أن يقوم الأهالي بدفع ملايين الليرات السورية من أجل عدة أمتار من الكابلات الكهربائية التي ستُسرق مجدداً، خاصة أن الواقع الاقتصادي والمعيشي بات لا يُطاق.”
في ظل هذا الواقع المرير، يبدو أن أهالي حماة وأحيائها سيبقون في ظلامٍ دامس حتى إشعار آخر، في انتظار حلول جذرية لأزمة تعكس عمق المأساة الاقتصادية والأمنية التي تعيشها البلاد.
ضياء العاصي- حماه