في مناطق سيطرة السلطة في دمشق، أصبح الحديث عن الأزمات المزمنة أمراً اعتيادياً، في ظل السياسات التي تتبعها السلطة والتي تعتمد صراحةً سيناريو الإنهاك المتعمّد للسوريين. المشهد الذي يختصر معاناة السوريين في المناطق التابعة للسلطة تختزله أزمات الكهرباء والمياه والقمامة، مع المطالبات المستمرة بإيجاد حلول لتلك الأزمات.
في مدينة جرمانا في ريف دمشق، فإن الأزمات المستمرة وتفاقمها زادت من حالة الاحتقان الشعبي. ورغم المطالبات المستمرة بإيجاد حل جذري لجملة الأزمات، إلا أن السلطة لا تكترث لمعاناة الأهالي، وتكتفي كما العادة بوعود وهمية يصفها السوريون بـ “أبر البنج”، الأمر الذي أجبر الأهالي على النزول إلى الشارع للتعبير عن الاستياء من سياسات السلطة وعدم الاكتراث بمعاناتهم.
يخبرنا مازن س. (48 عامًا) وهو مقيم في جرمانا ويعمل في صناعة الأجبان والألبان، بأن الوضع في المدينة بات خارج أي وصف، فلا كهرباء ولا ماء، وفوق كل هذا القمامة تملأ الشوارع في صيف لاهب، مما يخلق وضعًا كارثيًا.
اقرأ/ي أيضاً: عشر سنوات وضحايا فرمان شنكال ينتظرون الإنصاف
يتابع مازن: “طلبنا مراراً إيجاد حلول جذرية لتلك الأزمات، فمصالحنا توقفت نتيجة ضعف الخدمات. والتقينا أكثر من مرة مع محافظ ريف دمشق ورئيس بلدية جرمانا، ووضعناهم في صورة معاناتنا. وبعد كل لقاء يتم تحسين واقع الخدمات لأيام معدودة، لتعود حليمة لعادتها القديمة”.
ويختم مازن: “أمام هذا الواقع لم يعد أمامنا إلا الشارع، حيث قمنا بالنزول إلى الشارع وغالبية أهالي جرمانا نزلوا مطالبين بحقوقهم، من كهرباء وماء وشوارع نظيفة. وإن لم تستجب السلطة سنقوم بتصعيد المظاهرات حتى تحسين الواقع، فالوعود الواهية والكاذبة لم تعد تنطلي علينا، ونريد حلولاً جذرية”.
وفي سياق متصل، يقول سامر ن. ( 35 عامًا) وهو ناشط مدني من جرمانا: “إن تدني مستوى الخدمات في المدينة هو انعكاس مباشر للفساد المستشري في أجهزة الدولة والنظام السياسي القائم. نحن لا نطالب فقط بتحسين الخدمات، بل نرى أن الحل الجذري يكمن في التغيير السياسي الشامل وإرساء نظام ديمقراطي حقيقي يحترم حقوق المواطنين ويلبي احتياجاتهم الأساسية”.
ويضيف سامر: “المطالب السياسية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حراك الشارع في جرمانا. فالناس باتوا يدركون أن أزمة الخدمات هي جزء من أزمة أكبر تتعلق بطبيعة النظام السياسي وآليات صنع القرار. لذلك، فإن المظاهرات التي تخرج للمطالبة بتحسين الخدمات غالباً ما تتضمن أيضاً مطالب سياسية كالإصلاح الشامل والتغيير الديمقراطي”.
اقرأ/ي أيضاً: أزمة الكهرباء في حماة.. بين عجز السلطات وتورط النافذين
حقيقة الأمر، إن استهتار السلطة بأزمات غالبية السوريين هو واقع بات غير مقبول إطلاقاً. والجدير بالذكر أن الأهالي في جرمانا قد خرجوا مرات عديدة في مظاهرات مطالبين بأبسط حقوقهم. ولسان حال الأهالي في جرمانا يقول بأنه لم يعد ممكناً قبول هذا الواقع، وحالة الاستهتار الرسمي بأزماتنا لم تعد مقبولة، كما أن سياسات الإلهاء التي تتبعها السلطة باتت مكشوفة للجميع.
ما سبق يؤكد أن السلطة باتت منتِجة للأزمات، ولم تعد تملك أي حلّ يكون كفيلًا بوضع حدّ لمعاناة السوريين في مناطق سيطرتها. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل صراحةً على أن السلطة تعتمد سيناريو إنهاك السوريين وتعميق أزماتهم. لكن في المقابل، فإنه من الجلي ملاحظة أن غالبية السوريين لم تعد ترهبهم سلطةٌ باتت خارج أي حسابات، فالخروج المستمر عليها يؤكد أن هذه السلطة فقدت هيبتها، وأي سلطة حين تفقد هيبتها يتوجب رحيلها فورًا.
يبدو أن الوضع في جرمانا، كما في العديد من مناطق سيطرة السلطة، يسير نحو مزيد من التصعيد والمواجهة بين السلطة والمواطنين. فالأزمات المتراكمة وعجز السلطة عن إيجاد حلول جذرية لها، إضافة إلى تزايد الوعي السياسي لدى المواطنين، كلها عوامل تنذر بتحولات جذرية قد تشهدها المنطقة في المستقبل القريب. ويبقى السؤال: هل ستستجيب السلطة لمطالب المواطنين قبل فوات الأوان، أم أن الأمور ستتجه نحو مزيد من التصعيد والمواجهة؟
عمار المعتوق- دمشق